اتفاقية الرياض الاقتصادية.. منعطف نوعي في أسلوب العمل الخليجي

اتفاقية الرياض الاقتصادية.. منعطف نوعي في أسلوب العمل الخليجي

تشكل الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي أقرها المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في دورته الثانية التي عقدت في الرياض في تشرين الثاني (نوفمبر) 1981, فصلاً رئيسًا في العمل الخليجي المشترك.
وفي الحلقة الثانية من كتاب ''السوق الخليجية المشتركة... من التحول إلى التكامل''، يؤكد مؤلفه نجيب الشامسي أن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة جاءت لترسم معالم العمل الاقتصادي المشترك ومراحل التكامل والتعاون الاقتصادي بين دول المجلس، ولتشكل نواة البرامج التكاملية التي تم وضعها بشكل مفصّل على مدى السنوات العشرين الأولى من قيام المجلس. إلى التفاصيل:

نشأة المجلس وأهدافه

ترجع خطوات إنشاء مجلس التعاون إلى عام 1975م, حين كان المغفور له بإذن الله سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت, وكان آنذاك ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء, في زيارة لأبو ظبي في 16 أيار (مايو) 1975, وبعد محادثات مطولة مع المغفور له بإذن الله سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان, رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة, صدر بيان مشترك دعا إلى تشكيل لجنة وزارية مشتركة يرأسها وزيرا خارجية البلدين، وتجتمع مرتين في العام على الأقل.
وفي أيار (مايو) 1976، دعا رحمه الله سمو الشيخ جابر الأحمد رحمه الله إلى ''إنشاء وحدة خليجية بهدف تحقيق التعاون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتربويـة والإعلاميـة, وإيجـاد نوع من الوحدة القائمة على أسس سليمة ومتينة لمصلحة شعوب هذه المنطقة واستقرارها''.
وفي العام ذاته, وجهت سلطنة عمان الدعوة لعقد مؤتمر لوزراء خارجية دول الخليج للتوصل إلى صيغة جماعية تكفل أمن المنطقة واستقرارها, وتحدد العلاقات بين دولها. وتم عقد ذلك المؤتمر في مسقط يومي 25 و26 تشرين الثاني (نوفمبر) بحضور وزراء الخارجية, الذي افتتحه جلالة السلطان قابوس بن سعيد, سلطان عمان, بكلمة الخارجية أكد فيها على أهمية التفاهم للوصول إلى صيغة متفق عليها للتعاون بين دول المنطقة.
ولقد بدأت الجهود المكثفة لقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع مؤتمر القمة العربي الحادي عشر الذي عقد في عمّان في الأردن في تشرين الثاني (نوفمبر) 1980. حيث أطلع الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت الزعماء الخليجيين على تصور دولة الكويت لاستراتيجية خليجية مشتركة للتعاون في جميع المجالات، وكان التصور الكويتي يقوم على تقوية الروابط بين دول الخليج في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والنفطية والثقافية والعسكرية في إطار تنسيق مشترك تجمعه استراتيجية شاملة وقد رحبت دول المنطقة بالأفكار الكويتية بشكل عام1.
وفي الرابع من شباط (فبراير) عام 1981 عقد في الرياض مؤتمر ضم وزراء خارجية دول الخليج العربية الست وهي: الإمارات العربية المتحدة، البحرين، المملكة العربية السعودية، سلطنة عمان، قطر، والكويت، وتمت مناقشة خطة عمل مقدمة من الكويت، وأسفر هذا الاجتماع عن إنشاء مجلس للتعاون بين هذه الدول وفضلت دول الخليج أن يقوم المجلس على شكل التعاون بين الدول الأعضاء وليس في شكل وحدة أو اتحاد، وفي التاسع من آذار (مارس) 1981م عقد وزراء خارجية الدول الخليجية الست اجتماعًا في مسقط في سلطنة عمان تمت فيه الموافقة على الهيكل التنظيمي للمجلس، والتوقيع بالأحرف الأولى على النظام الأساسي للمجلس . وأصدر الوزراء المجتمعون بياناً بهذه المناسبة أكدوا فيه على قيام تنظيم يهدف إلى تعميق وتوثيق الروابط والصلات والتعاون بين أعضائها في مختلف المجالات يطلق عليه مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومقره الرياض, في المملكة العربية السعودية . ومن أجل الإعداد النهائي لانعقاد القمة الثانية, عقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون اجتماعاتهم التحضيرية في مدينة أبوظبي خلال الفترة من 23 إلى 25 أيار (مايو) 1981 م أعدوا فيه جدول أعمال القمة وبحثوا فيه قيام هياكل للتعاون في مجال المال والاقتصاد والتربية والشؤون الاجتماعية. وخلال الفترة من 25 إلى 26 أيار (مايو) 1981م عقد في أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة مؤتمر القمة الأول لدول الخليج العربية الست، الذي نتج عنه تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتصديق النهائي على النظام الأساسي له, مما يعد بداية قانونية للمجلس. كما تم اختيار أول أمين عام للمجلس هو ''عبد الله يعقوب بشارة'' والموافقة على تشكيل هيئة لتسوية المنازعات، والنظام الداخلي لكل من المجلس الأعلى والمجلس الوزاري، وتشكيل لجان مشتركة لتعزيز التعاون بين دول المجلس في شتى المجالات، كما وقع قادة دول المجلس على الاتفاقية الاقتصادية الموحدة في الدورة الثانية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون التي عقدت في مدينة الرياض خلال الفترة من 10 إلى 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1981م2.

ثانيًا: مرجعيات العمل الاقتصادي المشترك

يشكل النظام الأساسي لدول المجلس، والاتفاقية الاقتصادية (الأولى والثانية) ثم قرارات المجلس الأعلى مرجعيات ثلاث تؤطر وتحدد العمل الاقتصادي المشترك في دول المجلس ولأهمية هذه المرجعيات نذكرها وفقًا للتالي:

‌أ- النظام الأساسي لدول الخليج العربية

إدراكًا من أصحاب الجلالة والسمو قيادات دول مجلس التعاون بالسمات المشتركة ولما يربط بين دولهم من علاقات خاصة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمانًا بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبةً في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، واقتناعًا بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيما بين هذه الدول إنما يحترم الأهداف السامية للأمة العربية، واستهدافًا لتقوية أوجه التعاون وتوثيق عرى الروابط فيما بينها، واستكمالاً لما بدأته هذه الدول من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها وتحقق طموحاتها نحو مستقبل أفضل وصولاً إلى وحدة الدول، وتمشيًا مع ميثاق جامعة الدول العربية الداعي إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى وتوجيهًا لجهود الدول إلى ما فيه دعم وخدمة القضايا العربية والإسلامية, صادق أصحاب الجلالة والسمو في يوم 25 أيار (مايو) 1981 على النظام الأساسي في مدينة أبو ظبي (الإمارات العربية المتحدة).
لقد جاءت المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس لتنص على أهداف مجلس التعاون الأساسية وتتمثل فيما يلي:
1- تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.
2- تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
3- وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون الآتية:
‌أ- الشؤون الاقتصادية والمالية.
‌ب- الشؤون التجارية والجمارك والمواصلات.
‌ج- الشؤون التعليمية والثقافية.
‌د- الشؤون الاجتماعية والصحية.
‌ه- الشؤون الإعلامية والسياحية.
‌و- الشؤون التشريعية والإدارية.

4 - دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوبها3.

‌ب- الاتفاقية الاقتصادية والعمل الاقتصادي المشترك (الأولى نوفمبر في 1981م – الثانية في ديسمبر 2001م)

إذا كان النظام الأساسي يشكل الإطار العام للتعاون الخليجي المشترك وتعزيز العلاقات البينية للدول الأعضاء، فإن الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي أقرها المجلس الأعلى في دورته الثانية التي عقدت في الرياض ـ المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 10 إلى 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1981م تشكل فصلاً رئيسًا في العمل الخليجي المشترك، فقد جاءت الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لترسم معالم العمل الاقتصادي المشترك ومراحل التكامل والتعاون الاقتصادي بين دول المجلس، ولتشكل نواة البرامج التكاملية التي تم وضعها بشكل مفصّل على مدى السنوات العشرين الأولى من قيام المجلس.
وفي ضوء قناعات قادة دول المجلس بضرورة نقل العمل الاقتصادي المشترك إلى مرحلة جديدة بعد تقييمهم العملي لمسيرة العمل الاقتصادي خلال العقدين الأولين من عمر المجلس، وإدراكا من قادة التعاون بطبيعة التحولات الاستراتيجية التي شهدتها وتشهدها الساحة الاقتصادية العالمية, والتي تشكل تحديًا لاقتصادات دول المجلس، أقرّ المجلس الأعلى في دورته الثانية والعشرين الاتفاقية الاقتصادية الجديدة التي تم التوقيع عليها في مدينة مسقط (سلطنة عمان) في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2001م لتتضمن هذه الاتفاقية تطويرًا شاملاً للاتفاقية الاقتصادية الأولى التي تم التوقيع عليها في تشرين الثاني (نوفمبر) 1981م التي جاءت وليدة الظروف الاقتصادية في بداية تأسيس مجلس التعاون، ولتأتي الاتفاقية الجديدة عاكسةً للظروف الحالية لدول المجلس وتأتي استكمالا لما حققته اتفاقية عام 1981م من تنمية وتدعيم للروابط الاقتصادية فيما بين دول المجلس، وتقريبًا لسياساتها الاقتصادية والمالية والنقدية وتشريعاتها التجارية والصناعية والأنظمة الجمركية المطبّقة فيها.
لقد نقلت الاتفاقية الجديدة أسلوب العمل المشترك من طور التنسيق إلى طور التكامل وفق آلياتٍ وبرامج محددة، كما أنها أكثر شمولية في معالجتها، وقد نجحت دول المجلس خلال العقدين الماضيين في تطوير علاقاتها الاقتصادية بما يقربها من التكامل الاقتصادي والوحدة الاقتصادية، وتبنّى المجلس الأعلى خلال اجتماعاته السنوية عدداً من القرارات المهمة في المجال الاقتصادي التي دفعت بالعمل الاقتصادي المشترك خطواتٍ كبيرةٍ إلى الأمام، وبموجب هذه الاتفاقية تم إنشاء منطقة التجارة الحرة لدول المجلس.
لقد جاءت الاتفاقية الاقتصادية الجديدة ترجمة لرغبة دول المجلس في تحقيق مراحل متقدمة من التكامل الاقتصادي وصولاً إلى السوق المشتركة، والاتحاد النقدي والاقتصادي بين دول المجلس ضمن برنامج زمني محدد، مع تعزيز آليات السوق في اقتصاد دول المجلس في ضوء التطورات الاقتصادية العالمية، وما تتطلبه من تكامل أوثق بين دول المجلس يقوي من موقفها التفاوضي وقدرتها التنافسية في الأسواق الدولية، ثم استجابة إلى تطلعات وآمال مواطني دول مجلس التعاون في تحقيق المواطنة الخليجية بما في ذلك المساواة في المعاملة في التنقل والإقامة والعمل والاستثمار والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.
وتتضمن الاتفاقية الجديدة نصوصًا جديدة أو مطوّرة تطويرًا جذريًا يعكس قرارات المجلس الأعلى وتوجيهاته ومستجدات العمل المشترك، مثل الأحكام المتعلقة بالاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، والاتحاد الاقتصادي والنقدي، وتنص هذه الاتفاقية على أهمية ألا يقتصر أسلوب العمل المشترك على الحث والتعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء، بل تتعدى ذلك إلى أن ينص صراحة على التكامل الاقتصادي بين دول المجلس من خلال تبني برامج محددة وآليات قابلة للتنفيذ التي نص عليها الفصل الثامن من الاتفاقية بما في ذلك تشكيل هيئة قضائية للنظر في الدعاوي المتعلقة بتنفيذ أحكام الاتفاقية والقرارات الصادرة تطبيقا لأحكامها (المادة السابعة والعشرون من الفصل الثامن)، كما أنها جاءت أكثر شموليةً بمعالجتها الموضوعات التالية:
1 ـ الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون اعتبارًا من كانون الثاني (يناير) 2003م (منطقة التجارة الحرة - مارس 1983م ).
2 ـ العلاقات الاقتصادية الدولية لدول مجلس التعاون مع الدول والمجموعات الاقتصادية الأخرى والمنظمات الدولية والإقليمية، وتقديم المعونات الدولية والإقليمية.
3 ـ السوق الخليجية المشتركة حيث تشمل تحديد مجالات المواطنة الاقتصادية.
4 ـ الاتحاد النقدي الاقتصادي اعتبارًا من 2010م .
5 ـ تحسين البيئة الاستثمارية في دول المجلس.
6 ـ التكامل الإنمائي بين دول المجلس، بما في ذلك التنمية الصناعية، وتنمية النفط والغاز والموارد الطبيعية، والتنمية الزراعية، ومحو الأمية، وحماية البيئة، والمشروعات المشتركة.
7 ـ تنمية الموارد البشرية، بما في ذلك التعليم، ومحو الأمية وإلزامية التعليم الأساسي، وتفعيل الاستراتيجية السكانية، وتوطين القوى العاملة وتدريبها وزيادة إسهامها في سوق العمل.
8 ـ البحث العلمي والتقني وتطوير القاعدة العلمية والتقنية والمعلوماتية، وحماية الملكية الفكرية.
9 ـ التكامل في مجالات البنية الأساسية، بما في ذلك النقل والاتصالات والتجارة الإلكترونية.
10 ـ توحيد القوانين والأنظمة والإجراءات في المجالات الاقتصادية (صدور أكثر من 40 قانونا إلزاميا واسترشاديا)
11 ـ بناء المؤسسات الخليجية المشتركة.

ج ـ قرارات المجلس الأعلى لمجلس التعاون:

تنص المادة السادسة من النظام الأساسي لدول المجلس على مكونات مجلس التعاون التي تتألف من المجلس الأعلى وتتبعه هيئة تسوية المنازعات، ثم المجلس الوزاري، ثم الأمانة العامة، ويعد المجلس الأعلى وفقًا لما نصت عليه المادة السابعة السلطة العليا لمجلس التعاون ويتكون من رؤساء الدول الأعضاء وتعقد جلساته كل عام كدورة عادية عادةً ما تكون في الشهر الأخير من العام ولكن في الوقت ذاته يجوز عقد دورات استثنائية عندما يستوجب ذلك، ولقد حددت المادة الثامنة من النظام الأساسي اختصاصات المجلس الأعلى وأنيط به تحقيق أهداف مجلس التعاون خاصة فيما يلي:
1. النظر في القضايا التي تهم الدول الأعضاء.
2. وضع السياسة العليا لمجلس التعاون والخطوط الأساسية التي يسير عليها.
3. النظر في التوصيات والتقارير والدراسات والمشاريع المشتركة التي تعرض عليه من المجلس الوزاري تمهيدًا لاعتمادها.
4. النظر في التقارير والدراسات التي يكلف الأمين العام بإعدادها.
5. اعتماد أسس التعامل مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية.
6. إقرار نظام هيئة تسوية المنازعات وتسمية أعضائها.
7. تعيين الأمين العام.
8. تعديل النظام الأساسي لمجلس التعاون.
9. إقرار نظامه الداخلي.
10. التصديق على ميزانية الأمانة العامة.
لقد كان العامل الاقتصادي أحد العوامل الأساسية في ظهور مجلس التعاون لدول الخليج العربية ككيان مؤسسي إقليمي إلى الوجود، وذلك من جهتين: خارجية وداخلية، فعلى الصعيد الخارجي، شهدت مرحلة السبعينيات تغييرات جذرية في العلاقات الاقتصادية العالمية نتجت عن انتقال السيادة النفطية من الشركات ودول الاستهلاك الكبرى إلى المنتجين، وقد برزت منطقة الخليج في هذا الإطار كمحط رئيس للمطالب العالمية المتزايدة على الثروة النفطية الحيوية، مما عرّض المنطقة لضغوط شديدة من الخارج، وقد دفعت هذه الضغوط إلى بلورة ترابط عضوي فيما بين دول الخليج العربية التي استشعرت أن معركتها واحدة في مواجهة من يحاولون فرض رؤاهم وحاجاتهم ومصالحهم عليها دون اعتبار لمصلحتها الذاتية. هذا عن الظرف العالمي، أما على الصعيد الداخلي فقد كان التحرك نحو التكامل يدفعه، بالمثل، الاشتراك في المشكلات والتحديات الاقتصادية الداخلية ذاتها، من ذلك قضايا التنمية والعمالة الوافدة والرغبة في إيجاد قاعدة صناعية زراعية تؤمن حاجات المنطقة وتغطي مخاطر التذبذب في الثروة النفطية، كل ذلك فرض ''جماعية المواجهة'' وعزز بالتالي من قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وعلى هذا نصت المادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون على تحقيق التنسيق والتكامل بين الدول الأعضاء ووضع أنظمة متماثلة في الشؤون الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات.
وقد تجسدت تلك الأهداف في توقيع الاتفاقية الاقتصادية الموحدة عام 1981م ثم الاتفاقية الاقتصادية الجديدة عام 2001م التي استهدفت قيام هيكل اقتصادي خليجي موحد وصولاً إلى السوق الخليجية المشتركة.
وفي سنوات لاحقة عمل مجلس التعاون لدول الخليج العربية على استكمال الإطار المؤسسي له على الصعيد الاقتصادي، فوافق في دورته الثالثة في المنامـة عام 1982م على إنشاء مؤسسة الخليج للاستثمار (مقرها الكويت)، وعلى تحويل الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس لتصبح هيئة خليجية تم التوقيع على اتفاقية النظام الأساسي لها في 23 كانون الأول (ديسمبر) 1985, أما في الدورة الـ 13 في أبوظبي عام 1992م فقد أقر المجلس الأعلى إنشاء مكتب براءات الاختراع والنظام الأساسي له، وفي الدورة الـ 14 في الرياض عام 1993م تمت الموافقة على إقامة مركز التحكيم التجاري لدول المجلس الذي بدأ أعماله في شباط (فبراير) 1995م.
وإجمالاً فقد أقر المجلس منذ تأسيسه عشرات الوثائق الاقتصادية التي يتجه مضمونها نحو ضرورة خلق أجواء التكامل الاقتصادي في ميادين التجارة والاتحاد الجمركي والنقل والمواصلات وتنسيق السياسات المالية والنقدية. وقد اتسمت حركة مجلس التعاون على الصعيد الاقتصادي بالمرونة التي كفلت التكيف مع تطورات البيئة الاقتصادية العالمية وما حوته من تحديات، وهذا ما يلاحظه المتابع لقرارات القمم المتتالية للمجلس على مدار السنوات الـ 20 السابقة، لاسيما ما جاءت به القمة الـ 19 للمجلس التي عقدت في الفترة من 7 إلى 9 كانون الأول (ديسمبر) 1998م في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، حيث تم الإعلان بوضوح عن انتهاء حقبة الطفرة النفطية، بما يبدأ مرحلة جديدة من حياة المجلس تتواكب مع المعطيات الداخلية والخارجية, ممثلة في تحديات العولمة ومطالب منظمة التجارة الدولية4.
إن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس وفي كل قمة يعقدونها يقفون على تقارير حول حجم الإنجازات التي تحققت عبر السنوات الماضية ويؤكدون في كل اجتماع لهم على مدى حرصهم على تقييم التجربة والعمل على اتخاذ القرارات التي من شأنها تذليل كل المعوقات التي تواجه مسيرة العمل المشترك, ولا سيما في المسار الاقتصادي، ففي الدورة الثامنة التي عقدت في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية في الفترة من 26-29 كانون الأول (ديسمبر) 1987م اطلع أصحاب الجلالة والسمو على مذكرة الأمانة العامة بشأن تقدم العمل في تنفيذ برنامج الاتفاقية الاقتصادية الموحدة الذي أقره المجلس الوزاري في دورته الـ 21 بناءً على التفويض المعطى له من المجلس الأعلى في دورته السادسة وأصدر المجلس الأعلى الإعلان الاقتصادي لقمة الرياض الذي عبر من خلاله أصحاب الجلالة والسمو عن ارتياحهم عمّا تحقق على صعيد مسيرة العمل المشترك في مختلف المسارات, ولا سيما في المسار الاقتصادي وعبروا عن ارتياحهم لنمو التبادل التجاري فيما بين دول المجلس، وتمكين المواطنين من المشاركة في جني ثمار التنمية الاقتصادية لدول المجلس بعد أن ألغيت الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية، كما عبروا عن ارتياحهم من استمرار توسيع مجالات تعميق المواطنة الاقتصادية من خلال الإجراءات العملية التي اتخذت للسماح لمواطني دول المجلس الاعتباريين والطبيعيين بممارسة الأنشطة الاقتصادية، وكذلك السماح للمهنيين ولجميع الحرفيين بممارسة مهنهم وحرفهم، إضافة إلى ما اتخذ من خطوات لتمكين مواطني دول المجلس من الاستفادة من الخدمات في مجالات التعليم والشؤون الاجتماعية والصحة وانتقال الرساميل والعمالة.
ولاحظ المجلس الأعلى بارتياح أيضًا الإجراءات التي اتخذت لتنسيق السياسات الوطنية، وتقريب وتوحيد الأنظمة والقوانين والإجراءات، كروافد رئيسية في مسيرة التنسيق الشامل.
وأكد المجلس الأعلى عزمه على الإسراع في استكمال الإجراءات اللازمة لإنجاز إقامة السوق الخليجية المشتركة، وذلك باستكمال توحيد فئات ومستويات التعرفة الجمركية تجاه العالم الخارجي، وإيجاد حماية للمنتجات الوطنية في مواجهة المنتجات الأجنبية المنافسة، إذا اقتضت الضرورة ذلك، لاستثمار الطاقات الإنتاجية الخليجية بكفاءة تتيح للمواطنين فرص المشاركة في جني ثمار التنمية الاقتصادية الشاملة، وتوافر السلع لهم بأسعار مناسبة ومتقاربة.

ولهذا الغرض, أكد المجلس الأعلى ضرورة قيام لجنة التعاون المالي والاقتصادي باستكمال مشاوراتها للوصول إلى توحيد التعرفة الجمركية في الموعد الذي حدده المجلس الأعلى في دورته السابعة. وبارك المجلس الأعلى الخطوات المتخذة تجاه اعتماد المثبت المشترك لعملات دول المجلس كخطوة مهمة في إطار تنسيق السياسات المالية والنقدية وتحقيق قيام السوق الخليجية المشتركة.
وأكد المجلس الأعلى عزمه على مزيد من تقريب السياسات وتوحيد الأنظمة والقوانين والإجراءات لتحقيق التكامل الاقتصادي، وتسهيل العمل الجماعي لتشجيع التنمية المتناسقة للنشاط الاقتصادي والتنويع والتوسيع المتوازن والمستمر للقاعدة الاقتصادية في دول المجلس، ووجه المجلس الأعلى المجلس الوزاري بتقييم التجربة العملية لتطبيق الأنظمة الاسترشادية التي مضى على إقرارها ثلاث سنوات فأكثر وكلفه باقتراح الإجراءات المناسبة في ضوء هذا التقييم، لإقرارها كأنظمة مشتركة تطبق في دول المجلس. وتحل محل الأنظمة المحلية المشابهة لها لتسهم في دعم المسيرة الاقتصادية، الهادفة إلى تنمية وتوسيع وتدعيم الروابط بين دول المجلس، وأكد المجلس الأعلى مجددًا عزمه وتصميمه على الاستمرار في اتخاذ مزيد من إجراءات تعميق المعاملة الوطنية لزيادة جني مواطني دول المجلس ثمرات العمل المشترك في جميع المجالات5.
واستكمالاً لما جاء في إعلان الرياض الصادر عن الدورة الثامنة، استعرض المجلس الأعلى في دورته التاسعة التي عقدت في البحرين خلال الفترة من 10-13 جمادى الأولى 1409هـ الموافق 19-22 كانون الأول (ديسمبر) 1988م مسيرة عمل المجلس في القطاعات المختلفة في ضوء الأهداف الواردة في النظام الأساسي والاتفاقية الاقتصادية الموحدة والبرنامج الزمني لتنفيذ الاتفاقية وفقًا لقرار المجلس الأعلى في دورتيه السادسة والسابعة.
وعبر المجلس عن تقديره للخطوات التنفيذية التي اتخذتها الدول الأعضاء انسجامًا مع قرارات المجلس الأعلى بشأن تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية الموحدة وما أدت إليه من نتائج إيجابية انعكست على ترابط المصالح الاقتصادية بين مواطني دوله، فإنه ينظر بثقة إلى خطوات المرحلة المقبلة لتنفيذ مزيد من مواد الاتفاقية بشكل تدريجي يسهم إيجابيًا في توسيع السوق الخليجية المشتركة ودفع عجلة التنمية الاقتصادية في دول المجلس إلى الأمام. وإذ يشيد المجلس الأعلى بالجهود المبذولة من قبل المجلس الوزاري واللجان الوزارية العاملة في إطار المجلس من أجل إنشاء قاعدة اقتصادية وثقافية واجتماعية صلبة تلبي متطلبات المرحلة المقبلة, وتعزيزًا لمسيرة العمل المشترك، أكد المجلس في هذه القمة على:
1- شمولية أهداف مجلس التعاون وتكاملها في جميع الميادين وضرورة تحقيق مزيد من الإنجازات في عمل المجلس خاصة في المجالات الاجتماعية والثقافية والإعلامية، وتوفير المساواة في حقوق المواطنة بين الدول الأعضاء.
2- قيام اللجان الوزارية المعنية ببرمجة الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ المادة الثامنة من الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي تهدف إلى تحقيق مبدأ المواطنة الاقتصادية لا سيما تسهيل انتقال المواطنين وتحقيق مزيد من ممارسة الأنشطة الاقتصادية.
3- ضرورة الإسراع في الوصول إلى توحيد التعرفة الجمركية تجاه العالم الخارجي من أجل قيام السوق المشتركة لدول المجلس في ضوء أحكام الاتفاقية الاقتصادية الموحدة وقرارات المجلس الأعلى.
4- ضرورة مراجعة وتقييم ما تم اتخاذه من قرارات في إطار مجلس التعاون وما تم إقراره من استراتيجيات وسياسات في مختلف المجالات، كما جاء في تكليف المجلس الأعلى في الإعلان الاقتصادي لقمة الرياض للمجلس الوزاري، لضمان تنفيذها والالتزام بها 6.

هوامش

1- الأمانة العامة لدول مجلس التعاون- مجلس التعاون لدول الخليج العربية عشرون عامًا من الإنجازات/ يناير 2002.1
2 - الأمانة العامة لدول مجلس التعاون – مجلس التعاون لدول الخليج العربية – عشرون عامًا من الإنجازات / يناير 2002.2
3 - مجلس التعاون الخليجي – الأمانة العامة – النظام الأساسي لمجلس التعاون.
4 - مجلس التعاون الخليجي – الأمانة العامة – عشرون عاما من الإنجازات – يناير 2002.
5 - مجلس التعاون لدول الخليج العربية – الأمانة العامة – قرارات العمل المشترك – الطبعة الخامسة – 1998/ ص323.
6 - مجلس التعاون لدول الخليج العربية - الأمانة العامة - قرارات العمل المشترك - الطبعة الخامسة ـ 1998 - ص435.

الأكثر قراءة