«شرطة البلدية» لضبط السلوكيات العامة

لا شك أن من شاهد حلقة يوم الأحد الماضي من برنامج خواطر - الذي يقدمه أحمد الشقيري – وجد في نفسه بعض المرارة من حال النظافة العامة لمرافق النزهة والترويح في المملكة بصفة عامة وخصوصاً عند مقارنة ذلك بواقع بلدان مثل اليابان، الأستاذ الشقيري عزا تلك لمشكلة إلى خلل سلوكي يعانيه بعض ممن يعيش في المملكة من مواطنين ووافدين، ودلل على ذلك بعرض سلوكيات أطفال يابانيين يحافظون بصورة تامة على نظافة بيئتهم وعلل ذلك بحسن تربيتهم المستمدة من النظام التعليمي والسلوك الوالدي.
لا أختلف مع الأستاذ الشقيري بأن اليابانيين يهتمون بحسن بيئتهم ويتربون على ذلك منذ الصغر، فحقيقة اليابان بلد يعيش فيها 120 مليون نسمة من ذوي الاستهلاك العالي للمنتجات المغلفة والمعلبة والكماليات قصيرة العمر وفي مساحة لا تزيد على سبع مساحة المملكة، يتزاحمون فيما يشكل 30 في المائة منها، حيث 70 في المائة من مساحة اليابان غير صالحة للسكن. هذا الوضع يجعل عملية النظافة العامة والمحافظة على البيئة هماً وطنياً وواجباً حياتياً .فلو مارس اليابانيون الإهمال الذي لدينا لتكدست القمائم في الشوارع خلال أيام. لذا يوجد في اليابان قانون صارم لنظافة البيئة لا يتكل على حسن التربية لدى المواطنين، فما لم يقله الأستاذ الشقيري، أن من يرمي القمامة في الأماكن العامة أو يسيء لنظام جمع القمائم وإزالتها في اليابان يتعرض لغرامات مالية باهضة وعقوبات جزائية قد تحرمه الإقامة في مسكنه إذا تكاتف الجيران في الشكوى. وقد يؤدي به ذلك للإقامة في السجن بعض الوقت. الرقابة البلدية في اليابان صارمة وفي كل حي يوجد مركز صغير للشرطة يسمى ''كيساتسو'' معظم تركيزه على ضبط السلوكيات العامة ومنها التعامل مع المخلفات.
أما لدينا فالبلدية لا خيار لديها سوى الاتكال على حسن أخلاق المواطن واجتهاده في وضع القمامة في أماكنها، فلا قانون لديها يجرم الناس ولا سلطة بيدها لتجازي من يتجاوز، ومهما أنفقت من أموال ووظفت من وسائل للتوعية فلن يكون في ذلك جدوى كبيرة.
إن من يرمي المخلفات في غير أماكنها هم ممن تبلد لديهم الإحساس بالواجب الاجتماعي وضاع عندهم الشعور بأهمية النظافة البيئية، فربما منزل أحدهم ليس أفضل صيانة ونظافة من مكب قمامته، - فاقد الشيء لا يعطيه – هذه الفئة من الناس لاشك هي القلة في المجتمع ولكنها القلة المزعجة والمهملة وهؤلاء بحاجة إلى ردع حيث لا تنفع التوعية.
في معظم البلدان هناك قوانين تحكم عملية جمع المخلفات والتخلص منها وتضع الضوابط والجزاءات التي تفرض انضباط الناس بذلك التنظيم وتهيئى السلطة التي تنفذ تلك القوانين، فحين تجعلها بعض المجتمعات بعضا من مهام رجال الأمن تخصص بعض المجتمعات شرطة خاصة لها تسمى شرطة البلدية، يكون دورها ضبط المخالفين وإصدار جزاءات بحقهم على صورة غرامات مالية، ومن يتجاوز حدودا معينة تستعين شرطة البلدية بشرطة الأمن للقبض عليه وتوقيف المتعدين. ولشرطة البلدية مهام أخرى فهي تنظم مواقف السيارات وتغرم المخالفين لنظام الوقوف وهي من يراقب الحفاظ على الممتلكات العامة وحسن استخدامها مثل علامات الإرشاد ولوحات الشوارع والأرصفة والحدائق العامة والمنتزهات والأشجار ويراقب الانضباط في معايير السلامة التي يستخدمها مقاولو البناء والطرق وحسن المظهر العام لواجهات المباني والمحال وكذلك مراعاة أصول السلامة في المباني العامة والمجمعات التي تشتمل على محركات مثل المصاعد والدرج المتحرك وتتأكد من صلاحية تشغيلها.
إن ما نحن بحاجته هو وجود شرطة للبلدية تكون في كل مدينة وتناط بها تلك المهام التي سلف ذكرها وأن تحل محل وظيفة مراقبي البلدية والتي تبين من التجربة ضعف طبيعتها وتدني كفاءة ممارسيها، إن شرطة البلدية ليست عسكرية الطابع ولكنها قريبة من ذلك، حيث يجب أن تخضع لهيكلية تنظيمية تكسبها الالتزام والانضباط، وتستلزم التدريب والتهيئة المستمرة وأن تكون نشاطا احترافيا، حيث يتدرج شرطي البلدية في تراتبية تنظيمية تستجيب للطموح في الترقي المعنوي والاكتساب المادي.
لا شك أننا جميعاً ندرك أننا شعب مثل باقي شعوب الأرض متنوع الثقافة متمايز الوعي تحكمه قيم يلتزم بها الأكثرية ويتملص منها قلة، من تلك القلة من ينضبط بالتوجيه والشعور بوجود زاجر نظامي أو تنفيذي، ومنهم من لا ينزجر إلا بتنفيذ العقوبة فيه، لذا لا بد إن أردنا لبلادنا أن تكون مكتملة الهيكلة التنظيمية السلوكية أن نحدد السلوكيات الممنوعة ونضع لها القوانين التي تجرمها ونطبق تلك القوانين بلا توان أو مجاملة، عندها يستريح شخص مثل أحمد الشقيري ويبحث لنا عما يمتعنا على مائدة الإفطار، موضوع أكثر تشويقاً من عرض القمامات المهملة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي