إسرائيل والهند

دأب اليهود على الارتماء في أحضان قوى كبرى، تحميهم وتغطي أنشطتهم في الهيمنة على الثورة. فعلوا ذلك مع قياصرة روسيا حتى أصبح وجودهم في روسيا والاتحاد السوفياتي بعد ذلك حقيقة بارزة. وقاموا بالشيء نفسه مع بريطانيا الفيكتورية (أي تحت حكم الملكة فيكتوريا الذي امتد إلى نيف وخمسين سنة)، وكانوا محل امتعاض الشعب ولكنهم نجحوا في استئناس الساسة حتى أصبح أحدهم ''دزرائيلي'' رئيسا للوزراء في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وسيطروا على جلادستون وماكدونالد ولويد جورج الذي صدر في عهده الوعد المشؤوم باسم وزير خارجيته بلفور. وتغلغل اليهود بمنطق الأقلية التي تخدع الأغلبية وادعاء الولاء في أروقة القصر والحكم الفرنسي. وبعد توجه القوة إلى ما وراء الأطلنطي نظموا صفوفهم في الولايات المتحدة. وتاريخيا كانت لليهود محاولات للسيطرة على الإسبان لولا محاكم التفتيش وبابوات روما الكاثوليك الذين طاردوا اليهود وأرغموهم على عبور مضيق جبل طارق والتوجه إلى المغرب، حيث أحسن المغاربة معاملتهم. غير أن الأمر لم يكن كذلك في روسيا أو فرنسا أو إنجلترا, حيث طردوا طردا جماعيا كما حدث في إسبانيا في القرن السادس عشر وألمانيا تحت حكم هتلر. قصدت من هذه المقدمة والعرض التاريخي أن أؤكد حقيقة مهمة وهي أن الزحف الحثيث والتسلل المحسوب إلى الدول الكبرى جزء لا يتجزأ من استراتيجية اليهود، وهم يحرصون عادة على أن يكون لهم وجود قبل بلوغ الدولة ذروة قوتها لئلا يُقال إنهم يستغلونها، وهم في هذه الأثناء يقدمون خدمات كبيرة للدولة المستهدفة، تتمثل في نقل التكنولوجيا والقيام بدور الوسيط بين حاميتها وراعيتها أمريكا وبين دول دخلت قائمة اهتمام اليهود, خاصة الهند والصين.
ولا يتوقف الإعلاميون الموالون للصهيونية عن ترديد فكرة ''التحالف'' الإسرائيلي ـ الهندي، وبعد وصول أوباما إلى البيت الأبيض يردد هؤلاء الإعلاميون فكرة تصدي أوباما لأحلام الهند وإسرائيل. وإسرائيل تجد في الهند سندا قويا في حملة الهجوم على إيران والإيحاء بأنها خطر على الهند والشرق الأوسط وإسرائيل. ويحاول الإسرائيليون توحيد وجهة النظر مع الهند ضد كل من إيران وباكستان، وينسقان الجهود في قضية منع انتشار الأسلحة النووية, وكلتاهما دولة نووية.والمعروف أن العلاقات الإسرائيلية ـ الهندية في نمو مطرد، وقد انتهت إلى غير رجعة المواقف الهندية المحايدة أو المؤيدة للعرب بعد نهاية حقبة عبد الناصر وبعد نجاح إسرائيل في إقناع الهند بأن إيران وباكستان والعرب يمثلون كتلة معادية لكل من الهند وإسرائيل.
وتتركز الجهود الإسرائيلية حاليا على الدخول في تكتل موحد مع الهند ومواجهة الرئيس أوباما بمطالبها الاستراتيجية وإقناعه بأن مصلحة الولايات المتحدة تتجسد في دعم المحور الإسرائيلي ـ الهندي الجديد.
تلعب إسرائيل والهند بورقة الديمقراطية، فهي تسمي الهند أكبر بلد ديمقراطي في العالم، وتُسمي نفسها واحة الديمقراطية في صحراء الدكتاتورية، ويبدو أن الولايات المتحدة تبنت هذا الموقف ولذلك فقد تعهدت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة بأن تقدم معونات حقيقية وكبيرة للهند لتحقيق نهضة كبرى، لموازنة قوة الصين الصاعدة والضغط على باكستان وإيران من ناحية أخرى, غير أن الضرورات الاقتصادية حالت دون بلع الهند هذا الطعم لأن مصالحها التجارية مع الصين والدول الموالية لها كبيرة.
في سنة 2005، تم توقيع ''الإطار الجديد للعلاقات بين الهند والولايات المتحدة في المجال العسكري'' لصياغة شراكة متطورة بين الدولتين في هذا المجال. ولم يكن خافيا على أحد أن المقصود هو ممارسة الدور الاحتوائي الأمريكي السابق الذي كانت تقوم به أحلاف ''سيتو'' و''سنتو'' (جنوب شرقي آسيا والحلف المركزي) غير أن العقبة الكبرى تمثلت في تشكك أوباما في مقاصد الهند وعدم استعداده لقبول المخططات الإسرائيلية كما تشاء إسرائيل وعلى غرار ما كان يفعله بوش. وكانت هيلاري كلينتون رهانا هنديا كبيرا، وبعد فشلها في التأهل للرئاسة، كان الهنود يفضلون المرشح الجمهوري ماكين ليواصل الدعم الذي بدأه جورج بوش الابن. وتروج أدوات الدعاية الإسرائيلية لأزمة هندية ـ أمريكية لأن أوباما لا يبدي القدر نفسه من الاستجابة مثل بوش . ومحور الأزمة هو بعض الارتطام والخلاف مع واضعي السياسة الهندية والرأي العام الهندي في المجالات التالية:
باكستان: حيث تبدي واشنطن اهتماما بباكستان لاعتمادها عليها في الحرب ضد طالبان.
وثاني نقاط الخلاف هي قيام الهند بإنتاج سلع رخيصة لأصناف أمريكية مما يقلل دخل الضرائب في الولايات المتحدة.
كما أن قضية عدم إذعان الهند لطلبات واشنطن بتخفيض نسب التلوث الجوي تزعج الولايات المتحدة.
وأخيرا عدم امتثال الهند مثل إسرائيل تماما ـ لطلبات أمريكا بالالتزام بالحد من الأسلحة النووية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي