المسكن في الإعلام والتعليم!

تكمن جذور مشكلة الإسكان في كون الغالبية العظمى من المساكن المعاصرة في المملكة غير ميسرة، والحصول عليها وامتلاكها مستحيل أو صعب المنال على كثير من الأسر، فالمساكن السعودية تتسم بكبر مساحتها، وبكثرة عدد عناصرها ومكوناتها، وهو ما يجعل تكلفتها تفوق الإمكانيات المالية للأسرة، وبالذات المتكونة حديثاً؛ ومن هنا تظهر لنا مشكلة عدم التيسير في سوق الإسكان بشكل واضح وجلي.
وقد أشرت في مقالات سابقة إلى العوامل الكثيرة التي شكلت الصورة النمطية عن المسكن السعودي المعاصر، والتي ساهمت في جعله من أكبر المساكن على المستوى العالمي (ومن هذه العوامل: أراضي المنح السكنية التي تبلغ مساحتها أكثر من 600 متر مربع، ومتطلبات قروض صندوق التنمية العقارية للحصول على كامل القرض)، وأشرت أيضاً في مقالات أخرى إلى أن تنظيمات البناء وتخطيط المناطق السكنية واشتراطاتهما؛ من العوامل المساهمة بشكل مستمر - وحتى وقتنا الحاضر - في إنتاج مساكن كبيرة باهظة التكلفة. ولكن سبب المشكلة الحقيقي يكمن في نظرة السعوديين الراهنة إلى المسكن، والمفهوم الذي تكوَّن لديهم بأنه عنصر من عناصر الوجاهة، وعنوان لمكانة الأسرة الاجتماعية، حتى أضحى حجم المسكن وعدد عناصره ومساحاتها - نتيجة لهذا المفهوم الزائف - من متطلبات التفاخر الاجتماعي الأساسية لدى كثير من الأسر، وأصبح هذا التوجه طريقة شائعة للتفكير في البحث عن المسكن الملائم والقبول به، وحدث تعطيل أو إلغاء كامل لأسلوب التفكير العقلاني الموجه إلى تحديد احتياجات الأسرة المعيشية بشكل منطقي، وطريقة تحقيقها - بعد ذلك - بشكل اقتصادي ووظيفي يراعي المتطلبات الأساسية في مكونات المسكن وعدد عناصره ومساحتها، بعيداً عن المبالغة المكلفة، المنطلقة - فقط - من الرغبة في التفاخر أمام الأقارب والضيوف والأقران.
ولن يتم حل مشكلة الإسكان وجعله ميسراً، والدفع بالمطورين الإسكانيين إلى تقديم مساكن صغيرة الحجم، ومنخفضة التكلفة، وتلائم الاحتياج المعيشي الحقيقي للأسر السعودية، إلا إذا تم تغيير مفهوم السعوديين عن المسكن ونظرتهم إليه. لكن تغيير مفاهيم أي مجتمع وعاداته تعد من أصعب الأمور ما لم تتم بخطة استراتيجية مدروسة تعمل على إعادة صياغة نظرة المجتمع إلى المسكن، وتستثمر جميع القنوات الإعلامية والتعليمية. وقد يكون من الأهمية أن يبدأ التغيير بالتلاميذ والطلاب وهم لا يزالون على مقاعدهم في المدارس والكليات من خلال برامج التوعية وبعض المقررات الدراسية (مثل: مادة الوطنية)، فتتخرج أجيال تستوعب المفهوم الحقيقي للمسكن، وأنه عشٌّ لتكوين الأسرة وإنشائها، وملاذٌ لراحتها واطمئنانها بعد مكابدة مشاغل الحياة ومتطلباتها، وملجأ دائم لاستمرار نموها وسعادتها، وليس مصدراً دائماً للتأثير في ميزانيتها (من خلال دفع رواتب العمالة اللازمة للعناية بالنظافة، وفواتير الكهرباء للإضاءة والتبريد صيفاً والتدفئة شتاءً، وتكاليف أعمال إعادة التأثيث والصيانة)، وتحميل الأسرة - نتيجة لذلك، وبشكل دائم - همَّ الضائقة المالية والديون المستمرة. لذا تلزم العناية بتوجيه المجتمع إلى العمل على الاقتصاد في المسكن، والعناية بتحقيق مفاهيم الاستدامة التي تؤدي إلى الحد من تكاليف صيانته، وخفض استهلاك الكهرباء والمياه فيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي