بنوكنا بعد مرور عام على الأزمة المالية العالمية
مضى عام على انطلاقة شرارة الأزمة المالية العالمية، عندما أعلن مصرف ليمان براذرز، نتيجة لصعوبات مالية تعرض لها جراء أزمة العقار التي تعرضت إليها الولايات المتحدة، إفلاسه في 15/9/2008.
سقوط مصرف ليمان براذرز، الذي كان يعد حتى وقت قريب رابع أكبر مصرف استثماري في الولايات المتحدة، بحجم أصول بلغت قيمتها نحو 691 مليار دولار وعدد موظفين تجاوز 25 ألف موظف في شتى أنحاء العالم، آنذاك كان بمثابة إنذار بتساقط وانهيار عدد آخر من البنوك والمؤسسات المالية في أمريكا وفي دول أخرى من العالم، وبالذات في ظل التأثيرات السلبية لعولمة الخدمات المالية والاستثمارية وانتشارها وتخطيها حدود البلد الأصل، هذا إضافة إلى أن إفلاس مصرف ليمان براذرز، قد أحدث حالة من الزلزال المالي على مستوى العالم، باعتبار أن إفلاسه تصدر أكبر عشر عمليات إفلاس بتاريخ الولايات المتحدة، وتسبب في حدوث آثار مالية سلبية كبيرة للأسواق المالية العالمية، بما في ذلك العربية، التي قد فقدت جزءا كبيرا من مكاسبها، مما أدى إلى تراجع مؤشراتها المالية.
التكهنات بسقوط عدد كبير من المصارف والمؤسسات المالية عقب انهيار مصرف ليمان براذرز، كانت في محلها، حيث تهاوى عدد كبير من المصارف والمؤسسات المالية والتجارية على مستوى العالم، بالرغم من حجم الأموال والسيولة الضخمة، التي ضختها حكومات دول العالم المختلفة، في شرايين اقتصاداتها وفي أسواقها المالية، بما في ذلك في مؤسساتها المالية والتجارية، وذلك بسبب - وفقما أشار إليه الكاتب يوجين روبنسون، في مقال نشر له في جريدة «الشرق الأوسط» في العدد 11261، بعنوان «كازينو وول ستريت.. والعودة إلى سابق عهده»، عودة عرافي «وول ستريت» إلى ممارسة أعمالهم بالصورة السابقة نفسها، الأمر الذي يؤكده وقوع إفلاسات كبرى بين الشركات والمؤسسات خلال العام الأول من الأزمة، حيث قارب عدد البنوك التي أفلست هذا العام نحو 100 بنك، مقارنة بـ 28 بنكا في عام 2008، وثلاثة بنوك في عام 2007.
بالنسبة لوضع المصارف السعودية، فإن تأثرها بالأزمة المالية العالمية لم يكن في الأساس بالشكل الملموس، وذلك منذ بداية بوادرها في عام 2007، عندما تفجرت مشكلة قروض الرهون العقارية منخفضة الملاءة Sub-prime mortgages، في الولايات المتحدة، وذلك بسبب عدم خوضها وتورطها في مثل هذا النوع من التمويل، أو توسعها في عمليات الإقراض غير المدروس، وكما حدث في أنظمة مصرفية عالمية أخرى، هذا إضافة إلى أنها كانت لحسن الحظ مشغولة في الداخل بتوجيه معظم السيولة المتوافرة لديها، لتمويل العمليات والأنشطة التنموية المختلفة، ولا سيما أن الاقتصاد السعودي منذ بداية الألفية الجديدة وهو يعيش طفرة ونهضة اقتصادية نوعية غير مسبوقة، نتيجة لارتفاع أسعار النفط العالمية، مما تطلب من المصارف المحلية التركيز على التمويل في الداخل عوضاً عن الاستثمار أو المشاركة في عمليات تمويل في الخارج، كما أن حزمة الإجراءات الاستباقية، التي اتخذتها السلطتان النقدية والمالية في المملكة، قد ساعدت إلى حد كبير من التقليل من التأثير السلبي لتداعيات وتبعات تلك الأزمة على المصارف المحلية، بما في ذلك قد أسهمت بشكل كبير في توفير السيولة اللازمة لها، لتمكينها من مزاولة أنشطتها التمويلية والاستثمارية في الداخل بكل يسر وسهولة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، قيام مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، بإنشاء ودائع زمنية لمدد طويلة نسبياً نيابة عن الهيئات والمؤسسات الحكومية (بالريال السعودي والدولار الأمريكي) مع المصارف المحلية، وقيامها كذلك في الربع الرابع من عام 2008، بخفض تسعيرة أذونات الخزانة Treasury Bills بـ 50 نقطة أساس عن معدل فائدة الإقراض بين المصارف التجارية SIBOR، هذا إضافة إلى خفض سقف قبول استثمارات المصارف في تلك الأذونات بحد أقصى ثلاثة مليارات ريال أسبوعياً، بعد أن كان حجم الإصدار غير محدد.
إن استمرار انتهاج الحكومة السعودية لسياسة إنفاق توسعية، بإعلان مبادرة خادم الحرمين الشريفين خلال اجتماع مجموعة دول العشرين في واشنطن، بإنفاق 400 مليار دولار على الأنشطة الاستثمارية خلال خمسة أعوام، إضافة إلى زيادة الإنفاق العام في الموازنة العامة للمملكة عام 2009 بزيادة وقدرها 36 في المائة عن العام الذي سبقه، دون أدنى شك قد ساعد المصارف المحلية على التوسع في عملياتها وأنشطتها التمويلية والاستثمارية في الداخل، وقلل بشكل كبير من تأثيرات الأزمة المالية السلبية في أدائها وفي نتائجها المالية.
من بين الأسباب كذلك، التي ساعدت على عدم تأثر المصارف المحلية بالأزمة المالية، وجود نظام رقابي داخلي أو ذاتي فيها قوى للغاية، مما جنبها التورط في عمليات تمويل منخفضة الجودة، هذا إضافة إلى اتباع «ساما» نظاما رقابيا صارما، يمنع المصارف من الخوض في عمليات وأنشطة تمويل بصورة مفرطة، قد تضر في نهاية الأمر بمراكزها المالية.
خلاصة القول، رغم مرور عام على تفجر الأزمة المالية العالمية، التي عصفت تبعاتها بعدد كبير من المصارف والمؤسسات المالية والتجارية على مستوى العالم، إلا أن قطاعنا المصرفي المتمثل في مصارفنا المحلية، ظل يقف صامداً في وجه تداعياتها، بسبب الإجراءات الحصيفة التي اتخذتها الحكومة السعودية على المستويين المالي والنقدي، كما أن قيام مؤسسة النقد العربي السعودي بالاستمرار في متابعة أداء المصارف المحلية، والحرص على سلامة مراكزها المالية، بما في ذلك ودائعها، وتوفير السيولة اللازمة لها عند الحاجة، ساعد على حد كبير في تجنيب المصارف المحلية أن تكون عرضة للانهيار أو للإفلاس ـ لا سمح الله، ومن المتوقع استمرار الأداء الجيد للمصارف المحلية في المستقبل، وبالذات في ظل استمرار اتباع الحكومة سياسات نقدية ومالية تساعد على استقرار الاقتصاد وتعزيز السيولة، بما في ذلك تعزيز الثقة بسمعة المصارف وبمراكزها المالية، الأمر الذي يؤكده تسجيل المركز المالي الموحد للمصارف المحلية في نهاية آب (أغسطس) من العام الجاري مؤشرات مالية جيدة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث بلغ إجمالي الموجودات 1.346.392 مليون ريال في نهاية آب (أغسطس) 2009، مقارنة بمبلغ 1.257.908 مليون ريال في نهاية الفترة نفسها من العام الماضي، بارتفاع قدره 88.484 مليون ريال أو ما يعادل نحو 7 في المائة، كما بلغت قيمة رؤوس أموال المصارف المحلية مجتمعة مضافاً إليها الاحتياطيات في نهاية آب (أغسطس) من العام الجاري مبلغ 161.888 مليون ريال مقارنة بمبلغ 135.066 مليون ريال في نهاية الفترة نفسها من العام الماضي، بارتفاع قدره 26.822 مليون ريال أو ما يعادل نحو 20 في المائة، والله من وراء القصد.