حليفان في قارب واحد تهدده موجات أمريكية

موجات من القلق تسيطر على نيودلهي وتل أبيب, ففي إطار السخونة التي اتسم بها عهد جورج بوش ووراء ضوضاء المدافع كانت إسرائيل والهند تمارسان غزلا واضحا. لقد نجحت إسرائيل في استقطاب بوش إلى تأييد الهند, فهي عدو أعدائه - إيران وباكستان وبدرجة أخرى العرب. وعندما وصل الرئيس أوباما، اكتشف الحليفان الجديدان أن الأمور لم تعد على مسارها الأول. ذلك أن أوباما أدرك حجم الخسائر التي ستتكبدها أمريكا عندما تنحاز للهند وإسرائيل على حساب معاداة كتلة بشرية ضخمة هي العالم الإسلامي. ويصف الإسرائيليون والهنود موقفهم بأنه مزعج ولكنه مطمئن, فهم يعتقدون أن تصدي أوباما وطلباته الكثيرة التي تصل إلى حد الضغوط ضد البلدين, عملية مؤقتة سرعان ما يخبو لهيبها وأنه سرعان ما ينضم إلى هذا المعسكر الذي يضم ثلاث دول ديمقراطية.
غير أن محللين آخرين يرون أن أوباما ليس بالسهولة أو السذاجة التي يريد البعض إكسابها له. فرغم تأكيده الدور التقليدي لأي رئيس أو إدارة أمريكية بحماية إسرائيل، إلا أنه لم يتوقف عن الضغط على إسرائيل بسبب بناء المستوطنات في الضفة الغربية, فضلا عن أهمية إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وهو الأمر الذي تعمل إسرائيل على إبعاده، بدليل كثرة حديثها واقتراحاتها لعمل دولة واحدة تضم العرب جميعا بعد أن تمنحهم الجنسية الإسرائيلية وبذلك يتساوون مع الإسرائيليين في الحقوق والواجبات ويصبح بوسعهم رفع قضايا ضد الحكومة الإسرائيلية, فضلا عن حصولهم على مزايا اقتصادية.
كما أن أوباما على عكس ما تريده الهند وإسرائيل يفضل التقارب مع إيران, وهو أمر ترفضه الهند لأنه يقلل من فرص حصولها على مزيد من الدعم التقني بحجة أنها إحدى القوى التي يمكن أن تتصدى لإيران, أو بحجة احتمال تعرضها لخطر إيراني، أما إسرائيل فهي بطبيعة الحال تريد إشعال الموقف الأمريكي ضد إيران لأنه يدر عليها التعاطف والدعم ويؤكد مضيها قدما على طريق الهيمنة الكاملة على المنطقة بعد خروج مصر وحياد تركيا وتدمير العراق, ولم يبق أمام طمأنتها على وضعها السيادي المسيطر إلا إنهاء إيران. وهنا بيت القصيد ونقطة الخلاف الكبرى بين إسرائيل وأوباما إلى جانب كثرة حديثه عن القدس العربية، وهو أمر لم يفعله رئيس أمريكي سابق.
ووقعت إسرائيل في محنة مواجهة رئيس أمريكي يميل إلى الضغط عليها. فرغم أنها لم تستجب تماما فيما يتعلق بالمستوطنات إلا أنها اضطرت إلى الإعلان - في خطاب نتنياهو في مركز بيجن - السادات - أنها تقبل فكرة إقامة دولتين. وركزت جهدها في كيفية الالتفاف على الرغبة الأمريكية بإفراغ الدولة الفلسطينية من جميع مقوماتها الاستقلالية، وإقناع أوباما بقبول ابتلاع إسرائيل للقدس. أما الهند فليس لها مشكلة مع العرب ولكنها تتوجع من نمو قوة إيران وباكستان، وكأنما لسان حالها يقول "ألم تكن الصين كافية لتصدير الهموم لنا؟".
ويخشى الهنود من أن نجاح أوباما في تهدئة إيران سيسفر عن تهدئة شرقها (أفغانستان) وغربها (العراق), وكلاهما خاضع للاحتلال الأمريكي الآن, ويصعب على الولايات المتحدة الآن فتح جبهة ثالثة. ويأتي هذا التطور بمثابة صدام مصالح حقيقي بين الولايات المتحدة والتحالف الجديد (الهند - إسرائيل), الذي يرى في أي تغيير اتجاه لواشنطن مساسا بمخططاته، في الوقت الذي تنوي فيه واشنطن معاقبة الهند على دورها المتنامي في التنافس الاقتصادي من خلال هبوطها بمستوى تكلفة السلع والخدمات بما يؤذي الاقتصاد الأمريكي، فضلا عن عدم انضباطها بيئيا وضآلة دورها في التصدي للعملاق الصيني.
فهل يغير ما تم في عهد سلفه؟ أم يظل لعبة في يد إسرائيل تحركه لمصالحها الاستراتيجية؟

هذا ما تجيب عنه الأحداث القادمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي