بعد رحيل شهر رمضان .. لماذا نتملص من تبعات الصوم؟

رمضان مناسبة سنوية عظيمة تمثل موعداً لإعادة النظر في أوضاعنا الدينية والصحية والاجتماعية وهذه حقيقة يؤكدها أن هذه المناسبة سجلت ذكريات عظيمة في التاريخ الإسلامي ومثلت معركة بدر نجمة في جبين هذا التاريخ مما زاد من أهمية هذا الشهر كمحطة سنوية نتوقف فيها لتقييم حياتنا العامة والخاصة وما أنجزنا فيها وما أهملنا، فأهمية رمضان في الجانب الديني أنه يمثل موعداً لإيقاظ المهملين للشعائر الدينية. وفي الجانب الصحي يمثل هذا الشهر منظماً دقيقاً لمواعيد الأكل مما ينعكس إيجابا على صحة الإنسان خاصة لأولئك الذين يعانون مرض السمنة والأمراض المزمنة وأولئك الذين لا يتحكمون في شهوة الأكل والتدخين وعلى الصعيد الاجتماعي يحفز رمضان الناس لقضائه بين ذويهم وأهلهم ويحفزهم كذلك على الابتعاد عن السفر وعن أي عمل يبعد عن العائلة والأقارب فيكون بذلك مناسبة لتعهد الترابط الاجتماعي وتمتينه بين الأقارب والأصدقاء.
رمضان في عامنا الهجري الحالي 1430 يمثل بوضوح مؤشراً للتنبيه إلى الحد غير المقبول الذي بلغناه في تعاملنا مع هذا الشهر الكريم وما إذا كانت أوضاعنا الرمضانية متطابقة أو متقاربة مع الأهداف العليا التي شرع الله صيام هذا الشهر من أجلها فالمتابع يلحظ أننا ابتعدنا كثيراً بل إننا نتهرب من تكاليف الصيام إلى الحد الذي ابتعدنا فيه عن الغايات العظمى لهذا الشهر وحتى يكون الرأي متجرداً وواقعياً فعلينا أن نأتي إلى الشواهد والملاحظات التي تؤكد هروبنا من تحقيق أهداف الصوم.
أمثلة الهروب من تبعات الصيام يأتي في مقدمتها تأخير موعد الدوام الرسمي من الساعة السابعة والنصف صباحاً إلى الساعة الثانية والنصف ظهراً ليكون من الساعة العاشرة صباحا إلى الساعة الثالثة ظهراً وهو الإجراء الذي كان سبباً في المظاهر الرمضانية السلبية الأخرى إذ انعكس هذا القرار على كل مظاهر الحياة اليومية فكان من نتائجه رؤية الموظفين أن من حقهم أن يسهروا ليالي رمضان ما دام الدوام يبدأ الساعة العاشرة صباحاً ووضع الموظفين هذا أثر في بقية الشرائح الاجتماعية الأخرى حتى أضحى معظم الناس ينامون حتى صلاة الظهر ومنهم من يستمر إلى صلاة العصر فيما الليل قد تحول إلى السهر حتى الفجر وهذا الوضع قاد إلى تغيير أوقات الأنشطة العامة من النهار إلى الليل وبدأت التنظيمات الاجتماعية والرياضية تنفذ أنشطتها في الليل حتى وقت السحور، وكأننا على الأصعدة كافة نؤكد على الحق في النوم نهاراً والسهر ليلاً خلال شهر رمضان دون أن نعي أن هذا الاتجاه يمثل هروباً من مشقة الصوم.
فمع إعلان دخول شهر رمضان لهذا العام بدأ كثير من الشباب في تجهيز الملاعب ونصب الشباك استعداداً لممارسة الألعاب ليلاً حتى وقت السحور وهذه القناعة لدى الشباب تكونت نتيجة أن ممارسة الألعاب في ليالي رمضان قد بدأت منذ فترة طويلة. ومع مجئ الجيل الجديد في ظل هذه الأوضاع بدأ يمارس هذه القناعات وكأنها الوضع المفترض أن يكون في هذا الشهر فصار ليل رمضان سهراً كاملاً والنهار للنوم. ومع بلوغنا لهذه المرحلة نكون قد وصلنا إلى مستوى خطير في تكوين ثقافة الشباب تجاه رمضان وأفرغنا الشهر الكريم من محتواه وأهدافه العليا المتمثلة في تذكير المسلمين بالفقراء والمحتاجين والتربية على تحمل مشاق الحياة الدنيا وصعوباتها.
يشكو كثير من الناس الذين يدركون خطورة هذا التحول من الزوار الذين يأتون للزيارة حتى منتصف الليل في شهر رمضان وكأنه وضع طبيعي من الخطأ أن يستنكر ولا أكون مبالغاً هنا أن أحد الزملاء قال بصراحة أنه يفكر ألا يصوم مستقبلاً في المملكة نتيجة لهذه المتغيرات في شهر رمضان التي لم يستطع أن يرفضها في ظل هذه التغيرات الاجتماعية التي بدأت تفرض نفسها على واقعنا الاجتماعي.
الحل في اعتقادي ممكن للغاية بقرارات يسهل تنفيذها وأول هذه القرارات المطلوبة هو ألا يغير توقيت الدوام الرسمي لموظفي القطاعات الحكومية خلال شهر رمضان وأن يبقى كما هو الحال في شهور السنة الأخرى مع تقليل عدد ساعات العمل على أن يبدأ وقت العمل الساعة السابعة والنصف صباحاً كما هو الحال في غير رمضان ولكن في رمضان يمكن أن تنتهي ساعات العمل في الثانية عشرة ظهراً وإذا تم هذا الإجراء فستتحقق الكثير من الفوائد أولها أن الناس عموماً سيضطرون إلى النوم المبكر استعداداً للدوام وثاني هذه الفوائد أن هذا التوقيت للعمل سيعين الناس على ترتيب أمورهم بعد العودة من الدوام الساعة الثانية عشرة ظهراً إذ سيصل الموظف المنزل مع حلول صلاة الظهر وبعد أداء الصلاة يستطيع أن ينام وقت القيلولة وهو الوقت المناسب صحياً للنوم في النهار ولأخذ قسط من الراحة، وبعد صلاة العصر يمكن أن يؤدي بعض المهام والمستلزمات حتى وقت الإفطار، وفوق كل هذه الفوائد سيتحقق الهدف الأساسي من الصوم وهو الإحساس بالجوع والعطش ولو بنسبه بسيطة.
ووقت الدوام المقترح هنا سيكون أنسب من الوضع الحالي فيما يتلق بدرجة الحرارة بالنسبة للمملكة تحديداً وخاصة أن بلادنا في معظمها حارة وسيكون شهر رمضان في السنوات المقبلة في فصل الصيف إذ أن درجة الحرارة تبلغ مستوياتها العظمى ما بين الساعة الواحدة إلى الساعة الثالثة ظهراً فيكون الموظف قد أنهى عمله قبل بداية الذروة لدرجات الحرارة فالفترة الصباحية حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً تكون فيها درجات الحرارة مقبولة ومحتملة على وجه العموم وهو الوضع الذي يؤكد على عدم صحة تأجيل وقت الدوام خلال شهر رمضان.
ولمساندة تطبيق فكرة عدم تأخير فترة الدوام الرسمي خلال شهر رمضان وتحقيق الغاية من ذلك ينبغي اتخاذ عديد من الإجراءات التي ستساعد على نجاح هذه الفكرة ومنها عدم السماح بتنظيم الأنشطة الرياضية الرسمية خاصة في ليالي رمضان لما لها من تأثير في فئة الشباب مع عدم السماح للأسواق والمحال التجارية في ممارسة أنشطتها حتى وقت السحور، وإذ نطرح هذه الأفكار نأمل أن تؤخذ في الحسبان وأن تدرس بعمق وموضوعية حتى نستطيع العودة ولو نسبياً إلى ما كانت عليه الأجيال السابقة على امتداد التاريخ الإسلامي الحافل بالإنجازات في شهر رمضان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي