المحاسبة في المملكة ورياح التغيير (2 من 4)

لقد لعبت هيئة السوق المالية CMA دوراً بارزاً وتاريخياً في تطبيق بعض الحلول القاسية ولكنها قد تكون مفيدة على المستويين المتوسط والطويل. إنها قصة تكررت في أسواق المنطقة، وأثرها في المحاسبة واضح وجلي، فلقد ارتفع مستوى الوعي المالي ''للناس''، وبدأت المؤسسات المالية بعد الترخيص لها، في العمل على استقرار السوق وتحويلها من سوق ''قمار'' إلى سوق استثمار. ولعل من أهم التأثيرات المباشرة هو اعتراف الجميع بأهمية التحليل الأساس Fundamental analysis كمنطلق للاستثمار، وهذا يعني أهمية منتجات المحاسبة المالية ''القوائم المالية''، التي لم تكن ضمن اهتمامات أغلبية العامة.
وهنا ''مربط الفرس''، فإن تنامي أهمية التحليل الأساسي لفت العامة إلى القوائم المالية، وبالتالي أسلوب إعدادها، وبدأ العامة يعون أهمية السياسات المحاسبية وأثرها المباشر في نتائج الشركات, وبالتالي أسعار أسهمها، وأدى هذا إلى ضغط شعبي على المهنيين ومسؤولي الحكومة والشركات إلى مزيد من الإفصاح وتبسيط العرض، وشاركت الصحافة المحلية سواء العامة أو المتخصصة في نقل الآراء إلى هؤلاء المسؤولين، وبدأ هذا الضغط يؤتي أكله، حيث تم في منتصف عام 2007 شطب شركتين مساهمتين من قائمة الإدراج مؤقتاً وذلك نتيجة لتجاوزات محاسبية، ونتيجة لهذه المفاجأة خسر ملاكها مئات الملايين، وألقي اللوم بالدرجة الأولى على مجلسي إدارة الشركتين، وطال المهنة جزء من اللوم؛ كل هذا وذاك أدى إلى حراك شعبي يطالب بأهمية وضرورة الانتباه إلى مهنة المحاسبة والمراجعة لارتباطها باستثمارات العامة والخاصة، ما أدى إلى حراك أكاديمي ومهني لاستقراء مستقبل المهنة.
وكان للمجلس الأعلى للاقتصاد دور مهم في بلورة فكرة الخصخصة في المملكة، بعد إحساس العامة بنجاح تجربة خصخصة الاتصالات السعودية على الخدمة والتكلفة؛ وأعدت برامج طموحة لخصخصة قطاعات متعددة سيكون لها أثر مباشر في سوق المال, وبالتالي تنامي الطلب على منتجات المهنة وزيادة الضغط على تحسين أدائها؛ إضافة إلى أن صدور نظام الاستثمار الأجنبي وتأسيس الهيئة العامة للاستثمار لعب دوراً مهماً في جلب استثمارات ضخمة للمملكة حتى لو أن ضخامتها من حيث الشكل وليس المضمون، وأدى إلى تنامي فكرة مواءمة معايير المحاسبة السعودية مع المعايير الدولية؛ ولا شك أيضاً أن صدور نظام ضريبة الدخل أوضح بشكل جلي أهمية إعداد القوائم المالية على أساس معايير المحاسبة السعودية كما أن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية أسهم بشكل مباشر في تطوير النظم المالية والقانونية ومن بينها النظم المهنية بما في ذلك هذا المحيط الاقتصادي والمهني والحراك الشعبي فلا بد أن بعضاً من رياح التغيير ستهب على المهنة في المملكة والمنطقة .. نكمل في الأسبوع المقبل.. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي