أهداف الجولة الإسرائيلية في إفريقيا
بعد حرب أكتوبر 1973 قطعت أربع وأربعون دولة إفريقية علاقاتها مع إسرائيل. وبقدر سعادة العرب بهذا الموقف بقدر حالة الدهشة من تغلغل إسرائيل حثيثا في القارة السمراء. وبعد كامب ديفيد أعلنت معظم الدول الإفريقية أن السبب وراء قطع العلاقات قد انتهى بدليل أن الدولة الإفريقية التي وقع عليها العدوان دخلت في علاقات مصالحة مع إسرائيل. وهنا انطلق الإسرائيليون لإثبات حضورهم القوي ففي داكار عاصمة السنغال والغرب الإفريقي يرفرف العلم الإسرائيلي على أعلى مبنى في أهم الميادين وهو ميدان الاستقلال "اندبندنس"، وفي إحدى زياراتي لواجادوجو عاصمة بوركينا فاسو فوجئنا بأن المسئول الذي كان من المقرر أن يجلس معنا، غائب. وهمست سكرتيرته في هدوء بأنه في زيارة شخصية لإسرائيل، وهكذا الحال في معظم الدول الإفريقية التي دخلت لهم إسرائيل في ثياب الدولة المستهدفة "حديثة الاستقلال" مثلهم، وأذكت نيران العنصرية والكراهية التي يكنها بعض الأفارقة للعرب بحجة أنهم كانوا تجار الرقيق، والتي ما زال صداها في دارفور وكل بقعة إفريقية - يجتمع فيها العرب والأفارقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر الجنوب السوداني والشمال الصومالي وموزمبيق وسيراليون. والآن يقوم أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلية بجولة إفريقية تشمل إثيوبيا وكينيا وغانا ونيجيريا وأوغندا. وبعد الإعلان الدبلوماسي الذي يستهدف وسائل الإعلام حول دعوة إسرائيل للدول الإفريقية للمساهمة في السلام بالمنطقة طالب ليبرمان هذه الدول وغيرها ممن يشاء أن يسمع ويشارك، بأن تنسق هذه الدول مواقفها في إطار الاتحاد الإفريقي لرفض أي موقف معاد أو معارض لإسرائيل.
واختيار الدول الخمس له مغزاه، فإثيوبيا قوة إفريقية كبيرة بتعدادها الذي يصل إلى سبعين مليون نسمة، وهي مصدر 80 في المائة من مياه النيل، و100 في المائة من مياه نهر القاش الموسمي (أربعة أشهر ثم يجف) الذي تزرع السودان السمسم على مياهه، وكذلك الحال بالنسبة لنهر عطبرة، وهي دولة مهمة على القرن الإفريقي وشوكة في ظهر الصومال من جراء صراعات الأوجادين والعرقيات الإثيوبية في الصومال، وهي عامل ضاغط على جارتها السودان، كما أنها سوق كبيرة للسلع الإسرائيلية فضلا عن أن سكانها من التيجري والعفري يؤمنون بالتلاقي الديني بين اليهودية والمسيحية الإثيوبية، وكان هيلاسلاسي يُدعى بأسد يهوذا ولا ينس العرب أن إثيوبيا كانت الدولة الإفريقية الوحيدة التي أيدت عدوان 1967، ورغم بيعتها دينيا لبابا الإسكندرية إلا أنها فصلت كنيستها عن مصر بضغوط إسرائيلية وتم تسليمها دير الأحباش في القدس، والهدف من زيارة ليبرمان لدولة مقر الاتحاد الإفريقي وأحد مؤسسيه - هو إحياء التعاون وتنشيطه مع إسرائيل في موضوعات التسليح ومشروعات السدود على منابع بحيرة تانا التي تزود النيل بالماء فضلا عن موضوعات تتعلق بالصومال والسودان وفتح المجال للصادرات الإسرائيلية، وتقوية الخلاف مع الدول العربية ـ الإفريقية وعلى رأسها مصر فالسلام الهش بين مصر وإسرائيل لا يمنع استمرار الإسرائيليين في الحصول على مناطق قوة ونقاط ضعف ضد مصر لإرغامها على مزيد من الإذعان والتنازلات.
الدولة التالية في الجولة هي كينيا، وهي تكاد تكون مستوطنة إسرائيلية، وهي إحدى دول منابع النيل، ولها صوت مع إثيوبيا وأوغندا التي سيزورهما ليبرمان في القضايا المثارة حول مياه النيل وإعادة توزيعها، والضغط على مصر لتزويد إسرائيل بالمياه من حصة حلفاء إسرائيل (إثيوبيا وكينيا وأوغندا) مما يسكت المنطق المصري بأن مياه النيل ملك لعشر دول. ومع كينيا وأوغندا وكلتاهما تعاني حركات رافضة للحكومة فإن التزويد بالسلاح الإسرائيلي قضية مهمة، لأنها فرصة رائعة لأعلى نسب سمسرة بالنسبة للفاسدين في الحكومات.
أما غانا ونيجيريا فتلعب إسرائيل على وتر كثافة الوجود الإسلامي في غرب إفريقيا، والمعروف أن غانا ومنذ سقوط نكروما أصبحت ساحة رحبة لإسرائيل وتمتد علاقاتها بإسرائيل لتغطي الاقتصاد والرياضة والسياسة والتعليم، والموقف في نيجيريا ينطوي على حساسية أكبر، فهي أكبر دول إفريقيا سكانا، وهم خليط من الهاوسا والفولاني (وهم مسلمون) إلى جانب اليوروبا والإيبو وهم بين الوثنيين والمسيحيين. وتلعب إسرائيل على هذا التشرذم، وتناقضات دولة مترامية الأطراف حافلة بالفساد ومرشحة دائما للحروب الأهلية. يصاحب ليبرمان وفد يتكون من عشرين من رجال الأعمال العاملين في مجالات الزراعة والطاقة والصناعات الكيماوية والبنية التحتية والتدريب العسكري وذلك إلى جانب وفده الرسمي المكون من دبلوماسيين من وزارة الخارجية وضباط من الجيش وخبراء من مجلس الأمن القومي وخبراء المالية والمستشارين في مجالات الاستثمار.
وأبرز أنشطة الوزير الإسرائيلي التي تفيدنا في فهم مهمته بجانب تكوين أعضاء وفده هو المنتدى الاقتصادي الإثيوبي - الإسرائيلي ولقاء الجالية الإسرائيلية في نيروبي، أما أوغندا فسيتم الاحتفال فيها بالذكرى الـ 23 لضرب الفلسطينيين الذين اختطفوا الطائرة في عنتيبي وتعتبرها إسرائيل بطولة تاريخية. وأهم أهداف الرحلة تلك الاتفاقيات مع مسؤولي الدول الخمس في المجالات التجارية والاقتصادية.