الإسكان الخيري
أهنئ القراء الكرام بشهر رمضان المبارك (شهر الخير والبر والإحسان، والإنفاق والتسابق إليه).ومجتمعنا - ولله الحمد - مجتمع إسلامي متكاتف ومتعاون، استطاع أن يتحدى أصعب الظروف في أزمنة القحط والفقر والجوع؛ بتسابق أفراده إلى عمل الخير ومساعدة بعضهم على مواجهة الأزمات، وأنا على يقين بأن الخير باقٍ في أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى يوم القيامة، ولن تعدم هذه الأمة المؤمنين الصادقين من الرجال والنساء الراغبين في مساعدة إخوانهم بتوفير المسكن الصحي والملائم لكل أسرة لا تجد المأوى.وأجدها مناسبة طيبة للثناء على المؤسسات والجمعيات المعنية بتوفير الإسكان التنموي أوالخيري، وشكرها، والدعاء لمؤسسيها والقائمين عليها بأن يتقبل الله أعمالهم ويوفقهم ويسددهم إلى المزيد من الخير.
ولكن مجمل ما قدَّمتْه مؤسسات الإسكان الخيرية لا يزيد على بعض الآلاف من الوحدات السكنية التي لا تسد إلا نسبة صغيرة جداً من حجم الاحتياج الحقيقي، والسبب أن توفير المساكن بصفتها منتجاً نهائياً ذا تكلفة باهظة، ويستنزف مبالغ كبيرة تعجز عنها الحكومات ناهيك عن المؤسسات الخيرية. ومع هذا أستشعر بصدق - وأنا أكتب هذه المقالة - الآية الكريمة من سورة التوبة: "ما على المحسنين من سبيل"، وهي تنفي الحرج عن المحسنين الذين يعملون لفعل الخير ولم يقدروا على القيام به على أكمل وجه؛ لأن كل من أراد الخير وتحرك نحوه - سواء سدد في عمله أو لم يسدد، بلغ هدفه أو لم يبلغ - فإنه مجزي عند الله تعالى.
وأقترح لتوسيع نشاط مؤسسات الإسكان الخيري والتنموي لكي يشمل أعداداً أكبر من الأسر المستفيدة؛ أن تتوجه إلى تبني بدائل أخرى غير بديل بناء المساكن المكتملة وتسليمها للمستفيدين بشكل نهائي، وتعمل على الأخذ ببدائل دعم الأسر وتمكينها من توفير المسكن لنفسها؛ سواء كان ذلك بالدعم المالي، أو بتوفير الأرض، أو بتقديم مواد البناء سهلة الاستخدام للأسر المستفيدة، أو ببناء مساكن نواة صغيرة محدودة العناصر والمساحة تحقق الحد الأدنى من احتياج الأسرة مع قابلية نموها بجهود الأسر بعد ذلك، أو بغيرها من البدائل الأقل تكلفة.
كما أقترح أن تفتح مؤسسات الإسكان الخيري والتنموي، بصفتها بيوت خبرة في مجال توفير المساكن الخيرية، المجال لمشاركة المتبرعين الكبار منهم والصغار في هذا الخير العظيم، بأسلوب المساهمة في تنفيذ المشاريع الإسكانية، إما بدفع تكلفة بناء عدد من الوحدات السكنية، أو بتكلفة وحدة سكنية واحدة، أو حتى بمبالغ صغيرة يستطيع كل مسلم المشاركة فيها بصفتها أحد أوجه عمل الخير والإنفاق التي تعد من الهدي النبوي الذي يحث على تفريج كرب المسلمين. لقد جاءت نصوص كثيرة تدل على فضل إعانة المسلمين ومساعدتهم والتخفيف عنهم، فعن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "من فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة"، وتفريج الكربة إزالتها. وأي كربة أشد في الدنيا من أن تجد الأسرة المسلمة نفسها بلا مسكن ولا مأوى، هملا في العراء تحت قرصة الشتاء الهالكة، وحرارة الشمس الحارقة، وسموم الرياح اللافحة، وهجمة العواصف الرملية الخانقة، ومضار الحشرات والهوام والدواب وسمومها القاتلة.
وإني أستفتي أهل الفتوى عن إمكانية صرف الزكاة لتوفير المساكن للأسر الفقيرة، فإنها مصدر من مصادر التمويل التي قد تمكن مؤسسات الإسكان الخيري والتنموي من توفير المساكن لأعداد أكبر من الأسر الفقيرة، خصوصاً إذا ما أطلقت مؤسسات الإسكان الخيري برامج منظمة لتلقي الزكاة وجمعها في رمضان، فتأدية الزكاة أصبحت من أعمال الخير التي ارتبط القيام بها لدى كثير من المسلمين بهذا الشهر الكريم.