صندوق الاستثمارات العامة .. أين موقعك؟

منذ إنشائه قبل نحو 40 عاما يضطلع صندوق الاستثمارات العامة في المملكة بدور غير مسبوق في دعم الاقتصاد الوطني ما أسهم في توسعة القاعدة الصناعية، المرافق العامة، والخدمات الأساسية. ولعل من الصعب على من لم يواكب تلك الفترة عند بداياتها أن يعقد مقارنة بين المشهد العام في تلك القطاعات قبل إنشاء الصندوق وبين ما هو قائم اليوم. ومما يجدر ذكره هنا أنه على الرغم من مضي أربعة عقود على صدور نظام الصندوق إلا أنه لم يشكل عائقا أمام حركته ما يعد شاهدا على حكمة أولئك الذين أشرفوا على تأسيسه وبعد نظرهم في صياغة مهامه بشكل شامل ومرن. من بين أولئك الرجال من أمد الله في عمره ولربما يقرأ هذه السطور فيسترجع الأيام الخوالي بروح ملؤها الرضا عما غرس من غرس صالح.
لقد نصت المادة الثانية من نظام الصندوق الصادر في 25/6/1391هـ على تخصيصه «لتمويل الاستثمار في المشاريع الإنتاجية ذات الطابع التجاري، سواء كانت هذه المشاريع تنفذ استقلالاً ،أو عن طريق مشاركة الجهات الإدارية المذكورة لمؤسسات خاصة، ويتم هذا التمويل عن طريق الإقراض أو الضمان ويجوز في حالات خاصة أن يتم التمويل عن طريق تخصيص مبالغ يحتاج إليها مشروع معين.» ثم أضيفت إلى تلك الصلاحيات للصندوق في عام 1394هـ صلاحية المساهمة في رؤوس أموال الشركات الوطنية وغيرها، كالشركات العربية والدولية المشتركة، والشركات الثنائية.
اليوم يعد الصندوق الذي يرأس مجلس إدارته وزير المالية، أكبر مستثمر في الاقتصاد السعودي، ويسيطر على نحو نسبة 40 في المائة من القيمة الإجمالية للسوق المالية من خلال تملك حصص مؤثرة في أكثر من 20 شركة مساهمة مدرجة في السوق. وبالرغم من تفاوت حصص « الصندوق « في تلك الشركات، إلا أن بينها قاسما مشتركا وهو أنها كيانات اقتصادية ناجحة حققت الكثير من المكاسب لمساهميها. وخير مثال لذلك الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) التي أحسب أن معظم القراء يعرف تاريخ مسيرتها منذ تأسيسها في عام 1976 برأسمال قدره عشرة مليارات ريال قدمها «الصندوق» في وقت كانت فيه قدرات القطاع الخاص متواضعة كما كان مستقبل الصناعة في المملكة يلفه الكثير من الغموض ..
لا تقتصر أهمية دور الصندوق على ملكيته المؤثرة في السوق المالية، بل له أيضا مشاركات رئيسة في تمويل مشروعات التنمية الكبرى أو ما يعرف باسم Mega Projects كمشاريع السكك الحديدية، الماء، الكهرباء، الصناعات البتروكيماوية، وغيرها. تلك الأدوار المتعددة للصندوق ربما كانت أحد الأسباب التي دعت الحكومة لتأسيس ذراع جديدة له تعنى بالاستثمار على أسس تجارية بحتة كي يتفرغ الصندوق لنشاطاته الأخرى. إذ أعلنت الحكومة، قبل أكثر من عام تقريبا، عن شركة حكومية تابعة لصندوق الاستثمارات العامة بمسمى الشركة العربية السعودية للاستثمار «سنابل السعودية»، وهي خطوة طال انتظارها.
لكن في مقابل تلك الإنجازات التي تستحق التقدير، هناك جانب مؤسف للصندوق ألا وهو غياب المعلومات والبيانات عن أعماله وأدائه عدا صفحة واحدة فقط على الموقع الإلكتروني لوزارة المالية. ويزيد من الشعور بالأسف أن المعلومات الواردة في تلك الصفحة تعود إلى عام 1420/1421هـ، أي مضت عليها عشرة أعوام بالتمام! ربما هناك تفسير لهذا الوضع اللامعقول يتفضل به الصندوق الذي كنا نطمع في أن يكون قدوة و مثالا للآخرين في الشفافية والإفصاح عن استثماراته، مساهماته، وبرامج عمله للسنوات المقبلة، وغير ذلك مما يعنى به المراقبون، المحللون، والمواطنون بشكل أوسع. إذ في كل الأحوال الحديث هنا عن مالٍ عام، الصندوق مؤتمن عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي