الصراع لاكتساب الموهوبين وتميز المؤسسات السعودية
واقع العمل لم يعد كما كان في الماضي ولن يكون كما هو عليه الآن في المستقبل، فتحديات العولمة، وتسارع التقنية، والانفجار المعرفي والمعلوماتي وتنامي رغبات وتوقعات الزبائن تدفع بالمنافسة إلى آفاق جديدة تتجاوز تحسين عوامل التسويق التقليدية المعروفة بـ (4Ps)، المتمثلة في المنتج والسعر والترويج والمكان وتجعل المؤسسات الربحية في بحث دائم عن عوامل تحسين الفاعلية والاستثمار الأمثل للموارد. وهذه التحديات ليست عابرة ليتم التعامل معها بصفة مؤقتة أنها النمط الذي سيكون عليه مجتمع الأعمال، بل إنها ستتشكل وتتمثل بصور مختلفة حسب طبيعة العمل وظروفه المحيطة.
لا شك أن هذه الحقيقة بادية للعيان وكل رجال الأعمال فاطنون لها ولا يقلقهم قدرة مديريهم التنفيذيين على فهمها. ولكن ما يمثل هاجساً لهم هو القدرة على التعامل معها بصورة فعالة. فلو سلمنا بأنه من البديهي أن يتم التعامل مع التحديات بتحليل مصدرها وتوظيف الموارد المالية والمادية للعناية بها ضمن تكاليف معقولة. هذا الاستنتاج سيصطدم بحقيقة تنامي وتمثل المعضلة العظمى، وهي القدرة على تأهيل وتوظيف وإبقاء المواهب البشرية القادرة على وضع الخطط والحلول لمواجهة التحديات وتحقيق الأهداف.
إن مؤسسات الأعمال تواجه واقعا غير تقليدي في سعيها لاكتساب المواهب القادرة والمحققة لتطلعاتها أشبه ما يكون بمعركة تستخدم فيها جميع الأسلحة الممكنة. هذه المعركة المتعددة الأطراف والدائمة الوطيس هي لاكتساب نصر محدد ودائم يتمثل في القدرة على استقطاب المواهب المتميزة والحفاظ عليها من التسرب. ولا يملك من دخل هذه المعركة أن ينسحب بسلام إلا أن يرضى بالهزيمة التي ستقود عاجلاً أو آجلاً لفنائه كممارس للعمل الربحي.
هذه المعركة الافتراضية لها متطلبات لتحقيق النصر فيها تتمثل في تغيير جذري في كثير من المفاهيم التقليدية عن العمل والعلاقة بين الموظف وصاحب العمل والقيم التي تحكم تلك العلاقة، وتستلزم استخدام أدوات جديدة في استقطاب وتوظيف وإبقاء الموظفين المتميزين والخلاص من متواضعي الأداء. وهذه المعركة ستتطلب قدرة عالية على المناورة وعلى تقديم التضحيات بالمكتسبات القديمة سعياً لمكتسبات جديدة أكبر وأجدى، فالمواهب الجديدة المنشود النصر من اكتسابها متطلبة وطموحاتها كبيرة وواعية لمساهماتها في العملية الربحية عالي، ولا بد من إرضائها بعوائد مجزية ومنافع متعددة تتجاوز ما هو معتاد وسار.
العالم يضيق كل يوم على المؤسسات التي تعتمد على الميزات الاحتكارية والحماية الحكومية وعليها أن تتغير لتحقق تميزاً حقيقي نابعا من قدرتها على المنافسة بما يتحقق لها من قدرات ذاتية، وهنا أعني الشركات التي تحتفل كل يوم بما تحصل عليه من منح وامتيازات وحماية وهي تلك التي تمتلك الدولة فيها نصيباً مؤثراً وتفترض أن تلك الملكية العامة بها تحميها من الزوال وتحقق لها قدراً من البقاء، ومع القناعة أن كثيرا من تلك الشركات تحقق القدر الأدنى من النجاح اعتماداً على ما تجنيه من تلك الميزات فلا بد أن يدرك القائمون عليها أن ذلك غير كاف، وأنها مطالبة بالتجديد في بنيتها الهيكلية وأن المديرين الذين يحتلون مناصب القيادة منذ عشرات السنين لا بد أن يتجدد فيهم حس المنافسة أو يتركوا تلك المواقع للقدرات الشابة والقادرة على تحقيق التميز التنافسي.
إن المؤسسات السعودية بمجملها مطالبة بنبذ الاعتمادية على المميزات الخارجية لكياناتها التي تكون في صورة منح وإعانات وحماية وأن تبدأ في بناء اعتمادية حقيقة نابعة من ذاتها ومن قدرتها على الإبداع والمنافسة النوعية والسعرية لمنتجاتها، ولا شك أن ذلك سيكون اعتماداً على قدرتها في اختيار وتطوير وإرضاء مواردها البشرية، التي يحلو لصديقي الأستاذ صلاح الزامل تسميتها برأس المال البشري.