دمشق تستقبل الزعيم العربي الكبير

نستطيع القول إن الزيارة التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حالياً إلى دمشق تعتبر من أهم الزيارات التي يعلق عليها الشارع العربي أهمية كبرى لحلحلة القضايا الشائكة التي أصيبت بفيروس إسرائيلي يسعى دائماً لتقويض عمليات الاستقرار والسلام العادل والدائم في المنطقة.
إن التصريحات التي صدرت من دمشق عقب الإعلان عن الزيارة تؤكد أن القيادة السورية تعلق على زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على دمشق آمالاً كبيرة إزاء مجمل الملفات الساخنة التي سيناقشها الزعيمان العربيان الكبيران.
ولا شك فإن التعنت الإسرائيلي حيال عملية السلام سيكون في مقدمة القضايا التي سيبحثها الزعيمان، كما أن ملف المصالحة الفلسطينية التي أوشكت أن تصل إلى مرافئ النجاح سيكون من أهم الملفات المطروحة على مائدة المباحثات، وكذلك الملف العراقي المتأزم، وملف تشكيل الحكومة اللبنانية، ثم ملف الأزمة اليمنية التي بدأت أحداثها تتصاعد كالصاروخ في سماء الأمة العربية وتنذر بتعكير وحدة الصف العربي، كذلك فإن اتفاقية السلام العربية التي قال عنها خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت إنها لن تظل على الطاولة مدى الحياة، وطالب الحكومة الإسرائيلية بأن تتخذ حيالها موقفاً إيجابياً مسؤولاً.
والواقع أن المتصفح للقضايا العربية الراهنة.. يلاحظ بأن قضايا الأمة العربية في هذه الأيام في أيدي المثلث السعودي ـ السوري - المصري الذي يلعب الدور الرئيسي في تحريك مجمل القضايا باتجاه الحل والحلحلة.
ونستطيع القول إن العلاقات السعودية والسورية شهدت تقدماً إيجابياً في القمة العربية التي عقدت عام 2008 في دولة الكويت الشقيق، ولقد كانت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن أهمية إجراء مصالحة عربية قبل بدء مناقشة جدول أعمال القمة من أهم الأسباب التي أدت إلى إنقاذ القمة من الفشل.
ولذلك كان الملك عبد الله هو المنقذ للقمة العربية بعد أن رفع شعار المصالحة أولاً، وطالب الزعماء العرب بأن يتصافحوا ويتصالحوا، ثم قال في شجاعة نادرة إنني أنا أبدأ بنفسي وأعرض مصالحتي مع الرئيس السوري بشار الأسد، وفعلاً تقدم الزعيمان إلى بعضهما بعضا وتعانقا بصدق وإخلاص وسط تصفيق وترحيب وتقدير كل الزعماء العرب.
ومنذ تلك اللحظات بدأت العلاقات السعودية ـ السورية تعود إلى مسارها الطبيعي البعيد عن المشاحنات والتشنجات، وحققت العلاقات السعودية ـ السورية نقاطاً إيجابية منذ قمة الكويت، وما زالت تحقق المزيد من العلاقات الأخوية التي توجها خادم الحرمين الشريفين بزيارته الحالية.
إن تاريخ العلاقات السعودية - السورية مر بالعديد من المراحل، ولكنها كانت في حالة ازدهار تام في عهد الرئيس حافظ الأسد الأب الذي كانت تربطه علاقة حميمية خاصة مع خادم الحرمين الشريفين حينما كان ولياً للعهد.
وإبان حرب حزيران (يونيو) 1967 كان كتف الجندي السعودي ـ في ساحة المعارك ـ جنباً إلى جنب مع كتف الجندي السوري.
وفي حرب السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 1973 كان جزء عزيز ومهم من الجيش السعودي البطل يحارب جنباً إلى جنب مع شقيقه الجيش السوري الباسل لصد العدوان الإسرائيلي الغاشم حتى تحقيق النصر المؤزر للأمة العربية جمعاء.
ولكن في عهد الرئيس بشار الأسد الابن تأزمت العلاقة السعودية ـ السورية بسبب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ويومذاك تعاملت السعودية مع قضية الحريري من منطلق أن الرئيس الحريري مواطن سعودي لا بد أن تسأل حكومته عن أسباب اغتيالها ولا سيما أنه شخصية عامة كانت تحتل منصباً سياسياً كبيراً.
في هذه المرحلة شابت العلاقات السعودية ـ السورية أزمة عارضة وخلاف عابر، ولكن هذا الخلاف رغم مبرراته الموضوعية.. إلاّ أنه لم يلبث أن تلاشى أما مسامحة خادم الحرمين الشريفين التي كانت عنواناً مهما في قمة الكويت وكان المليك المفدى هو المثل والقدوة التي أدت إلى مصالحة ومسامحة عامة بين جميع القيادات العربية.
ومنذ قمة الكويت شهدت العلاقات العربية - العربية بداية مرحلة جديدة من الوفاق والتضامن الذي قاد إلى تحقيق الكثير من الإنجازات العربية.
ولا شك أن الزيارة التي يقوم بها حالياً خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى سورية الشقيقة إنما تأتي في إطار هذه المرحلة التي نرجو أن تحقق المزيد من الإنجازات على صعيد تنقية الأجواء العربية ودعم العمل العربي المشترك.
وبالنظر إلى الاستقبال الشعبي والرسمي الذي استقبل به خادم الحرمين الشريفين في شوارع دمشق، فإن الزيارة ستكون من أنجح الزيارات التي قام بها خادم الحرمين الشريفين لسورية الشقيقة، ومزيداً من اللقاءات بين القيادة السعودية والقيادات العربية في كل مكان من الوطن العربي الكبير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي