رمضان على الباب .. من يوقف إسرافنا؟
في كل عام مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، تعيش الأمة الإسلامية بشكل عام والأسر السعودية بشكل خاص، حالة من الاستنفار الاستهلاكي، والإقبال المتزايد على شراء السلع التموينية، وبالذات الغذائية منها بكميات كبيرة خارجة عن المألوف والمعتاد، وكما هو واقع الحال خلال بقية شهور العام.
يكمن سر تهافت الأسر السعودية على شراء السلع الغذائية الاستهلاكية، نتيجة للتخوف من حدوث انفلات في الأسعار ونقص محتمل في الأسواق لسلع غذائية وتموينية معينة، لها علاقة وارتباط وثيق بعادات وتقاليد شهر رمضان الغذائية، كما أن تخوف البعض من استغلال بعض التجار من ذوى النفوس الضعيفة، لموسم شهر رمضان للمغالاة في أسعار بيع السلع التموينية، وبالذات الغذائية منها، يدفع بالمستهلكين إلى شراء كميات كبيرة من تلك السلع، بالشكل الذي يفوق ويتجاوز احتياجاتهم الفعلية إلى حد كبير، الأمر الذي يتسبب في الإخلال بقوى السوق، وبآلية العرض والطلب، وخلق طلب وهمي غير مبرر على السلع، يتسبب بنهاية المطاف في حدوث ارتفاع في مستوى الأسعار.
إن إقبال معظم الأسر السعودية على الشراء المبالغ فيه وغير المدروس وغير المقنن للسلع الاستهلاكية في أغلب الأحيان، وبالذات في شهر رمضان المبارك، يسهم بل يعد السبب الأول والرئيس في ارتفاع أسعار السلع في الأسواق، ولاسيما أن إقبال شراء عدد كبير من المستهلكين لكميات كبيرة من السلع المتماثلة والمتشابهة في آن واحد، يخل وكما أسلفت بقوى وبآليات العرض والطلب في الأسواق، ويدفع بعدد كبير من التجار إلى رفع الأسعار، طالما أن هناك قوة شرائية متوافرة في السوق، وقادرة على امتصاص الارتفاع في الأسعار والشراء بكميات كبيرة.
الباحث الاقتصادي والاجتماعي الأستاذ أحمد البويت، عزا أسباب ارتفاع استهلاك الأسر السعودية وإسرافها في الشراء إلى عدد من الأسباب، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: (1) سوء توظيف الميزة الإيمانية العظيمة (أن النفس لن تموت قبل استيفاء رزقها)، في غير محلها. (2) عدم وجود ثقافة استهلاكية لدى الفرد السعودي، وغياب ثقافة التشجيع على التوفير والادخار. (3) انتشار استخدام بطاقات الائتمان (كرديت كارد) وما تقدمه من تسهيلات في الإنفاق وفي السداد. (4) سهولة الحصول على قروض أو على بضائع بالتقسيط المريح من قبل شركات تخصصت في ذلك. (5) التنوع الهائل في المعروض من البضائع من مختلف أنحاء دول العالم، والذي شجع الفرد على الرغبة في تجربة كل جديد ينزل إلى السوق والعمل على اقتنائه. (6) انتشار الحملات الإعلانية بكثافة قوية، وبالذات الحملات التي تحاول أن تقنع الفرد على أن ما بين يديه قديم وعديم الجدوى والحل فيما تقدمه الدعاية من منتج جديد، مما أسهم بشكل كبير في الاستهلاك غير المبرر. (7) عدم إيمان كثير من الأفراد بثقافة الصيانة وإصلاح التالف وتجديد القديم، حيث إن البعض يفضل شراء سلعة جديدة عوضاً عن صيانة وإصلاح القديم، ولو حتى كان التلف بسيطا ويسيرا. (8) عادة الكرم المتأصلة بين كثير من أفراد المجتمع كموروث شعبي، هذا إضافة إلى حب الظهور والتباهي، مما دفع بالبعض إلى الإنفاق إلى درجة الإسراف. هذه السلوكيات الخاطئة في الإنفاق، التي تتبعها معظم الأسر السعودية، إلى جانب كونها تتسبب في ارتفاع الأسعار، فهي أيضاً تتسبب في تحميل دخل الأسرة بما لا تطيق، ما يجبرها في معظم الأحيان، إلى اللجوء إلى الاقتراض، لتلبية حاجة الإنفاق على متطلبات استهلاكية، عوضاً عن توجيه ذلك الإنفاق للادخار والاستثمار.
وزارة التجارة والصناعة السعودية، قد أعلنت في وقت سابق بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك هذا العام، توافر جميع السلع الغذائية التموينية والاستهلاكية الضرورية بالأسواق، ويقظة واستعدادات جهاز الوزارة للتعامل مع حالات الغش والاستغلال والتحايل في الأسعار، الأمر الذي بدوره ينفي الحاجة تماماً إلى التوجه، نحو الشراء غير المبرر والعشوائي للمواد الغذائية، وتكديسها بالشكل، الذي يتسبب في تلفها وفي إرهاق ميزانية الأسرة - كما أسلفت، وزيادة الأسعار في الأسواق، ولاسيما في ظل وفرة الأصناف وتعددية البدائل، كما أن توجه الوزارة في المستقبل القريب وعزمها، وفقما تناقلته عدد من وسائل الإعلام المحلي المقروء، إطلاق مؤشر للسلع خلال الفترة المقبلة يشمل السلع التموينية الأساسية في جميع الأسواق التجارية في عدد من مدن المملكة ومحافظاتها (28 منطقة ومحافظة)، سيسهم إلى حد كبير في الرفع من الثقافة والوعي الاستهلاكي لدى المستهلك السعودي، وبالذات المرتبط بالمفاضلة بين البدائل المتاحة من السلع، ومقارنتها بالأسعار المتوافرة، ولكن على الرغم من هذه الجهود، التي تبذلها وزارة التجارة والصناعة، بما في ذلك الجهود المماثلة المتوقع لها أن تبذل من قبل الجمعية السعودية لحماية المستهلك، إلا أنه لا يزال العبء في المحافظة على مستوى أسعار معقول ومقبول بالأسواق، يبقى على المواطن المستهلك للسلع التي تباع بالأسواق، من خلال ترشيد الاستهلاك والاختيار والمفاضلة المثلى بين البدائل المتاحة من السلع والأسعار، بما في ذلك اتباع سياسة ونهج شراء، يعتمد إلى حد كبير على إشباع الحاجات الضرورية بالشكل المعقول والمقبول، بعيداً عن المغالاة والتجاوزات غير المبررة، كما أن الدور في الرفع من وعي المستهلك للسلع والخدمات، يقع كذلك على علمائنا الأفاضل وخطباء المساجد والمدرسين والمدارس، بما في ذلك وسائل الإعلام، من خلال توجيه أفراد المجتمع باستمرار نحو ترشيد الإنفاق وتوضيح خطورة الإسراف على الفرد والأسرة والوطن والاقتصاد، والله من وراء القصد.