الماكروبيوتك في رمضان

بعد مرور عام كامل من ثاني أسوأ كساد عالمي منذ الكساد العظيم في القرن الماضي (1929م) وبعيداً عن تداعيات الأزمة المالية العالمية ومشكلات الاقتصاد الكلي الماكروإكونوميك macroeconomic من حقك أيها القارئ العزيز في هذا الشهر الفضيل أن تأخذ فسحة من الراحة وأن تعرف المزيد عن الماكروبيوتك Macrobiotic أو ما يعبر عنه ببساطة أسلوب التغذية والمعيشة الشاملة بعيداً عن الأطعمة المعالجة التي فرضت علينا في حياتنا المعاصرة والرجوع إلى الطبيعة وتناول الحبوب الكاملة والأطعمة التقليدية في مواسمها. وهذا الأسلوب ليس جديداً على البشرية بل له جذور ممتدة في التاريخ القديم ومارسه أجدادنا العرب والمسلمين في الجزيرة العربية وما زالت هناك بعض القبائل المسلمة في عصرنا الحديث تمارسه في وسط آسيا (الإنجازيون كمثال)، حيث يتمتع سكان هذه القبائل بالنشاط من الناحية البدنية والحيوية الدائمة.
ويذكرنا التاريخ المعاصر كيف استطاعت الدنمارك أكبر الدول المنتجة للحوم ومنتجات الألبان في أوروبا، أثناء حصارها في الحرب العالمية الأولى أن تحد من المجاعات وحالات سوء التغذية التي تعرضت لها بإقدامها على إعدام أكثر من نصف ثروتها الحيوانية واتباعها نظام الماكروبيوتك الغذائي معتمدة على الحبوب والخضراوات والفواكه الطازجة مع استهلاك أقل لمنتجات الألبان وتخفيض شبه كامل لاستهلاك اللحوم لدرجة التحريم النهائي.
إن إتباع منهج الماكروبيوتك الغذائي يعني الطريق نحو صحة أفضل للإنسان ويقوم على أساس تجنب الأطعمة المعالجة التي تحتوي على إضافات غير مرغوبة مثل الملح التجاري والسكريات والكيماويات الضارة والتركيز على الأطعمة المنتجة (محلياً) بأسلوب عضوي والتي تنمو في الظروف نفسها والأحوال التي نعيش فيها وهو ما يجعل هناك علاقة وثيقة تربط بين الجسم والبيئة المحيطة به مباشرة.
ويركز النظام على الحبوب الكاملة ومنتجاتها بنسبة قد تصل إلى 60 في المائة على أن تستكمل باقي عناصر الغذاء من الخضراوات المزروعة محلياً (30 في المائة على الأقل) والباقي من الأطعمة المكملة من البقوليات والأسماك والحلويات وغيرها. وفي دراسة مقارنة مع النظام الغذائي المعاصر تبين أن نظام الماكروبيوتك يزيد من نسبة الكربوهيدرات المركبة والبروتينات اللازمة للنمو والحيوية إلى 85 في المائة على حساب نسبة الدهون التي لا يزيد على 15 في المائة مع نسبة (صفر) تقريباً للسكريات ولهذا مدلول طبي مهم لمرض السكري وحل واعد لمرضي القلب من جراء تخفيض نسبة الدهون والكولسترول في الدم.
ولكن ماذا عن الجوانب الاقتصادية؟
يبلغ إجمالي مساحة الأراضي المزروعة بالحبوب على مستوى العالم في الوقت الراهن نحو 1500 مليون هكتار أي أقل من (10 في المائة) من استخدامات الأراضي، فيما يقدر نصيب الفرد العالمي من إنتاج الحبوب نحو (365) كيلو جرام فرد/ سنة. ويبدو للوهلة الأولى أن هذا الرقم مناسب تماماً لضمان تحقيق الغذاء الشامل الحيوي (الماكروبيوتك) ولكن الواقع يشير إلى عكس ذلك تماماً، حيث يتباين هذا المعدل من منطقة جغرافية إلى أخرى، حيث لا يزيد على 180 كيلو جراما للفرد الإفريقي سنوياً ويصل إلى 850 كيلو جراما للفرد الأوروبي سنوياً ويرتفع إلى 1380 كيلو جراما للفرد الأمريكي سنوياً، وهو الأمر الذي يصّعب من مهمة تنفيذ هذا المطلب على المستوى الإقليمي أو الوطني خاصة إذا ما تم الأخذ في الحسبان أن الإنتاج ليس بالضرورة متوافقاً مع الاستهلاك وهناك فجوة سالبة يزيد فيها الاستهلاك على الإنتاج بصورة واضحة في إفريقيا (32 في المائة) وأمريكا الوسطى (40 في المائة) وآسيا (10 في المائة) يقابلها فجوة موجبة يزيد فيها الإنتاج على الاستهلاك وبصورة أكثر وضوحاً في إقليم أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) التي تصل إلى نحو 50 في المائة.
لحل هذه الفجوة (السالبة أو الموجبة) فليس هناك سوى وسيلتين:
الوسيلة الأولى: إعادة رسم الخريطة الزراعية العالمية وتوزيع المنتجات الزراعية – خاصة الحبوب - على جميع المناطق الجغرافية بطريقة متوازنة وهو موضوع ليس من السهولة بمكان تحقيقه على المديين القريب أو المتوسط في المناطق التي تعاني فجوة سالبة (إفريقيا كمثال)، إما لعدم توافر موارد مائية أو لعجز في مواردها المالية. ناهيك عن اعتراض الأقاليم الأخرى التي تتمتع بفجوة موجبة وفائض في الإنتاج.
الوسيلة الثانية: أن تلجأ الدول أو الأقاليم التي تعاني نقصاً في إنتاج المحاصيل – الحبوب بصفة خاصة - إلى استيرادها من الدول أو الأقاليم الغنية في إنتاجها لمواجهة الاستهلاك المطلوب.. وفي هذه الحالة تكون (المياه) هي العنصر المحدد فالدول الغنية مائياً هي القادرة على الإنتاج وسد فجوة الاستهلاك لها وللدول الأخرى وما يتم في هذه الحالة هو تصدير للمياه وليس تصديراً للمنتج الزراعي وهو ما اصطلح عليه بالمياه الافتراضية virtual water.
وخلاصة القول إن الإنسان المسلم في شهر رمضان لديه فرصة سانحة للتصالح مع البيئة ووضع برنامج للتريض والتعود على ممارسة أسلوب الماكروبيوتك الغذائي دون استخفاف من أجل التمتع بنمط حياة صحية سليمة وأكثر توازناً مع الطبيعة. ورمضان كريم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي