شبابنا وشاباتنا ثروة اقتصادية.. فلنحسن التعامل معها

شدني مقال قرأته أخيراً للكاتب القدير عبد الله باجبير بعنوان «قبل أن تهرب ابنتك»، الذي نشر في «الاقتصادية» في العدد 5780، والذي شخص الكاتب من خلاله معاناة الأسرة في حالة اختفاء إحدى بناتها أو ابنتها الوحيدة من المنزل في صباح يوم ما، بدافع الهروب من المعاملة القاسية والسيئة، التي تعامل بها الفتاة في داخل المنزل، سواء كان ذلك من قبل أحد والديها أو كليهما أو من قبل أحد إخوانها أو أخواتها.
الأستاذ باجبير أورد في مقاله المذكور بعض الإحصائيات المخيفة والمرعبة للغاية عن هروب الفتيات من المنازل، مستنداً في ذلك إلى الإحصائيات، التي أوردتها شرطة مكة المكرمة في هذا الخصوص، خلال الأشهر الثمانية الماضية، حيث رصدت 95 حالة هروب للفتيات من منازلهن، ما بين سعوديات وأجنبيات، وتم العثور على 30 منهن، فيما يجري البحث عن البقية، وذلك بدوافع التفكك الأسري، وانفصال الوالدين وزواج كليهما وتمزق الأبناء بينهما، أو بسبب تعرض الفتيات للضرب المبرح أو الإهانة المتكررة، وكذلك تدليل البعض على حساب الباقين، أو إرغامهن على الزواج بمن لا يردن، ورفض المناسب لهن.
تشير دراسات تربوية ونفسية، إلى وجود مشكلة أسرية أزلية، تعاني منها جميع الأسر على مستوى العالم، والتي تبدأ مع تحول الأبناء من سن الطفولة إلى سن المراهقة، أو ما يسميها البعض مرحلة الانتقال من الطفولة إلى شبه النضج وليس النضج الكامل.
تداعيات تلك المشكلة تكمن في عدم قدرة أو على الأصح عدم معرفة الأسرة، سواء كان ذلك على مستوى الأب أو على مستوى الأم أو حتى على مستوى الإخوان والأخوات في المنزل من التعامل مع الشاب المراهق أو مع الشابة المراهقة، الأمر الذي يتسبب في حدوث شرخ أسري كبير داخل أفرد العائلة الواحدة، ويضعف من تماسكها، لينتهي الأمر في معظم الأحيان، إلى التفكك والتشرذم وهروب أحد الأبناء من المنزل، وتعرضه نتيجة لهروبه من المنزل للضياع والتشتت الفكري والنفسي.
من بين الأسباب العديدة، التي رصدتها الدراسات، التي أجريت بخصوص هروب الفتيات والشباب من المنازل، انشغال الآباء والأمهات في أمور الحياة اليومية على حساب تربية وتنشئة الأطفال، وبالذات المراهقين منهم التنشئة الصالحة الحسنة، وإعطائهم العناية الكافية، بتخصيص الوقت المناسب والملائم للاستماع لمشكلاتهم والتعرف على احتياجاتهم ومتطلباتهم عن قرب، كما أن قلة تجمع أفراد الأسرة حتى ولو على نطاق الطعام اليومي، يضاعف من فرص التفكك الأسري ويزيد من حدة التباعد والتنافر الحاصل في يومنا هذا بين أفراد الأسرة الواحدة، الأمر الذي تؤكد عليه إحدى النكات التي قرأتها في أحد مواقع المنتديات، التي شخصت واقع حال عدد كبير من الأسر في مجتمعنا اليوم، عندما أتت عاملة المنزل بالطعام ووضعته على الطاولة، ولم تجد أحداً من أفراد الأسرة، فقالت العاملة المنزلية، «بابا معزوم، وماما نوم، وولد ما في معلوم، وبنت إنترنت دوت كوم».
من بين الأسباب كذلك، التي تسهم بشكل كبير في حدوث توتر في العلاقة، التي تربط بين الأبناء والوالدين، وبالذات المراهقين منهم، العلاقة التقليدية التي تربط فيما بينهما، والتي تكاد أن تخلو في معظم الأحيان من الحب والحنان والعطف والألفة، وتجنح بشكل كبير نحو توجيه الأوامر والنواهي فقط، الأمر الذي يتسبب في خلق جدار عازل يمنع رجوع الأبناء أو البنات إلى الوالدين أو إلى أحدهما في حالة الحاجة إلى ذلك، وبالذات في حالة التعامل مع مشكلة ما قد يصادفها المراهق أو تصادفها المراهقة في حياتهما.إن عدم انفتاح الآباء والأمهات على أبنائهم وبناتهم المراهقين والمراهقات الانفتاح الكافي والمطلوب، ومصادقتهم والنزول إلى مستوى تفكيرهم، والإساءة المستمرة إليهم بتحقيرهم والإقلال من شأنهم، باستخدام السلطة سواء الأبوية أو الأموية، يضاعف من مشكلات الأبناء ويزيد من حالة التأجج التي يعيشونها في منازلهم، وبالذات خلال مرحلة المراهقة، التي تتسم بالنمو البدني والجسدي المتسارع، والإفراز الهرموني المتزايد والحاجات النفسية المعقدة للغاية. من هذا المنطلق، تشير الدراسات التربوية والنفسية، إلى أن التغلب على حالات التأجج التي يعيشها الأبناء في منازلهم، يتطلب التعامل معهم بالرفق واللين، وفتح باب الحوار معهم للتعرف على أبعاد المشكلات، التي يعانون منها بالذات في فترة المراهقة، كما أن الأمر يتطلب كذلك الاقتداء بالسنة النبوية في التعامل مع الأبناء، وبالذات مع المراهقين منهم، الذين هم في حاجة خلال مرحلة المراهقة لحب وحنان ورعاية خاصة، بعيداً عن الصراخ والمراقبة المشددة وغير المبررة في معظم الأحيان للتصرفات، بما في ذلك إصدار التعليمات والتوجيهات والأوامر بأسلوب فظ غير مبرر وغير محبب للنفس.
أثبتت الدراسات أن سوء معاملة الابن المراهق أو الابنة المراهقة، قد يدخلهما في حالة من الاكتئاب والأرق الشديد، وبالتالي عدم القدرة على بناء الشخصية السليمة النافعة للوطن، كما أن سوء المعاملة قد يتسبب في حدوث انعكاسات صحية سيئة للغاية للشاب أو للشابة، التي لعل من أبرزها وأهمها السمنة المفرطة، نتيجة لتوجه ذلك الشاب أو تلك الشابة لإشغال نفسه أو نفسها بالطعام غير الصحي، كما أن البعض يجد أن النوم بالشكل المستمر الذي يزيد على الحاجة، هو المفر الوحيد من ضجيج الآباء والأمهات والمعاملة الخاطئة لهم، والذي بدوره يتسبب في خمول العقل والجسم وعدم القدرة على بناء الشخصية والتفكير السليم.
إن الارتقاء بأساليب تربية أبنائنا وبناتنا وشبابنا وشاباتنا، يتطلب كذلك تعاون البيت مع المدرسة والمسجد، بما في ذلك وسائل الإعلام المختلفة، حيث نكفل في نهاية الأمر اكتمال منظومة التربية بالشكل المنشود، الذي يتحقق به اكتمال الجوانب البدنية والنفسية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الدينية والروحية لدى أبنائنا وبناتنا.
ختاماً: إن معاملة أبنائنا وبناتنا المعاملة الحسنة، ومنحهم الثقة ليست بالعمياء، بما في ذلك متابعتهم المتابعة المسؤولة المحببة للنفس، ومصادقتهم في مرحلة المراهقة، سيمكننا - بإذن الله تعالى - من بناء جيل قادم نافع للوطن وقادر فكريا وجسدياً على الارتقاء بهذا البلد وبمقدراته ومكتسباته الاقتصادية، فالشباب اليوم هم الثروة الاقتصادية الحقيقية لأي بلد، إن هو أحسن التعامل معها كسبها وإن هو أخفق في التعامل معها خسرها للأبد وخسر نفسه، ولعلي أطالب من خلال هذا المقال مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، بتخصيص لقاء يركز فيه على القضايا التي يعاني منها المراهقون والمراهقات بما في ذلك قضايا العنف الأسري، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي