عاداتك.. تصنع مستقبلك

هل تذكر أنك أدخلت مفتاح السيارة هذا الصباح وشغلت سيارتك قبل أن تستخدمها في مشوارك الصباحي إلى العمل؟ هل تذكر عدد الإشارات الضوئية التي توقفت فيها اليوم وأنت ذاهب إلى العمل؟ هل تذكر مرورك بمحطة الوقود تلك التي بجانب عملك؟
لا أظنك تذكرتفاصيل ذلك أبدا، رغم أنك تقوم بهذه الأعمال يوميا، لماذا؟
لأن هذا العمل بالنسبة لك أصبح عادة. والعادة هي أن يتحول العمل أو السلوك من شيء مصطنع يحتاج إلى نية وعزيمة وتخطيط وجهد إلى عمل روتيني طبيعي تقوم به دون أن تتكلفه أو تشعر به.
هذه العادات التي نمارسها يوميا هي التي تصنع حاضرنا وتصوغ مستقبلنا - بإذن الله -، فإذا كانت عاداتنا جيدة فسيكون مستقبلنا جيدا وإذا كانت عاداتنا سيئة فإن مستقبلنا بلا شك سيكون سيئا وكل ذلك - بإذن الله.
هذه العادات هي أشبه ما تكون بالقوانين الطبيعية والسنن الكونية التي لا تتغير ولا تحابي أحدا. هذه السنن بثها الله تعالى في هذا الكون وجعلها أسسا من أسس الحراك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفكري والطبيعي في هذا الكون. تخيل معي لو أن أحدا لا يجيد السباحة ألقى بنفسه في خضم بحر متلاطم فإن احتمالية أن يموت غرقا كبيرة جدا (لأن هذه سنة طبيعية) ولن تؤثر في ذلك قوته الجسمانية أو أخلاقه العالية أو علمه وبراءات اختراعه أو علاقاته الاجتماعية أو غير ذلك لأن السنة الكونية سوف تسري عليه (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) وأنا اتعجب جدا، لماذا نسلم جميعا بهذه الحقيقة ولا نجادل فيها كثيرا بينما يصعب على كثير منا أن يسلم بالأثر الهائل للعادات السلوكية اليومية في صياغة مستقبلنا؟
أحد الأسباب في نظري أن عاداتنا اليومية قد تكون بسيطة ولا تلفت انتباهنا أبدا في أنها فعالة جدا في تحديد من نحن ومن نكون؟ كما أن نتائجها لا تتحقق غلا بعد فترة قد تطول. خذ مثلا قراءة ورد من القرآن يوميا بخشوع وتدبر وبرنامج للعمل والتنفيذ، قراءة نصف ساعة في اليوم في أي مجال ، التفكير في كل أمر ومشكلة في حياتك بإيجابية دائما ، الابتسام في وجه كل من تلقى، ممارسة الرياضة نصف ساعة ثلاث مرات في الأسبوع،توفير واستثمار 10 في المائة من دخلك شهريا، التبرع بـ 100 ريال شهريا للمشاريع الخيرية، قضاء ربع ساعة في أول كل يوم لتخطيط يومك وصياغة أولوياتك، اللعب من أولادك ساعة يوميا بشكل مركز ودون شواغل، شراء هدية لزوجتك مرة في الشهر.. كل هذه الأمور على بساطتها وقلة الجهد المبذول فيها لها أثر هائل مع مرور الأيام إذا تراكمت وتفاعلت وسترى لها آثارا كبيرة لا تتصورها ولكن نتائجها كثيرا ما تتأخر ولا تظهر إلا بعد فترة طويلة من الممارسة المستمرة ولذلك فإن الكثير لا يلتفت إليها ولا يربط بينها وبين نتائجها.
بناء على ذلك، يمكننا الآن أن ندرس حياة أي إنسان وتختبر عاداته الإيجابية والسلبية ثم نتنبأ بمستقبله ليس من باب معرفة الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ولكن من باب معرفة سنن الله في الكون التي أوصانا بتعلمها وبثها في القرآن الكريم وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلمها للعلماء والحكماء والمجربين وعلماء النفس وعلماء تطوير الذات من شتى الأديان والأجناس والعصور.
أختم بقصة أسطورية معبرة. كان ربان سفينة شهيريبحر بسفينته الكبيرة الضخمة قد رآى ضوءا في الأفق، أرسل على الفور رسالة عبر جهاز النداء : «إلى السفينة التي أمامنا: انحرف إلى اليمين عشر درجات» ، جاءه الرد على الفور: «أنت انحرف عشر درجات أنا لا يمكن أن أغير مساري»، قال القبطان بعصبية: «أنا سفينة كبيرة وأنا بحار كبير أرجو أن تنحرف أنت بسرعة أنا لا يمكن أن أنحرف أنا أكبر منك» ، جاءه الرد نفسه: «انحرف أنت، أنا لن أتحرك !»، قال القبطان بغضب: «أنصحك بأن تتحرك إلى اليمين أو الشمال وإلا سوف تكون النتائج وخيمة سوف أصدمك بسفينتي الضخمة الكبيرة ويدمر قاربك الصغير» ، جاءه الرد نفسه وعندما اقترب أكثر : تبين له أن الضوء الذي كان يتحدث معه ليس إلا برج الضوء الذي ينبه على وجود جزيرة في وسط البحر !
التغيير سنة الحياة، ولكن المبادئ لا تتغير والسنن الكونية لا تتبدل ، والعادات التي تبنى على مبادئ ثابتة سوف تصنع مستقبلك، شئت أم أبيت !

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي