الهند المسالمة تواجه تهديدات صينية جديدة

رئيس الوزراء الهندي المسالم، مانموهان سنج، الذي يركز على نهوض الهند الاقتصادي ويدرك أن بلاده لا تستطيع احتمال التوترات العسكرية في هذه الأوقات، يحاول بهدوء ولكن بشكل يائس، أن يحول دون المزيد من تدهور العلاقات مع الصين، لكن لا يلقى مساعدة من القوى القومية الداخلية ولا من القيادة الصينية الناجحة جداً في لجم الصقور في جيش التحرير الشعبي.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، كان هنالك استفزازات من الجانب الصيني على الحدود الهندية ـ الصينية المتنازع عليها منذ زمن طويل التي يمتد طولها 3200 كيلومتر، بما في ذلك انتهاكات جوية في لاداخ، وتوغلات جيش التحرير الشعبي في أورناشل براديش التي تدعي الصين تبعيتها لها، إلى جانب مشروع صيني ـ باكستاني مشترك لإقامة السدود، وفي كشمير التي تحتلها باكستان، حيث سجلت الهند احتجاجاً على ذلك قبل بضعة أيام.
وأوقفت الصين قرضاً لمنطقة ADB للهند، لأن جزءاً صغيراً من القرض تم رصده لمشروع إدارة مجمع مائي في أورناشل براديش، وبشكل له معنى، قبل الجولة الـ 13 من محادثات الحدود الصينية ـ الهندية في الشهر الماضي، أفرج مجلس وزراء الاتحاد عن تمويله داخلياً.
ومنذ أن خاضت الهند والصين حرباً عام 1962 فإن العلاقات توترت، رغم محاولات صنع السلام من قبل رؤساء الوزراء راجيف غاندي وبي في ناراسيمها ومانسموهان سنج، وبالاعتراف بمنطقة التيبت المستقلة كمنطقة صينية كان فاجبايي يأمل الحصول على اعتراف بإقليم أورناشل براديش، لكن الصين قامت فقط بتعديل الخرائط على الإنترنت لإظهار أن ولاية سيكيم أيضا متنازع عليها، كولاية هندية لأغراض إعادة البدء في تجارة الحدود، وعند الحصول على اعتراف بمنطقة التيبت المستقلة كانت الصين حريصة على الحصول على أروناشل براديش، ولا سيما منطقة تاوانج التي ولد فيها الدالاي لاما السادس لتعزيز قبضتها على منطقة التيبت المثيرة للنزاع، والزيارة المقبلة للدالاي لاما الحالي إلى أورناشل براديش أغضبت الصين، لكن الهند لا ترغب في المزيد من القيود عليه, وهو على أية حال ممنوع من القيام بنشاطات سياسية ضد الصين على التراب الهندي.
وبسبب غموض الصين فإن من الصعب الجزم بما إذا كانت التوترات على الحدود هي نتيجة صراع قوى أو استعراض للقوة لمواجهة الانطباع بمركز ضعيف أعلنت عنه اضطرابات يوغور الأخيرة، أو أن جيش التحرير الشعبي يستعرض عضلاته لإثبات الاستقلال عن القيادة السياسية. وحين تعتبر الصين ضعيفة إزاء قضية تايوان أو التيبت أو الأويغور فإن على القيادة أن تقوم بعمل استفزازي وفي بعض الأحيان خطوات من جيش التحرير الشعبي مثل إسقاط قمر اصطناعي قديم في كانون الثاني (يناير) لتحذير الولايات المتحدة من عسكرة استفزازية للفضاء، بدا أنها تفاجئ المراقبين المدنيين.
ظلت حكومة مانموهان سنج تميل إلى تصديق الزعامة المدنية الصينية التي تقول إنها تريد علاقات سلمية، وتضيف أن هنالك مجالاً كافياً لنهوض كل من الهند والصين. كما أن الحكومة لجأت من خلال الصحافة المحلية إلى نفي وجود مخالفات وخروقات صينية (حيث نفت أن يكون حرس الحدود من الهنود قد تعرضوا لإصابات خلال مهاجمة السلطات الصينية، خلال الفترة الأخيرة، المتظاهرين في إقليم سيكيم). كما أن الحكومة الهندية قللت من شأن الاختراقات الجوية الصينية. غير أن تلك التصرفات جعلت الجيش الهندي في حالة من الاستياء. وتعمل الحكومة على إجراء مناورات لزيادة الثقة بالقدرات العسكرية كما هو مقرر لها في إقليم لاداخ، أمرت الحكومة بتعزيز القدرات العسكرية لتعزيز الأمن في ولاية أروناشك براديش بما لا يقل عن 60 ألفا من القوات الجبلية، وسربين من مقاتلات سوخوي - 30، حيث إن القوات الهندية لا تريد في هذه المرة أن تتخذ الحكومة موقفاً ليناً إزاء الاختراقات الصينية للحدود. غير أن من الواضح أن القيادة السياسية ترى أن الصدامات الحدودية مع الصين يمكن أن تؤثر بصورة سلبية في النهوض الهندي. وقد ألغت الحكومة اجتماعاً خاصاً حول العلاقات مع الصين، كان من المقرر عقده برئاسة مستشار الأمن القومي، نارايانان. وأرادت الحكومة ألا تضيف وقوداً للهستيريا التي يشتد أوارها في وسائل الإعلام.
يبدو أن الصينيين متفوقون على الهنود فيما يتعلق بالإمكانات العسكرية الفعلية لحشد وإعداد القوات المسلحة، على الأقل في الجانب الشرقي من حدود البلدين المتنازع عليها. وبينما يتفوق الصينيون بقوة بسبب أسطولهم الكبير من الغواصات التي تعمل في بحر الصين الجنوبي، فإن الهند لا تشارك في المناورات البحرية في هذه المنطقة لأسباب تعود إلى ضعف التجهيزات.
نجد كذلك أن الهند متخلفة عن الصين فيما يتعلق بقدرات الردع العسكري، الأمر الذي آثار شكوكاً خلال الفترات الأخيرة حول التجربة النووية التي سبق للهند أن أجرتها في عام 1998، وهو ما يضيف إلى عدم التوازن في القوة النووية بين البلدين. وليس هنالك ما يؤكد أن التفوق النووي الصيني لن يكون عاملاً حاسماً في أي حرب بين الهند والصين، أو الهند وباكستان التي تعد حليفة الصين الأولى في هذه المنطقة من العالم.
ظهرت خلال العقود الماضية التي شهدت حالة من السلام النسبي بين البلدين، علامات اعتراف بزيادة بروز منافسة الصين للهند على الصعيد الاستراتيجي، وبالذات حين تبين أن النمو الهندي أصبح أمراً واضحاً، وغير قابل للاحتواء. غير أن ذلك لم يرافقه تخطيط عسكري مستدام، أو زيادة للاستثمارات في المجالات التي تتسم بالحساسية الخاصة لغاية الآن. وأما على الجانب الصيني، فقد حرصت بكين، بصورة دائمة، على إجراء مناورات عسكرية متكررة في التيبت، وعززت بنيتها التحتية المتعلقة بدعم أي جهد عسكري. ولم يكن الجيش الهندي في هذه الفترة شديد الهوس بباكستان، وإن كان ظل قلقاً بخصوص التفجيرات من حين إلى آخر، وكذلك فيما يتعلق بالحوادث في جامو وكشمير.
وعملت الولايات المتحدة باستمرار على الحيلولة دون وقوع نزاع مسلح بين الهند وباكستان، منذ احتكاكهما المحدود الأخير في كارجيل. غير أنه لا توجد أي وساطة من جانب طرف ثالث في النزاع الحدودي القائم بين الهند الصين. وتحرص الهند دوماً على محاولة فهم الدوافع الصينية في هذه المنطقة. وتتمتع الصين بقدرة أعلى على قراءة مواقف الهند نظراً للحرية الديمقراطية التي تسود الهند. غير أنه ليست هنالك إمكانية لفهم أمور الجانب الصيني من قبل الهند لأن السياسة الصينية مغلقة. وتأمل حكومة سنج في نيودلهي بأنها من خلال تجنب الأعمال الاستفزازية، ترسل رسائل إيجابية إلى الصين، وبذلك تقل حدة النزاعات بين الطرفين. غير أن مجرى الأمور يمكن ألا يكون كما هو مرغوب فيه.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: Opinion Aisa

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي