المحاذير الثلاثة في تقويم أداء العاملين

يتسبب الكثير من المشرفين في فشل عملية تقويم الأداء نتيجة لوقوعهم في أخطاء جسيمة تثير حساسية العاملين فتمنعهم من قبول ما جاء في تقويم الأداء من ملاحظات، وتجعل العامل بدلا من أن يستجيب للتقويم ويعمل على تطوير مهاراته للتغلب على نقاط الضعف في أدائه يستنفر كل طاقاته في محاولة مستميتة للدفاع عن كيانه الذي شعر أنه قد تعرض للتهديد من جراء هذا التقويم، ومن المؤسف أن كل مشرف قد يحصل على العديد من البرامج التدريبية لإتقان مسؤولياته الرئيسة لكن عملية تقويم الأداء لا يتم إدراجها ضمن الاحتياجات الأساسية للتدريب وبالتالي يفتقد الكثير منهم المنهج والأسس السليمة لإجراء عملية تقويم الأداء.
إن المنهج السليم لتقويم الأداء يمكن استنباطه من خلال قراءتنا التحليلية لتعريف تقويم الأداء الذي ينص على أن التقويم هو «طريقة يتم فيها تقويم أداء العامل بصورة دورية بناء على مجموعة من المعايير التي تقيس مدى مطابقة ذلك الأداء للمهام والمسؤوليات المدرجة بالوصف الوظيفي والأهداف المتفق عليها». يلاحظ القارئ الكريم أنني قد وضعت ثلاثة خطوط تحت ثلاثة أجزاء من التعريف وهذه الأجزاء هي التي سأركز عليها في حديثي لتحديد المنهج السليم لتقويم الأداء لأنها في اعتقادي مفتاح نجاح عملية تقويم الأداء وهي أيضا سبب فشلها إن لم يتم التعامل معها بحذر وموضوعية.
إذا أخذنا الجزء الأول من المفهوم «تقويم أداء العامل» فالمنهج السليم لتقويم الأداء يقتضي ممن يقوم بالتقويم أن يركز عند إجراء هذه العملية على الأداء وليس على صاحب الأداء واعني بذلك العامل، هذه النقطة على بساطتها لكن معظم من شاهدتهم من المشرفين يقعون في إشكالية عدم التفريق بينهما فيخلطون كثيرا عند التقويم بين الأداء وصاحب الأداء، حيث يقومون بتقويم شخص العامل أكثر من تقويم أدائه فتجد العبارات المستخدمة في التقويم سواء كانت مكتوبة أو شفهية هي عبارات موجهة في مجملها إلى صاحب الأداء، وبدلا من أن يصف أداء العمل فيحدد أوجه القصور والضعف فيه وكيف يمكن تحسين مستوى جودته يقوم المشرف باستخدام عبارات تصف شخص العامل بأنه غير دقيق أو غير منظم أو أنه غير ملتزم بالمواعيد وهذا الأسلوب يحول التقويم إلى عملية نقد شخصي غير موضوعي كما يجعل الملاحظات عملية غير مرحب فيها لأنها تضع العامل في موقف دفاعي، فالإنسان من الناحية السيكولوجية لا يرحب بالنقد الموجه لشخصه باعتباره تعديا على كيانه ومساسا بكرامته ولكنه أقل حساسية بكثير عندما يوجه النقد إلى أدائه وبما أن الأساس في عملية التقويم هو أداء العامل وليس شخصه وجب على المشرفين التنبه لهذه النقطة والحذر من الوقوع فيها باعتبارها واحدة من أهم أسباب ضعف وفشل الحوار بين المتحاورين وإذا فشل الحوار بين الرئيس ومرؤوسه فشلت بالنتيجة عملية التقويم.
وإذا أخذنا الجزء الثاني من تعريف تقويم الأداء «المهام والمسؤوليات المدرجة بالوصف الوظيفي»، فالمنهج السليم للتقويم يفترض عند إجراء عملية تقويم الأداء أن يتم التركيز على المسؤوليات والمهام المذكورة في الوصف الوظيفي لأن هذا الوصف هو المحدد لحجم المسؤوليات والمهام ودونه تصبح نوعية وحجم العمل غير منضبطة بأي ضابط وتجاوز الوصف الوظيفي في عملية التقويم يتعارض مع الأساس الذي بموجبه يتم تحديد الأجور لأن تقدير الأجر لأي وظيفة يستند إلى مجموعة من الإجراءات تبدأ بتقييم الوظيفة ثم تحديد الدرجة ومستوى الأجر العادل للوظيفة، وكل هذه الإجراءات تستند إلى الوصف الوظيفي، وبالتالي لا يجوز بعد كل ذلك تقويم أداء العامل على مسؤوليات ومهام لم ترد في الوصف الوظيفي، وإذا كان النظام يجيز للمدير تكليف العامل ببعض المسؤوليات الإضافية فهي حالات استثنائية وليست قاعدة، هذا إذا كان لدى الشركة إدارة محترفة للموارد البشرية، أما إن كانت الأمور تدار بطريقة غير مهنية، فيفترض كحد أدنى أن يكون لكل وظيفة مسؤوليات ومهام محددة قد تم الاتفاق عليها عند التعيين ولا يعقل تجاوزها عند تقويم الأداء فيحاسب العامل على مسؤوليات ليست من صميم العمل المتفق عليه، كما أن الأجر الذي يدفع للعامل لم يأخذ هذه المسؤوليات في الحسبان عند التعين وليس من العدل محاسبة العامل على مسؤوليات لا يحصل في مقابلها على أجر.
أما النقطة الأخيرة التي يجب مراعاتها في المنهج السليم عند تقويم الأداء فهي أن يتفق الرئيس مع المرؤوس على الأهداف وعلى النتائج المطلوب تحقيقها، فلا يعقل أن يتم تقويم أداء العامل بناء على أهداف لم يجر الاتفاق عليها أو أن تضاف أهداف جديدة من دون أن يعاد ترتيب أولوياتها فيصبح العامل في حيرة من أمره فلا يعلم لأي منها يعطي الأولوية ثم إذا أخفق في اجتهاده يحاسب على ذلك الإخفاق، فالمنهج السليم للتقويم يقتضي الاتفاق على الأهداف وصياغتها بطريقة تجعلها أهدافا ذكية كما يطلق عليها باللغة الإنجليزية SMART GOALS، حيث يدل كل حرف من كلمة SMART على مواصفات الأهداف الذكية على النحو التالي Specific, Measurable, Attainable, Realistic Timely أي يجب إن تكون الأهداف محددة وقابلة للقياس وممكنة التحقيق في حدود قدرة وإمكانيات العامل وواقعية فلا تكون متجاوزة في تطلعاتها حدود الواقع الذي تعمل فيه المنشأة وأخيرا أن تكون محددة بزمن للتنفيذ. وخلاصة القول فإن كل تقويم للأداء يتجاهل هذا المنهج ولا يتجنب الوقوع في الأخطاء التي أشرنا إليها لن يكتب له التوفيق، فيصبح التقويم عبئا على المنشأة بدلا من أن يكون أداة لتطوير العمل فيها لأن صاحب الشأن الذي هو العامل سيرفض الاستجابة لما ورد في التقويم من ملاحظات عندما يجد نفسه قد وضع في موقف المدافع عن كيانه الذي أصبح مهددا بفعل الأسلوب الذي تمت به هذه العملية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي