عادة التقبيل والعناق بين الرجال سبب رئيس لانتشار الأمراض
تنتشر عادة التقبيل والعناق بين الرجال في بعض المجتمعات العربية، ومنها مجتمع المملكة، كوسيلة للسلام، والتعبير عن المحبة والوئام، وتختلف وسيلة التعبير هذه من منطقة أو قبيلة إلى أخرى، تبعا للعادات والتقاليد السائدة لدى كل منها، فهناك تقبيل الخدود، أو إلصاقها ببعض عدة مرات، وهناك تقبيل الأنوف أو ملامستها ببعض بطريقة تشبه النقر، وهناك بالطبع تقبيل الرؤوس والجباه، وأما العناق فيعبر عنه بإلصاق الصدور والخدود ببعضها في آن واحد، مع الضغط عليها للالتصاق أكثر بواسطة اليد اليسرى، وقليلا ما يكتفي الناس بالسلام عن طريق المصافحة بالأيدي، إلا للشخص غير ذي المعرفة لديهم، ويتمادى الناس في المبالغة بالتقبيل والعناق في كل مرة يرى فيها صديقه، حتى لو كان ذلك يوميا، ومن المبالغات أنك يمكن أن تسمع صوت التقبيل وأنت على مسافة من بعض الأشخاص، وفي حالات كثيرة، حين التسابق على تقبيل الأنوف، أو ملامستها، ومحاولة التطاول بالقامة (من الطول) للفوز بذلك، وتكاد هذه الملامسة تصل إلى الشفاه، بخاصة عندما يكون أحد المتعانقين طويلا والآخر قصيرا، بل هي تصلها بالفعل في بعض الحالات!
ولا يوجد في الدين أو التراث أصل لهذه العادات، والغالب أنها تسلّلت إلى المجتمعات مما كان متبعا لدى الأقوام الذين تسيدوا المقاليد خلال فترات الخضوع والخنوع في بعض الأقطار العربية، مثلما تسيدتنا نحن الألقاب التي ورثناها عنهم، وأصبح تعلقنا بها أكثر مما كانوا يفعلون!
الأصل من الناحية الدينية
من الناحية الدينية، فإن المنقول عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هو ما رواه أنس قال "قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: أفيأخذه بيده ويصافحه؟ قال: نعم"، وعن أنس أيضا قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلا كان حقا على الله عز وجل أن يحضر دعاءهما، ولا يفرق بين أيديهما حتى يغفر لهما"، وعن البراء قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا"، وصح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال "إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر"، وقوله "تصافحوا فإن التصافح يذهب السخيمة"، وقوله أيضا "تصافحوا يذهب عنكم الغل، وتهادوا تحابوا"، وكل هذه الأحاديث تأمر بالمصافحة وتحث عليها، وتضمن الأجر والمغفرة لفاعلها، ولم يرد خلالها أي إشارة لأي وسيلة أخرى للسلام؟!
ماذا عن التراث؟
لم يرد في تراثنا العربي أو المحلي ما يدعم عادة التقبيل بين الرجال، بل إن كل ما ورد فيه يحث على المصافحة، وينبذ ما عداها من وسائل، فهذا العالم عبد الله بن إبراهيم الأنصاري يقول "إن ما يتداوله الناس من التقبيل أثناء السلام أمر غريب غير محبوب، فلعل من تسلم عليه لا يقبل ذلك، ولكن يقرّه معك حياء ومروءة، ولعل من يقبلك أو يقبل غيرك يؤذيك أو يؤذيه، والمتأذي يكلف نفسه ويصبر مضضا، فما أجمل الاكتفاء بالمصافحة". ويروى عن الملك عبد العزيز – رحمه الله – أنه قال لجلسائه "إن تقبيل اليد لغير الوالدين من أخلاق الأعاجم، وحنا ما أعزنا الله إلا بالإسلام، ولا نرضى للعربي أن يخالف طباعه" (صحيفة الوطن 14/8/1426هـ)، وكان بعض أمراء المناطق في المملكة، ومنهم الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير سابقا قد دعوا إلى تأصيل السلام بالمصافحة، بيد أن خاتمة الأفعال هو ما أعلنه وطبقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ أربع سنوات في مجلسه العام عن رفضه عادة تقبيل اليد في السلام، وأن ذلك لا يصح فعله إلا للوالدين!..
العادة منبوذة عالميا
في الدول المتقدمة لا يسوغ مطلقا تقبيل الرجل للرجل، أيا كان نوع هذا التقبيل، وأكثر الشعوب ابتعادا عن هذه العادة هم اليابانيون، حتى الأزواج منهم يتحاشون التقبيل إلا في المخادع، وعندما يكبر الطفل يمتنع أبوه وأمه عن تقبيله، ويرى هو في ذلك عيبا، ويلي اليابانيين الغربيون، فالتقبيل بين الرجال مستهجن أصلا، حتى أنه في حالات الفرح والانفعال في مثل مباريات كرة القدم، عند تسجيل الأهداف، لا يقبل اللاعبون بعضهم بل يكتفون بالمصافحة و(التحسيس) على الرؤوس كتعبير عن الابتهاج. وكدليل على كراهيتهم للتقبيل يروى عن الرئيس الأمريكي كلينتون أنه عندما دعا الرئيس ياسر عرفات سأل مستشاريه كيف يتفادى قبلات الرئيس؟! فأشار عليه سفيره في مصر بأن يضع يده وهي ممدودة على كتف الرئيس ويثبتها بحيث لا يستطيع الاقتراب منه. ويقال إن مسؤولا عربيا زار إنجلترا منذ زمن فقبل الوزير الذي استقبله في المطار على خديه، فشعر هذا الوزير بالحرج أمام زملائه وأخذ يتمتم "إن هذا ليس من تقاليدنا"!..
وسيلة لنقل الأمراض
يعد التقبيل والعناق ومنه الاحتضان وسيلة سريعة وفاعلة لانتقال الأمراض، ولا يقتصر الأمر على الأمراض الشائعة كالزكام والإنفلونزا، بل أكدت أبحاث عدة أن أمراضا مثل الأمراض الجلدية وفيروسات الكبد يمكن أن تنتقل عن طريق الملامسة والضغط بالخد خاصة إذا كان أحد الشخصين قد فرغ للتو من الحلاقة وبه آثار جروح (مجلة اليمامة 23/8/1427هـ)، ويكفينا من الأمر كله، ما تأكد الآن من أن طرق السلام المتبعة لدينا هي وسيلة مثلى للعدوى بمرض إنفلونزا الخنازير، الذي تحذر منظمات الصحة العالمية من أنه سيفتك بالناس!..
وإذاً فإن الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة من الأجهزة المسؤولة عن الصحة، ومن المنظمات والقطاعات الصحية الحكومية والأهلية إلى تخصيص ميزانيات كبيرة لمكافحة المرض، وأول وسائل المكافحة هي التوعية، كما يحتاج الأمر منا جميعا إلى الابتعاد عما يؤدي إلى الإصابة به، وأول ذلك الامتثال لما أمرنا به نبينا من الاكتفاء بالمصافحة في السلام.
والله من وراء القصد.