أطفال المبيعات وليس الإشارات

القارئ الكريم: موضوع زاوية اليوم هو «أطفال المبيعات عند الإشارات» موضوع قديم متجدد، تحدث عنه زملائي وزميلاتي كتاب الأعمدة منذ سنوات، ومع ذلك أجد نفسي ملزمة بالكتابة عنه بعد تفشي هذه الظاهرة.
ففي السنوات الأخيرة أصبح من المألوف وخاصة في شهر رمضان المبارك أن نشاهد أطفالاً من الجنسين ومن مختلف الجنسيات تراوح أعمارهم بين السادسة وحتى 12 وهم يسوقون منتجاتهم المختلفة عند إشارات المرور، وتتنوع منتجاتهم ما بين الفوط القطنية، والمناديل الورقية، وعبوات المياه، والحلويات... إلخ، ولو أمعنا في أسلوب هؤلاء الأطفال في البيع والترويج لبضاعتهم، لأمكن بالفعل أن نسميهم أطفال المبيعات بدلاً من أطفال الإشارات كما يسميهم البعض لأنهم يوجدون عادة عند الإشارات المرورية التي تكثر فيها حركة السيارات، ليسوقوا لمنتجاتهم بأساليب شتى: أولها تبدأ بالجانب النفعي بتوضيح الميزة التي تعود على المشتري من شراء منتجاتهم، وإنه في حال شراء قطعة تحصل على الأخرى مجاناً، وبعد أن يفشل ذلك الأسلوب يلجأون إلى استخدام الأساليب العاطفية لاستمالة المشتري بأهمية الشراء منه لأنه في حاجة إلى المال لشراء وجبة اليوم أو أنه يتيم الوالدين، وإذا فشلت تلك المحاولة أيضا ولم يستجب أي من ركاب السيارة يلجأ الواحد منهم إلى الدعاء للمشتري بخيري الدنيا والآخرة، ورحمة الوالدين وغيرها من الأدعية التي تستغل شفقة وعطف الراكب ويرق لها قلبه.
في كل مرة أقف عند إشارة المرور أتعمد أن أحاور أطفال المبيعات وأستمتع بحديثهم، وقد لمحت في البعض منهم قوة الشخصية، والاعتماد على النفس، والثقة بالنفس، والقدرة على الحوار مع مختلف الأعمار والجنسيات، واللغات، والقدرة على الإقناع، والقدرة على اقتناص الفرص في كل سيارة بالتوجه مباشرة إلى النساء والأطفال دون بقية الركاب، وبعد أن تفتح الإشارة وأترك أطفال المبيعات أسأل نفسي عدة أسئلة وهي: ما واجبنا نحن كمواطنين تجاه هؤلاء التجار الصغار؟ هل يفترض أن نكون عقلانيين ونبلغ الجهات المختصة عنهم باعتبار وجودهم عند الإشارات مظهرا غير حضاري لا يتفق مع المستويين الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه بلادنا، أم نكون عاطفيين رحيمين بالطفولة وندعمهم بشراء منتجاتهم بأضعاف سعرها الحقيقي.أم نكون وسطاً ونتركهم على حالهم؟
ما أتمناه من كل أعماقي أن ينجح هؤلاء التجار الصغار وتتكون لدى أسرهم مبالغ مالية كافية تساعدهم عندما يكبرون على فتح مباسط نظامية أو محال تجارية بعيدة عن مخاطر إشارات المرور، وتلوث هوائها، وحرارة شمسها، وصقيع بردها، وأذى العابثين النفسي والجسدي، وتعليقات وسخرية الشباب الأوفر حظاً ممن لم يتذوقوا طعم الحاجة. لكن ماذا لو لم تتحقق أمنيتي هذه؟ فماذا سيكون مستقبل هؤلاء الأطفال، هل سيظلون في مهنة البيع هذه؟ وعند أي سن سيحالون إلى التقاعد؟ وماذا لو لم يرغبوا في الاستمرار في هذه المهنة الشاقة، هل سيتجهون إلى أحضان عالم الجريمة والسرقة، والمخدرات؟
كلمة أخيرة عملاً بتوجيه نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديثه عندما قال: «ليس منا من لا يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا» رواه أبو داود والترمذي فالقبض على هؤلاء الأطفال كما يقبض على المجرمين وإيداعهم مؤسسات الخدمة الاجتماعية سيؤدي إلى حرمانهم من أسرهم، فذلك أحد الحلول العلاجية التي تكلف الدولة مبالغ كبيرة وقد تكون لها انعاكاسات سلبية نفسية واجتماعية عديدة للأطفال وذويهم، ما نحن في حاجة إليه هو أن نشحذ قوانا وفكرنا ونكثف الجهود لإبعاد أطفال المبيعات عن إشارات المرور وغيرها من الأماكن من خلال خطة وطنية للقضاء على هذه الظاهرة بالتعاون والتنسيق بين جهات الاختصاص كافة، وبحيث تستهدف:
ـ الوصول إلى أسر هؤلاء الأطفال سواء كانوا مواطنين أو مقيمين وتوفير الدعم النفسي والمادي والاجتماعي لهم.
ـ إجراء الدراسات العلمية للتعرف على الأسباب الحقيقية التي تقف وراء امتهان أطفال المبيعات عملية البيع.
ـ توضيح دور أفراد المجتمع بالدور المطلوب منهم للإسهام في القضاء على هذه الظاهرة.
ـ فتح المجال للمتطوعين من أبناء المجتمع (مواطنين ومقيمين) للمساهمة في تطوير أوضاع هذه الفئة بالمشاركة في تقديم الخدمات التعليمية والنفسية والإرشادية والاجتماعية لهم وهم بين ذويهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي