آثار إيجابية مهمة للسوق الخليجية .. والمستفيد الأكبر القطاعان الاقتصادي والتجاري

آثار إيجابية مهمة للسوق الخليجية .. والمستفيد الأكبر القطاعان الاقتصادي والتجاري

يشكل قرار القمة الخليجية لدول مجلس التعاون الذي صدر في الدوحة بإعلان قيام السوق الخليجية المشتركة، خطوة تاريخية في مسيرة العمل الاقتصادي المشترك خاصة ومسيرة العمل الخليجي المشترك عامة.

ويؤكد نجيب الشامسي، مؤلف كتاب «السوق الخليجية المشتركة... من التعاون إلى التكامل»، في الحلقة الأخيرة، أن لقيام السوق الخليجية آثارا إيجابية كبيرة في مختلف المسارات والأصعدة، وأنه يحصد أبناء المجلس ثمارها خلال سنوات قليلة من بداية العمل بموجب هذا القرار. إلى التفاصيل:

ستظهر الآثار الإيجابية لقيام السوق الخليجية المشتركة جلياً في القطاعين الاقتصادي والتجاري العام والخاص، ثم على صعيد الإنسان والمجتمع ولا سيما أن هذه الخطوة تمثل بعداً اجتماعياً وبشرياً وأمنياً، إضافة لكونها ذات أبعاد اقتصادية وتجارية. وتتمثل في التالي:

أولا: الأهمية الاقتصادية للسوق المشتركة على الاقتصاد العام «من التعاون إلى التكامل»
1- أن قيام السوق الخليجية المشتركة يعد خطوة متقدمة ونقلة نوعية في ترجمة أهداف المجلس فالسنوات المقبلة من عمر السوق الخليجية المشتركة ستشهد تحقيقاً للأهداف الاستراتيجية السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية، إذ إن السوق ستسهم في ترجمة أهداف مجلس التعاون التي نص عليها نظامه الأساسي، من حيث تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في مختلف الميادين، وصولا إلى وحدتها، وتعميق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات والميادين، بما في ذلك الشؤون الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات، ثم الشؤون التعليمية والثقافية، ثم الشؤون الاجتماعية والصحية والإعلامية والسياحية، وكذلك توحيد التشريعات والقوانين والأنظمة والتشريعات.

من ناحية أخرى فإن قيام السوق الخليجية المشتركة من شأنه تدعيم هدف دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء المشاريع المشتركة وتحفيز التعاون بين وحدات القطاع الخاص ومؤسساته بما يعود بالخير على شعوبها، وذلك وفقا لما نصت عليه المادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون.

وتؤسس هذه الخطوة لبنية اقتصادية قوية للدول الأعضاء وصولاً إلى وحدتها الاقتصادية المنشودة وهي إحدى أهم غايات مجلس التعاون.

2- أن وجود سوق خليجية مشتركة فاعلة ومؤثرة ومحققة لأهداف دول المجلس من شأنه أن يكون خطوة تاريخية في وحدة المنطقة سياسياً واقتصادياً في ضوء السمات التاريخية والثقافية المشتركة، وفي ضوء الامتداد الجغرافي وطبيعة التحديات التي تواجه دول المنطقة بوضعيتها الحالية وستكون أكثر قدرة على امتصاص الصدمات بفعل المتغيرات الدولية وأكثر قدرة على تجاوزات العقبات التي تعترض مسيرة دول المجلس، وذلك على غرار الاتحاد الأوروبي الذي بدأ تأسيسه بإقامة السوق الأوروبية المشتركة بموجب معاهدة روما في عقد الخمسينيات من القرن الماضي 1957 بعد أن اتفقت ست دول على إنشاء السوق لتنطلق هذه الدول نحو تنفيذ أهدافها الاستراتيجية بكل نجاح، ولتوسع نشاطاتها وعدد أعضائها ليصبح (27 دولة)، ولتتوج علاقاتها الاستراتيجية بعملة أوروبية موحدة هي الأقوى بين العملات العالمية.

3- أن وجود سوق خليجية مشتركة من شأنه أن يسهم في تذليل المعوقات القانونية وتقليل التباينات في السياسات والتشريعات الاقتصادية المعمول بها في كل دولة، كما من شأنه التسريع في توحيد القوانين والتشريعات، لا سيما في ظل اكتمال البنية التشريعية التي تسعى أمانة دول المجلس إلى إنجازها خلال السنوات المقبلة تنفيذاً لتوجيهات قادة دول المجلس الرامية إلى تحويل القوانين الاسترشادية إلى قوانين إلزامية لدول المجلس .

4- تأتي أهمية قرار قمة الدوحة بالإعلان عن مباشرة العمل في السوق الخليجية المشتركة من منطلق طبيعة التحديات التي تشهدها الساحة الاقتصادية الدولية والتي تشهد تكتلات واستراتيجيات وبروز مفاهيم اقتصادية جديدة، كالعولمة الاقتصادية، ومنظمة التجارة العالمية W.T.O. والتخصيص وتحرير الأسواق، والانفتاح الاقتصادي العالمي، الأمر الذي يستوجب التعاطي مع هذه المتغيرات والمفاهيم الجديدة من منطلق رؤية مصالح دولنا وشعوبها.

فالنزعة العالمية نحو فرض نفوذ الدول العظمى وهيمنتها على اقتصاديات الشعوب الناشئة تتطلب مواجهتها بمزيد من التكتل والتعاون والتكامل، ولعل في هذه الخطوة التاريخية ما يشكل أهمية في تعزيز قوة اقتصادياتنا لمواجهة تلك التحديات، خاصة وأن التكتلات الاقتصادية الإقليمية أضحت علامة بارزة في الساحة العالمية، كما أن هذه التكتلات هي أهم أشكال التكتلات التي عرفها العالم خلال الألفية الماضية.

5- أن السوق الخليجية المشتركة لم تشتمل بنودها على البعد الاقتصادي لتحديد أهداف اقتصادية بحتة، وإنما شملت إضافة إلى ذلك أبعاداً اجتماعية وثقافية تستهدف تعزيز ولاء الإنسان الخليجي لهذا الكيان مثل إرساء حقوق المواطنة
الخليجية في التعليم بما في ذلك التعليم العالي، والخدمات الصحية والعلاجية والتأمينات الاجتماعية دون تمييز أو تفريق، وتلك الأهداف الاقتصادية والاجتماعية تترجم رؤية قادة المجلس الأعلى في صياغة نسيج اقتصادي واجتماعي يحقق الاستقرار والأمن الاجتماعي والمعيشي للمواطنين، والحياة الكريمة لشعب المنطقة ليتجاوز مفهوم السوق المشتركة إلى تحقيق مواطنة خليجية، وهو الهدف الأكبر والأسمى .

6- أن النجاحات المتوقع حدوثها خلال السنتين المقبلتين في السوق الخليجية المشتركة ستسهم في تخفيض التباين في نسب التضخم في دول المجلس، وكذلك معدلات البطالة، والتباين في الأنظمة الاقتصادية والمصرفية والسياسات المالية.

الأمر الذي يمهد الطريق لإقرار الاتحاد النقدي وإطلاق عملة نقدية خليجية موحدة.

7- من شأن الانفتاح الذي ستحدثه السوق الخليجية المشتركة أن يعود بالفائدة على الأسواق صغيرة الحجم، حيث ستستفيد من الأسواق كبيرة الحجم، فسوق البحرين يمكن أن تستفيد من سوق السعودية، وسوق سلطنة عمان يمكن أن تستفيد من سوق الإمارات سواء من حيث الاستثمارات أو السلع والخدمات لتصبح الأسواق الخليجية مكملة لبعضها البعض، خاصة في ضوء إلغاء جميع الرسوم الجمركية على السلع والخدمات كافة واستيفاء متطلبات الاتحاد الجمركي كاملة.

8- أن وجود سوق خليجية مشتركة من شأنه تعزيز التجارة البينية فيما بين دول المجلس، من خلال تذليل كل الصعوبات والمعوقات التي تواجه انسيابية حركة السلع والخدمات ورأس المال والاستثمارات والكفاءات والعمالة المواطنة، وستشهد السنوات المقبلة تطوراً نوعياً في حركة وحجم السلع والبضائع فيما بين الدول الأعضاء لا سيما في ظل تنفيذ مشروع السكك الحديدية والاتفاق على آلية حركة شركات الطيران الوطنية، والاتفاق على عملة خليجية واحدة عام 2010 تتم مرحلة الوحدة الاقتصادية .

9- في ضوء تحقيق الخطوة التالية في مسيرة العمل الاقتصادي المشترك، وهي تحقيق الاتحاد النقدي والوصول إلى عملة خليجية موحدة عام 2010 فإنه يمكن لدول مجلس التعاون في ظل السوق الخليجية المشتركة بعد الاتحاد الجمركي كخطوة سابقة، وفي ضوء الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة لاحقاً، أن تملك قوة اقتصادية إضافية ليس باعتبارها مصدره للنفط والغاز فحسب وإنما كقوة اقتصادية استراتيجية تملك حضوراً مؤثراً في الساحة الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية ويشارك في الأسواق العالمية بشكل كبير في صياغة وصناعة القرارات الاستراتيجية الدولية لا سيما المتعلقة بالاستقرار الدولي والتنمية في العالم فضلاً من أن العملة الموحدة ستصبح من العملات الرئيسة في الأسواق العالمية تعطي دول المجلس قدرة تفاوضية كبيرة.

ثانياً: على صعيد القطاع الخاص

1. أن السوق الخليجية المشتركة بما اشتملته المادة الثامنة من الاتفاقية الاقتصادية وما شملته قرارات القمة الخليجية، إقرار صريح وواضح في شأن معاملة مواطني دول المجلس الاعتباريين في أي دولة من الدول الأعضاء معاملة مواطنيها نفسها، دون تفريق أو تمييز في المجالات كافة، ومنها مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية وتملك العقار والاستثمار العقاري وانتقال الرساميل الخاصة والمعاملة الضريبية الموحدة وحرية تملك وشراء الأسهم وتأسيس الشركات إنما يفتح آفاقاً عريضة أمام حركة رأس المال الخاص أو القطاع الخاص بوحداته كفتح الشركات الوطنية فروعا لها في مختلف الدول الأعضاء للتواجد بها للاستفادة من الفرص المتوافرة في أسواقها ومنها المصارف التجارية التي يمكنها تقديم خدماتها المصرفية والائتمانية وتوسيع نشاطاتها الاستثمارية وقاعدتها من العملاء.

2. أن السوق الخليجية المشتركة في ضوء ما نصت عليه المادة الثامنة ولا سيما البند التاسع منها، والقرارات التنفيذية لقرار قمة مجلس التعاون الخاص بالإعلان عن السوق المشتركة سيدفع اقتصاديات دول مجلس التعاون في قطاعه الخاص نحو مزيد من الاندماجات بين وحداته ومؤسساته المتماثلة ولا سيما المصارف التجارية، فالقطاع الخاص في دول المجلس الذي يشهد تحولات شديدة وتحديات كبيرة بسبب الانفتاح الاقتصادي على الاقتصاديات العالمية قد تترك آثاراً سلبية على قدراتها التنافسية أو المحافظة على مراكزها أو حضورها وفي ظل الرغبة الشديدة من قبل اقتصاديات المنطقة نحو جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في ضوء القوانين والتشريعات التي أصدرتها دول المنطقة يستوجب على الفاعلين في القطاع الخاص تشخيص واقع اقتصادياتهم والعمل على النهوض بها وتعزيز مواقعهم في أسواقهم من خلال خلق كيانات اقتصاديات كبيرة وقادرة على مواجهة التحديات، من خلال تأسيس شركات مساهمة عامة برأسمال خليجي مشترك تمتلك قاعدة رأسمالية قوية وقدرات بشرية متميزة وخبرة فنية كبيرة تؤهل شركات ومؤسسات القطاع الخاص من الصمود في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية الحالية منها والمستقبلية.

3. أن وجود سوق خليجية مشتركة وموحدة في سياساتها وقوانينها وتشريعاتها من شأنه فتح آفاق كبيرة أمام حركة رأس المال الخاص من خلال تطوير قدرات القطاع الخاص في إنتاج سلع وخدمات تتسم بالقدرة التنافسية في الأسواق المحلية وسلع وبضائع قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، وبالتالي تتيح هذه السوق الفرصة أمام القطاع الخاص ليسهم بدور أكبر في تعزيز قدراته الذاتية والتحول إلى إنتاج سلع وخدمات نوعية قابلة للتصدير والتنافس في أسواق العالم.

4. أن وجود السوق المشتركة هذه من شأنه تعزيز الأسواق المالية في دول المجلس، حيث يمكن التحول من أسواق منفردة إلى سوق مالية خليجية واحدة، يكون لها فروع في مختلف المدن الرئيسية في دول المنطقة، ولا سيما أن البند السابع من المادة الثالثة من الاتفاقية الاقتصادية ينص على انسيابية رؤوس الأموال الخليجية دون قيود أو عراقيل، لتصب في شرايين اقتصاديات المنطقة، فيما نص البند التاسع من المادة نفسها على أحقية مواطني دول المنطقة في تداول وشراء الأسهم المطروحة في الأسواق المالية في دول المجلس، وهذا من شأنه أن يعزز من القواعد الرأسمالية للشركات المساهمة، حينما يرتفع الطلب على أسهم هذه الشركات، ثم يعزز حركة تداول الأسهم لتصبح ملكية أسهم هذه الشركات ليست مقتصرة على مواطني الدولة الواحدة، وإنما مفتوحة أمام مواطني دول المنطقة الطبيعيين منهم والاعتباريين، ما ينعكس إيجاباً على حركة الأسواق المالية، ولا سيما في ظل تحقيق انفتاح أكبر ووجود سوق مالية موحدة في دول المجلس أو ربط الأسواق بشبكة إلكترونية.

5. أن رأس المال والاستثمارات الخليجية التي تعرضت خلال العقود الثلاثة الماضية والمرشحة للتعرض لمزيد من التحديات المتمثلة في التجميد والمصادرة أو التآكل بحكم التضخم في الدول في الاقتصاديات التي تحتضنها، ستصبح أكثر أماناً في ظل وجود سوق خليجية مشتركة وفي ظل الانفتاح الكبير أمامها للاستثمار في محيط أكبر وأكثر أماناً واستقراراً، وفي ظل بيئة تتسم بالشفافية ووجود تشريعات تحميها من أية تحديات، ولا سيما أن رأس المال والاستثمارات الخليجية العامة والخاصة في الخارج التي تقدر بأكثر من 1.4 تريليون دولار تصبح في ظل السوق المشتركة تمتلك فرصاً سانحة وواعدة للاستثمار في مختلف المجالات والأنشطة الاقتصادية التي نصت عليها المادة الثالثة من الاتفاقية وأوضحها قرار المجلس الأعلى في قمة الدوحة بالإعلان عن السوق الخليجية المشتركة.

كما أن السوق المشتركة ستوجد أوعية استثمارية أكبر وأوسع وفرصاً استثمارية متنوعة أمام القطاع الخاص خاصة إذا علمنا بأن هناك 185 ثريا خليجيا تقدر ثرواتهم الشخصية بنحو 718 مليار دولار.

6. أن التطور النوعي والكبير في سوق الخدمات المالية والمصرفية وفي خدمات المواصلات وشبكات الاتصال ثم التطور النوعي في حجم ونوعية الخبرات ووجود الطاقات البشرية المتميزة والحضور المشجع لرأس المال الوطني إنما يشكل عوامل أساسية في وجود بيئة اقتصادية واستثمارية مشجعة للقطاع الخاص لكي يمارس دوره الريادي ويحقق أهدافه الاستراتيجية ويكون دعامة للاقتصاديات الوطنية في دول المجلس وذلك في ظل سوق خليجية مشتركة تعزز من هذا التوجه.

7. إضافة إلى التنافسية التي ستخلقها السوق الخليجية المشتركة بين شركات القطاع الخاص ووحداته وصولاً إلى جودة السلع والخدمات التي تنتجها تلك الشركات فإن الانفتاح الكبير الذي توجده هذه السوق سيعزز من فاعلية القطاع الخاص للاستفادة من توسع رقعة السوق لتسويق وتصريف سلعها وخدماتها المنتجة دون قيود أو عراقيل، وستستفيد تلك الشركات من مزايا اقتصاديات الحجم الكبير.

8. أن السوق الخليجية المشتركة ستفتح آفاقاً كبيرة وعريضة أمام مختلف الشركات المساهمة العامة الخليجية ومنها، المصارف التجارية في دول المجلس للتواجد في بقية الدول الأعضاء لتقديم منتجاتها وخدماتها المصرفية والاستثمارية وتوسيع نشاطاتها وقاعدتها من العملاء، وسيخلق هذا التواجد تنافسية في نوعية الخدمات المصرفية التي تقدمها المصارف لعملائها من الشركات والمستثمرين وبقية العملاء، كما تتيح السوق المشتركة الفرصة كاملة أمام هذه المصارف لتوسيع ائتمانها المصرفي لقطاعات مهمة ومنها القطاع الصناعي، وقطاع العقارات، لتساهم بدورها في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية من خلال أدوات ائتمانية واستثمارية جديدة ومتنوعة.

9. أن تطبيق متطلبات السوق الخليجية المشتركة من شأنه تعزيز الأسواق المالية (البورصات) الخليجية وتطورها، حيث من المتوقع أن تشهد هذه الأسواق تدفقاً للسيولة وستفتح الأسواق أمام الشركات المساهمة الخليجية التي يصل عددها إلى نحو 631 شركة برأسمال يتجاوز تريليون دولار لتصبح المنافسة بين الشركات المدرجة أسهمها في الأسواق المالية الكبيرة، وتخدم أهداف التنمية والمستثمرين والمساهمين أو المتداولين لأسهم هذه الشركات، حيث تصبح هذه الشركات أكثر مصداقية وتلتزم بشكل أكبر بالشفافية وتسهم في تعزيز الثقة باقتصاديات دول المجلس وقيام السوق المالية الموحدة إنما يعد خطوة مهمة في تعزيز البنية الاقتصادية لدول المنطقة، وأحد أهم الأدوات المهمة في نجاح السوق الخليجية المشتركة.

10.إن المستقبل الاقتصادي في منطقة دول المجلس في ظل تنفيذ متطلبات السوق الخليجية المشتركة وإزالة ما تبقي من عقبات ومعوقات قانونية واقتصادية وإدارية يبشر بمزيد من التفاؤل في مسيرة القطاع الخاص، خاصة إذا علمنا أن إعداد الشركات المساهمة الخليجية قد ازداد خلال العقدين الماضيين بشكل كبير حيث ارتفع العدد من 170 شركة عام 1985 إلى 608 شركات عام 2006، فيما ازداد عدد الشركات المساهمة المسموح بتداول أسهمها من 42 شركة مساهمة عام 1985م بلغت رؤوس أموالها 22 بليار دولار إلى 524 شركة مساهمة وصلت رؤوس أموالها 93.4 مليار دولار الأمر الذي يفتح المجال واسعاً أمام مزيد من الاستثمارات الخليجية في هذه الشركات.

ثالثاً: على صعيد الإنسان وتعزيز المواطنة الاقتصادية: «نحو مواطنة خليجية واحدة»
1. ستسهم السوق الخليجية المشتركة في معالجة الاختلالات الكبيرة في سوق العمل بعد بروز ظاهرة البطالة وتفاقم أوضاعها المعيشية، فحينما تتيح السوق المشتركة الفرصة الكاملة أمام مواطني الدول للانتقال والإقامة والعمل في مختلف القطاعات الحكومية والأهلية في ضوء تكافؤ الفرص ووجود بيئة اجتماعية وتعليمية وصحية محفزة، فإن العمالة الخليجية ستجد فرصتها في العمل في مناخ محفز ومشجع للإنتاجية دون تفريق أو تمييز في المعاملة أو الحصول على الخدمات الأساسية، ومنها الصحة والتعليم والتأمين.

وفي ضوء ذلك تستطيع الدولة/ الدول معالجة ظاهرة البطالة وتداعياتها على المجتمع الخليجي بعد أن سجلت أرقاماً قياسية في دول المجلس.

2. إن إنشاء سوق خليجية مشتركة من شأنه تعزيز المواطنة الخليجية في العمل حيث تتم معاملة مواطني دول المجلس نفس معاملة المواطن في الدولة ذاتها فتمكنه من العمل في القطاع الحكومي أو الأهلي بنفس الشروط والمزايا التي يحصل عليها مواطن الدولة، كما أن انتقال المواطن دون قيود أو عراقيل، والتنقل بالبطاقة الشخصية والإقامة في أي دولة في ضوء بيئة نفسية واجتماعية ومعيشية مستقرة تكفلها القوانين والتشريعات التي توفر الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية لمواطني دول المجلس على قدم المساواة، فضلاً عن توافر الضمان الاجتماعي والتقاعد للموظفين وأحقيتهم في تملك العقار لأغراض السكن، فقرار الإعلان عن السوق الخليجية ومضمونه واضح وينص صراحة على معاملة مواطني دول المجلس في أي دولة نفس معاملة مواطنيها من دون تمييز أو تفريق ليصار إلى وجود جنسية خليجية واحدة بدلاً من جنسيات خليجية متعددة.

3. إضافة إلى أن السوق الخليجية المشتركة ستفتح آفاقاً كبيرة أمام الشباب المواطنين للعمل في مؤسسات الاقتصاديات الخليجية، فإنها في الوقت ذاته توجد فرصا استثمارية جيدة وواعدة أمام رجال وسيدات الأعمال لتوسيع نشاطهم التجاري والاستثماري ولإنشاء كيانات وتكوينات تجارية واستثمارية واقتصادية تعزز وجودهم وتمكنهم من استثمار الفرص الاستثمارية المتوافرة أمامهم، وهنا يمكن لرجال وسيدات الأعمال الدخول في شراكات تجارية واستثمارية تعزز من حضورهم في الساحة الاقتصادية والاستثمارية وتمكنهم من استثمار الفرص المتوافرة في السوق الخليجية في ظل وضعيتها الحالية.

4. بموجب السوق الخليجية المشتركة ومعطياتها في تطبيق مساواة مواطني دول المجلس تصبح هناك أحقية لمواطني الدول الأعضاء في رفع حصتهم في ملكية الشركات المساهمة العامة، سواء القائمة حالياً والتي يصل عددها إلى نحو 631 ورأسمال يتجاوز حجمه تريليون دولار أو التي يتم إنشاؤها مستقبلاً، حيث يحق لهم الاكتتاب في الشركات المساهمة الجديدة، وبالتالي تصبح الفرص متاحة أمام كل أبناء دول المجلس في الاستفادة من الفرص الاستثمارية بما في ذلك شراء الأسهم وتداولها في مختلف الأسواق المالية دون تمييز أو تفريق، حيث المزايا والحقوق موحدة، لتصبح الخيارات أمام المواطنين واسعة ومفتوحة بما في ذلك شراء أسهم شركات مساهمة معينة في أي دولة عضو، ولا سيما حين تتسع مساحة ملكية أسهم الشركات ليصبح من حق مواطني دول المجلس دون استثناء المساهمة في تأسيس الشركات المساهمة من خلال الاكتتابات الأولية بعد أن كانت محصورة على أبناء الدولة الواحدة إلا في أضيق الحدود تراوح بين 25 و40 في المائة وتشمل المواطنين الخليجيين والأجانب.

المطلــوب

إن الإعلان عن السوق الخليجية المشتركة يعد خطوة تاريخية مهمة وتحمل في تناياها الكثير من الإيجابيات على مختلف شرائح المجتمع ولا سيما المجتمع الاقتصادي في دول المجلس، ولكن تحقيق الحد الأقصى من تلك الإيجابيات مرهون بمدى الوفاء بمتطلبات السوق من قبل الدول الأعضاء ومؤسسات القطاع الخاص، ونشر الوعي بأهمية السوق وإدراك أصحاب القرار السياسي والاقتصادي على السواء بمدى أهمية هذه الخطوة وإيجابياتها وحتى يتحقق هذا فإنه لابد من خطوات نذكرها.

1. ضرورة إزالة جميع الحواجز التي تعترض تطبيق بنود السوق الخليجية المشتركة، وسرعة إصدار القرارات التنفيذية على صعيد كل دولة لترجمة تلك البنود وإزالة كل القرارات والقوانين التي تتعارض مع متطلبات السوق الخليجية على صعيد كل دولة، ومنها ما يتعلق بملف تحصيل ونسب الإيرادات الجمركية بين دول المجلس.

2. أهمية السعي نحو توعية الأطراف المعنية الحكومية منها والأهلية وتوعية النظام الخاص بمتطلبات السوق الخليجية المشتركة والآثار الإيجابية التي يمكن أن تحققها هذه السوق لمواطني دول المجلس واقتصادياتها.

3. أهمية التسريع في تنفيذ الدول الأعضاء لقرارات المجلس الأعلى لدول المجلس والتي لم تقم بعض دول المجلس بتنفيذها مع ضرورة قيام الدول الأعضاء نحو تطوير سياساتها وقوانينها الاقتصادية بما ينسجم مع متطلبات السوق ويعزز من وجودها.

4. أهمية التسريع في إنشاء الهيئة القضائية بين دول مجلس التعاون بموجب المادة (27) من الاتفاقية الاقتصادية والتي من شأنها فض المنازعات التجارية أو معالجة الشكاوى التي قد تحدث بين مؤسسات وشركات الدول الأعضاء، أو تفنيد القرارات والقوانين الملزمة للدول ولا سيما بنود الاتفاقية الاقتصادية وذلك على غرار محكمة العدل الأوروبية في لكسمبورج، ثم أهمية توحيد القوانين والتشريعات المعمول بها في كل دولة لتنسجم مع توجهات وسياسات مجلس التعاون.

5. إذا كانت دول مجلس التعاون قد حققت نجاحات ملموسة عبر السبعة والعشرين عاماً الماضية، وآخرها السوق الخليجية المشتركة كإنجاز تاريخي فإن المطلوب من هذه الدول دراسة النماذج الناجحة – وحتى الفاشلة – فالنموذج الأوروبي يعد نجاحاً بكل المقاييس، ويتطلب دراسة أسباب نجاحه ودراسته والاستفادة من تجربة أوروبا بالتحول من دول شهدت ساحاتها صراعات دموية وتباينات في أهدافها الاستراتيجية إلى وحدة اقتصادية ناجحة، ودراسة تجربة السوق العربية المشتركة التي تم الإعلان عنها قبل السوق الأوروبية، ولكنها فشلت، ولهذا الفشل أسبابه التي تستوجب دراستها من قبل دول المجلس لتلافي تداعياتها وآثارها وانعكاساتها.

6. أهمية تفعيل مؤسسات العمل الاقتصادي المشترك ولا سيما تلك التي لها علاقة مباشرة بالسوق الخليجية المشتركة، ومن تلك المؤسسات مركز التحكيم التجاري لدول المجلس، الذي يتخذ من البحرين مقراً له، ثم منظمة الخليج للاستشارات الصناعية في العاصمة القطرية، ومؤسسة الخليج للاستثمار في العاصمة الكويتية.

ولعل أهم تلك المؤسسات هيئة التقييس لدول مجلس التعاون في الرياض؛ وذلك لما لها من دور مهم في توحيد المواصفات والمقاييس الخاصة بالسلع والخدمات لتصبح أكثر قدرة على الصمود أمام السلع والخدمات الأجنبية ثم لتصبح أكثر حضوراً وتنافسية في الأسواق الأجنبية.
7. إن العمل بموجب التنافسية في إنتاج السلع والخدمات يتطلب التركيز على أهمية النسبية في اقتصاد كل دولة دون أن تكون هناك ازدواجية في المشاريع، فإذا كانت الإمارات عامة ودبي تمتلك ميزة نسبية في نوعية الخدمات فإن المملكة العربية السعودية تمتلك ميزة نسبية في إنتاج السلع الغذائية، وقطر
تمتلك ميزة نسبية في إنتاج الغاز والحديد، والبحرين تمتلك ميزة نسبية في صناعة الألمنيوم، وسلطنة عمان تمتلك ميزة نسبية في الثروة السمكية.
8. إذا كانت دول مجلس التعاون قد حققت بعض الإنجازات في المسار الاقتصادي، ومنها الاتحاد الجمركي في آذار (مارس) 2003 ولا سيما الاتفاق على التعرفة الجمركية الموحدة، تم إعلان السوق الخليجية المشتركة في كانون الأول (ديسمبر) 2007م فإن هناك عديدا من التحديات التي ما زالت تشكل عقبة أمام تحقيق حلم المواطنة الاقتصادية أو التكامل الاقتصادي، ومنها: الاتفاق على آلية تحصيل الرسوم الجمركية، ونسبة كل دولة عضو، ثم إزالة الحواجز الجمركية التي ما زالت تشكل عقبة أمام انسيابية حركة السلع والبضائع، ثم الإسراع بتنفيذ مشاريع البنية التحتية، ومنها مشروع السكة الحديدية، والربط الكهربائي، ومن ثم الربط المائي، وتعزيز شبكة الطرق والمواصلات بين الدول الأعضاء. ولعل أهم تلك الخطوات الاتفاق على آلية التعاون للحد من توقيع اتفاقيات ثنائية مع دول أجنبية قد تتعارض مع السياسات الاقتصادية واستراتيجية دول المجلس، وذلك استناداً إلى المادة الثانية من الاتفاقية الاقتصادية التي حددت العلاقات الاقتصادية الدولية، ومنها أن يتم عقد الاتفاقيات الاقتصادية بصفة جماعية مع الشركاء التجاريين.
9. لما كان الاتحاد الجمركي الذي تم الإعلان عنه عام 2003م يشكل خطوة مهمة وإحدى الآليات التي يعتمد عليها إنشاء السوق الخليجية المشتركة فإن استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي وإلغاء كافة القيود الجمركية وغير الجمركية أمام التجارة البينية بين دول المجلس يشكل مطلباً أساسياً، كما أن توحيد السياسات التجارية التي نصت عليها المادة الأولى من الاتفاقية الاقتصادية وصولاً إلى سياسة تجارية مشتركة سواء على صعيد الداخل أو عند التعامل مع مختلف الدول والتكتلات الاقتصادية العالمية هو أحد المتطلبات المهمـة العمل الاقتصادي المشترك وترجمة متطلبات السوق الخليجية المشتركة.
10. أهمية تعزيز دور القطاع الخاص الخليجي للاضطلاع بدوره في تعميق التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء في المجلس ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يتم من خلال حزمة من الإجراءات والسياسات الاقتصادية تتخذها الدول لتمكين مؤسسات القطاع الخاص ووحداته من المشاركة الفاعلة في اقتصاديات المنطقة، ومن خلال الالتزام ببرامج الخصخصة ومطالبة القطاع الخاص بدور تنموي حقيقي وفاعل مختلف الأنشطة التجارية والاستثمارية وتسويق الفرص المتوافرة في اقتصاديات المنطقة، وتعزيز دوره في مسيرة العمل الاقتصادي المشترك وخاصة في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية.
11. أن تفعيل السوق الخليجية مشتركة وترجمة أهدافها يتطلب تضافر الجهود المشتركة بين القطاعين العام والخاص وفق رؤية مشتركة وآليات عمل موحدة، وسياسات اقتصادية واستثمارية وتجارية مشتركة وأهمها العمل المشترك على تذليل معوقات التبادل التجاري والاستثماري بين الدول الأعضاء لما يخدم الأهداف المشتركة لهذه الدول.
12. قيام القطاع الخاص ممثلاً في غرفة التجارة والصناعة بحث الدول الأعضاء على استكمال القوانين والتشريعات والقرارات والأنظمة الموحدة التي من شأنها تدعيم السوق الخليجية المشتركة.
13. المشاركة بين القطاعين العام والخاص بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس التعاون في إعداد الدراسات المقارنة بين السوق الخليجية المشتركة والأسواق المماثلة ولا سيما السوق الأوروبية المشتركة للاستفادة من التجارب الناجحة وتعزيز مسيرة العمل في السوق الخليجية المشتركة.
14. أهمية وضع برنامج مشترك بين القطاعيين العام والخاص بالاشتراك مع أمانة مجلس التعاون يشتمل على رؤية توعية مختلف شرائح المجتمع بأهمية السوق الخليجية المشتركة ويتم ذلك من خلال عقد ندوات مشتركة، وتنظيم منتديات اقتصادية تتناول أهمية السوق المشتركة وأبعادها وآفاقها المستقبلية.
15. أهمية قيام مؤسسات القطاع الخاص بدعم مراكز البحث العلمي والجامعات للقيام بدورها في تبني القضايا التنموية المشتركة في دول المجلس ومشاريع العمل المشترك ومنها السوق الخليجية المشتركة.

الأكثر قراءة