دون سكن والمدمنون مشكلة اجتماعية قادمة
"من دون سكن أو ليس لديه مأوى" هي مشكلة عالمية وتسمى (هوملس) Homeless. وهو جزء من مشكلة محاربة الإرهاب والمخدرات. وتعني الأشخاص الذين يتسكعون في الشوارع من دون مأوى فتجدهم ينامون أو يفترشون قطعة من الكرتون على ناصية الطريق أو منطقة منزوية منه. وهؤلاء هم عينة من المجتمع نراها في معظم المدن الكبرى العالمية سواء في أوروبا أو أمريكا. وغالبيتهم ملوثون عقليا، إما بسبب تعاطي وإدمان المخدرات وإما لأسباب نفسية. وهي إحدى المشكلات القادمة لنا ويجب أن نتحسب لها من الآن. المخدرات والإدمان أصبحت ظاهرة معترف بها الآن، خاصة بعدما بدأنا نرى كميات الحبوب والمخدرات التي يتم كشفها وإحباط محاولة تهريبها.
ضمن الجهود لمحاربة المخدرات تبقى عملية معالجة الإدمان واحتواء المدمنين عاجزة عن تغطية الأعداد الحالية أو المستقبلية للمدمنين، ما يجعلنا نتوقع أن نراهم مهملين في شوارعنا، وهي ظاهرة تحتاج إلى كثير من الاهتمام.
المخدرات والإدمان حرب عصابات وتخطيط دولي ومحلي يجب أن نقضي عليه، ولكن الغريب هو كيف تصادف الكشف الكبير عن المخدرات وتهريب تلك الكميات الرهيبة منه مع الأزمة الاقتصادية التي نمر بها ويمر بها العالم؟ هل هذا تأكيد للنظريات والتجارب العالمية التي تفترض أن الأزمات الاقتصادية والفقر لها علاقة قوية بالإرهاب والعصابات والمخدرات؟ وهل هذا يعني أنه لم يكن هناك تهريب مخدرات بهذه الكميات قبل الأزمة أو قبل الكشف الأخير عن تلك الكميات؟ وما حجم تلك المخدرات؟ وهل هذه الصفقة هي كل العملية أم أنها طعم أو جزء بسيط منها وضعت طعما لتوجيه التركيز عليها والإغفال عن عملية أكبر؟ كل ذلك محتمل وليس لدينا إجابات لذلك.
مشكلاتنا الاجتماعية ليست غريبة على العالم، فهي مشكلات كنا نراها قبل سنوات في الغرب وكنا نستبعد أن نراها في بلدنا. كنا نسمع عن المخدرات ومروجيها في الأفلام العالمية وكلما سافرنا للغرب. وكنا نتمتع برؤية تلك الأفلام ولم نتوقع أن نراها في بلدنا. وكذلك موضوع الذين دون سكن أو لا يجدون سكنا ما زلنا نراهم ولا نتوقع أن نراهم في مدننا ولكن الواقع يحتم علينا أن نتوقع ذلك وأن نتحسب ونخطط لسلبياته وأن نحاول قدر الإمكان تلافيها.
دعونا لا نتغاضى أو نتجاهل ونكابرعن وجود الأزمة لدينا، فقبل سنوات كشفت إحدى الصحف المحلية وبالصور المفزعة عن مجموعة كبيرة تفترش الأرصفة والأسفلت تحت أحد الجسور في محافظة جدة، وجثث مرمية على الأرض وليس حولها أحد! مناظر مفزعة ومشينة يجب أن تحرك فينا وازعا. لقد وصلت الأزمة إلى حد أن معظم مستشفيات معالجة الإدمان اكتظت بهم.
هذه الظاهرة قد تكون نذيرا يؤكد ما سبقتنا إليه تجارب غيرنا بأن نمو المدن فوق طاقاتها أو ما تملكه من مقومات يعد من أكبر وأبرز المشكلات التي تواجه المدن الكبرى في العالم. وهذه الظاهرة معروفة ليست جديدة بل إنها إحدى قواعد علم الاجتماع التي أكدها هبراماس أحد أكبر علماء الاجتماع في ألمانيا منذ أكثر من 200 سنة، نظريته عن المجتمع الصغير عندما يتحول إلى مجتمع كبير وكيف أن الأخلاقيات والضوابط تتغير وتكثر الانعزالية والأمراض الاجتماعية والنفسية حتى تكثر أحداث الانتحار. وينتهي دور كبير القرية والأقارب في حل المشكلات العائلية حتى تصل إلى ما نراه اليوم من الرجوع إلى الشرطة والقضاء حتى أن احترام الشباب للكبار من العائلة ينتهي في المدن.
نحن اليوم نواجه صعوبة في السيطرة على مدننا وتوفير الخدمات اللازمة، فماذا سيكون حالنا بعد التضخم الفاحش الحالي والمستقبلي، والذي نتخوف من تباعاته وخصوصا من ناحية الجريمة، كما أنه ربما يؤدي إلى تفكك المجتمع وكثرة الفساد الاجتماعي وقلة فرص العيش وتفشي البطالة والجريمة إلى حدود لا تمكن من السيطرة على مجريات الأمور، والأمثلة والتجارب على ذلك دولياً كثيرة. الخلاصة التي نأخذها من تجارب الدول التي سبقتنا أن النمو السكاني المتزايد تنمو معه نسب كبيرة من الشواذ الاجتماعية والنفسية والتي تؤدي إلى أمراض نفسية واجتماعية وشذوذ وهوس فكري كثيرة. فلو انتهت أعمال الإرهاب التي نعيشها الآن فإنها جزء لا ينتهي من الأحداث الإرهابية المستقبلية والتي تولدها مشكلات النمو السكاني الكبير فوق طاقة المدينة.
وهذه النظريات قد لا تناسب مجتمعنا وإنما تساعد على تدارك مشكلات النمو وخاصة المخدرات والأمراض النفسية التي ترمي بضحاياها في الطريق. وإننا يجب أن نحارب الإرهاب والمخدرات عن طريق التحكم في النمو قبل أن يخرج الأمر من أيدينا وأن نحاول أن نستفيد ولو بقليل من تاريخ وتجارب المدن التي سبقتنا وتورطت في هذا المجال.
لقد أصبح من الواضح والمؤكد للجميع أن هناك علاقة وثيقة بين تضخم المدن وزيادة معدلات وأنواع الجريمة وانتشار المخدرات وتضاعف أعداد المدمنين والمرضى النفسيين.
قد يكون نمو المدن أحد أهم الأسباب التي تساعد على إيجاد البيئة التي تخدم المروجين فهم يختبئون فيها ودون أن نلاحظهم. والأزمات الاقتصادية هي العامل الآخر الذي يساند ويساعد على تفاقم الظاهرة. والأسباب كثيرة ولكن الأهم أن نتحسب وأن ننظر إلى الموضوع بجدية وحكمة، وأن نراقب نمو الظاهرة بالأرقام والأعداد، وأن نستعين بخبرات من مروا بالتجربة قبلنا وكيف نجحوا في حلها أو ما أسباب فشلهم حتى لا نعيدها.