هل تستضيف لوس أنجلوس مباريات كأس عالم لن يحضرها أحد ؟

القيود الأمريكية الصارمة في المطارات أبعد ما تكون عن الترحيب رغم استعداد المدينة لكأس العالم والألعاب الأولمبية

بعد فترة قصيرة من اختيار لوس أنجلوس ضمن 11 مدينة أمريكية تستضيف بطولة كأس العالم صيف العام المقبل، التي ينظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، بدأ مسؤولو السياحة في توقع الأثر الاقتصادي المحتمل. ومن بين أشد التقديرات تفاؤلاً أن هذه البطولة التي ستستمر لأسابيع قد تضخ نحو 600 مليون دولار في الاقتصاد المحلي، معظمها من المشجعين القادمين من مختلف أنحاء العالم.

لكن التشاؤم استشرى منذ ذلك الحين.

فبينما يُفترض أن تكون الولايات المتحدة تستعد للترحيب بالزوار من جميع أنحاء العالم بحفاوة، تؤدي سياسات الرئيس دونالد ترمب المتقلبة بشأن الهجرة، وخطابه المتشدد إلى عزوف السياح بدلاً من ذلك. وجرى تداول روايات عن منع مسافرين لديهم التأشيرات من دخول البلاد عند الحدود بسبب مخالفات بسيطة، أو حتى احتجازهم بضعة أسابيع قبل السماح لهم بالعودة إلى بلدانهم، في بعض الحالات.

القواعد الأمريكية الصارمة تؤثر سلباً في السياحة

توقع المجلس العالمي للسفر والسياحة (World Travel & Tourism Council) في الآونة الأخيرة، في إشارة إلى تأثير سياسات إدارة ترمب، أن يصل الإنفاق على الرحلات الدولية المُتجهة إلى الولايات المتحدة إلى 169 مليار دولار فقط هذا العام، ما يمثل انخفاضاً قدره 12.5 مليار دولار عن مستواه في 2024، وأقل بكثير من ذروة 217 مليار دولار في 2019.

تراجع عدد المسافرين من كندا للشهر الثالث على التوالي، فيما أصدرت دول عديدة، من بينها ألمانيا، إرشادات سفر تحث فيها مواطنيها على الالتزام الشديد بالقواعد الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة لدخول البلاد، وإلا التعرض لخطر الاحتجاز. كما أصدرت هولندا وبلجيكا تحذيرات محددة للمسافرين المتحولين جنسياً، تنصحهم بالاستعداد لمواجهة صعوبات عند الحدود في حالة استخدامهم خيار النوع اللاثنائي في جوازات سفرهم.

مع ذلك، لا يبدو ترمب قلقاً؛ فخلال زيارته إلى قطر، حيث أُقيمت كأس العالم الماضية، أكّد الرئيس أن البطولة التي ستُقام العام المقبل -وتوصف بأنها الأكبر في التاريخ، إذ سيشارك فيها 48 منتخباً وتقام المباريات في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا- "ستكون مثيرة للغاية".

في الوقت نفسه، تعهدت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم بأن تسير إجراءات سفر السياح "بسلاسة". كما أعلن رئيس "فيفا" جياني إنفانتينو، حليف ترمب القديم، أن العالم مُرحب به في أمريكا، وقال أمام كونغرس الاتحاد (الهيئة التشريعية العليا في "فيفا")، "ليكون ذلك واضحاً تماماً، هذا ليس تصريحاً شخصياً مني، بل من الحكومة الأميركية".

عبء كبير على عاتق لوس أنجلوس

لكن هذا الترويج الأجوف لم يلق استحساناً في لوس أنجلوس، المدينة الأمريكية التي ربما تكون الأهم متى تعلق الأمر بالسياحة الرياضية. فدورها لن يقتصر على استضافة 8 مباريات في كأس العالم، من بينها المباراة الافتتاحية البارزة للرجال، بل مسؤولة أيضاً عن استضافة دورتي الألعاب الأولمبية والبارالمبية الصيفيتين في 2028.

يجرى الإعداد للحدثين الضخمين منذ فترة، والذي يأتي تمويلهما بشكل رئيسي حتى الآن من صفقات الرعاية وحقوق البث، مع ذلك، فإذا تجاوزت التكاليف التقديرات الأولية، وهذا يحدث عادةً، سيتحملها دافعو الضرائب والخزينة المُستنزَفة للمدينة.
كشف الباحثون في جامعة لوزان أن من أصل بطولات كأس العالم الـ14 الماضية، اثنتان فقط لم تُكبد الدول المستضيفة خسائر. أما دورات الألعاب الأولمبية، فتجاوزت أغلب المدن المستضيفة الميزانيات المقررة وفشلت في استرداد النفقات. لذلك تُعد معادلة الإيرادات بالتكاليف في لندن في 2012 إنجازاً.

تزايد الصورة السلبية عن أمريكا لدى السياح

تحقق الفنادق والمطاعم، التي تعج بالعملاء، أرباحاً خلال الأحداث الضخمة في العادة. لكن مع توقع كثيرين أن تشكل سياسات إدارة ترمب عائقاً أمام السياحة، يحيط الشك حالياً بحجم الربح المتوقع.
شكل هذا الموضوع صميم جدال محتدم أمام مجلس مدينة لوس أنجلوس في الآونة الأخيرة، إذ اعترض مسؤولو السياحة ورؤساء الشركات على خطة لرفع الحد الأدنى لأجور العاملين في الفنادق والمطارات إلى 25 دولاراً للساعة قبل كأس العالم، و30 دولاراً للساعة قبل الألعاب الأولمبية.

حذّر أدم بيرك، رئيس مجلس لوس أنجلوس للسياحة والمؤتمرات، من أن هناك "بات لدى أغلبية ساحقة من السياح القادمين من أسواقنا الدولية الرئيسية صورة سلبية للولايات المتحدة باعتبارها وجهة سياحية"، ودلل على ذلك بالتباطؤ المتوقع في الرحلات الدولية، الذي بدأ يظهر بالفعل في مدن المنتجعات في كاليفورنيا، مثل بالم سبرينغز. وأضاف أن "توقعات 2025 غير مبشرة".

هل تنعكس التداعيات على لوس أنجلوس؟

أحد مصادر القلق الأخرى هو ما إذا كان لدى إدارة ترمب الموارد الكافية للتعامل مع ملايين طلبات التأشيرات السياحية، وإذا تمكنت من ذلك، هل ستتسم بالصبر الكافي في إدارة تدفق المشجعين واللاعبين بشكل متكرر عبر الحدود مع المكسيك وكندا خلال كأس العالم.

وفي هذا السياق، ألقى نائب الرئيس، جيه دي فانس، دعابة -أظنها كذلك على الأقل- أن الولايات المتحدة ترغب من السياح "مشاهدة المباراة، لكن بعد انتهاء البطولة، عليهم العودة إلى بلدانهم، وإلا سيضطرون إلى مناقشة الأمر مع الوزيرة نويم". وفي الوقت نفسه، شجّع وزير النقل شون دفي السياح على الذهاب في رحلة طويلة بالسيارة، على ألا "يبقوا بعد انتهاء التأشيرة". ويُستبعد أن تبعث هذه التصريحات الثقة بين أي سياح محتملين.

وكما أوضح أدم ساكس، رئيس شركة "توريزم إيكونوميكس" (Tourism Economics) للبحوث، لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن "العلامة التجارية للبلد تلقت ضربة قوية"، ويبدو أن التداعيات ستبدأ في الظهور في لوس أنجلوس.

خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي