إدارة المشاريع .. من دروس جامعة الملك عبد الله
من الدروس المهمة لإنشاء جامعة الملك عبد الله التي يجب أن نستفيد منها ما يتعلق بـ (إدارة المشاريع)، فإنجاز هذا الصرح العلمي العملاق لم يكن كافيا أن تتوافر له الموارد المالية الكبيرة، بل الإدارة التي أشرفت عليها ''أرامكو'' بخبرتها المتميزة في إدارة المشاريع وإرساء العقود وانتقاء المقاولين، كانت أحد العوامل التي ساعدت على إنجاز الجامعة في المدة المقررة.
إذاً ماذا نستفيد من هذا؟ إن إدارة المشاريع ما زالت الحلقة الأضعف في إدارة التنمية في المملكة، ولو أخذنا عينة من المشاريع المتأخرة القائمة الآن سواء لدى الحكومة أو القطاع الخاص، بالذات المشاريع التي تتوافر لها كامل الموارد المالية وتدفع ربما قبل موعدها، لوجدنا أن ضعف (إدارة المشروع) هو السبب الرئيسي في التأخير رغم حساسية هذه المشاريع وأهميتها لحياة الناس.
الأجهزة الحكومية غالبيتها تفتقد إدارات فاعلة وليس لديها موارد بشرية كافية تستطيع القيام بأعباء إدارة المشاريع، وحتى المكاتب الهندسية المتخصصة، غالبيتها لديها التراخيص لإدارة المشاريع ولكن ليس لديها الإمكانات المادية والبشرية التي تؤهلها لإدارة حتى المشاريع الصغيرة، والمؤسف أن هذه المهنة أو الصناعة، لم تتطور في المملكة رغم الطفرة العمرانية الواسعة التي شهدناها في العقود الماضية.
ولم نستطع إيجاد صناعة محترفة لإدارة المشاريع في السنوات الماضية بسبب تضافر عدة عوامل سلبية احتضنت التخلف في هذا المجال، منها نظام المناقصات الحكومية الذي لم يلتفت إلى هذا الجانب، كما أن الجهات التشريعية والعلمية لمهنة الهندسة بفروعها لم تتمكن من تطوير المهنة فولدت مكاتب هزيلة تعاني الكساح المزمن، وقد عزز هذه البيئة أيضاً وضع قطاع المقاولات الذي مازال يعاني من مشكلات رئيسية، والطفرة العمرانية التي نعيشها الآن وتعطل العديد من المشاريع وتعثرها تكشف هذا الجانب السلبي في إدارة التنمية.
إدارة المشاريع يفترض أن تأتي في أولويات إدارة التنمية في المملكة لأننا بلد يؤسس للتنمية المستدامة ويحرص على أن يوجه موارده لخدمة الأهداف الكبرى للتنمية وهي بناء المشاريع الأساسية في أسرع وقت وبأقل تكلفة، ولن يساعدنا على تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الحيوي سوى الإدارة الفاعلة في بناء وإنجاز المشاريع.
لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي للتنمية، وانطلاقاً من إنجاز جامعة الملك عبد الله، نتطلع إلى أن تتجه ''أرامكو'' إلى خطوة عملية نحتاج إليها وهي إنشاء شركة كبرى متخصصة في إدارة المشاريع، بحيث تكون شركة مساهمة تملك ''أرامكو'' الحصة الأكبر فيها وتدخل معها الشركات العالمية المتميزة مع المكاتب الهندسية الوطنية الكبيرة.
''أرامكو'' ستقاوم هذه الفكرة كما قاومت إنشاء شركة للتسويق (إنشاء محطات للبنزين)، والمقاومة هنا لها مبرراتها الفنية التي يراها المسؤولون في ''أرامكو'' ومنها رغبتهم في أن تبقى ''أرامكو'' مركزة على أهدافها الأساسية في صناعة النفط. وعموماً ربما معهم الحق في ذلك، فالمملكة أمامها مشاريع كبرى لرفع القدرة الإنتاجية للبترول في السنوات المقبلة، وليس من مصلحة البلد تشتيت الجهد والتركيز. لذا إدراكنا لأهمية هذا الدور هو الذي يدعونا لاقتراح إنشاء شركة مساهمة مستقلة تضع فيها ''أرامكو'' روحها وثقافتها وخبراتها الإدارية المتراكمة وتطلقها لتكون وسيلة عملية لنقل التجربة والمعرفة إلى مجالات التنمية الحساسة.
''أرامكو'' توصف دائما بأنها تجربة متميزة في التخطيط والبناء والإنجاز، ولكنها تعمل في (جزيرة معزولة)، وهذه (الصورة النمطية) عن ''أرامكو'' قد لا تكون صحيحة إذا عرفنا الدور الذي تقوم به في مجالات عديدة للمجتمع، لذا نتطلع إلى أن تواصل دورها الوطني عبر الدفع العملي المحترف لإدارة المشاريع، وقد يساعدنا مثل هذا التوجه على استيعاب الكفاءات التي تتقاعد من ''أرامكو'' وما زال لديها الرغبة في العمل.