المحاسبة ورياح التغيير (1 من 4)
لا يمكن للفاحص إلا أن يلاحظ أن المنطقة شهدت خلال العقود الثلاثة الماضية، تحولات اقتصادية هائلة نتيجة تضاعف أسعار النفط مرات عدة، مما ولد معه تدفقات نقدية هائلة لاقتصادات المنطقة، سواء كانت مباشرة لدول النفط أو غير مباشرة للدول الأخرى، وأدى ذلك إلى ارتفاع الدخل القومي ومتوسط الدخل للأفراد معاً، ولو لم تكن المعادلة عادلة، ولقد أدى ذلك إلى أن جزءاً من هذه التدفقات النقدية توجه بشكل طبيعي إلى الاستثمار، وذلك عن طريقين فقط، هما العقار وسوق المال، مما كان له أثر كبير في زيادة هائلة في أعداد المستثمرين أفرادا ومؤسسات مالية، حيث تجاوز عدد المحافظ المسجلة في البنوك السعودية أربعة ملايين محفظة عام 2006، في حين لم يتجاوز 200 ألف محفظة عام 2003، وتدافع «الناس» وأقصد بهذه الكلمة العامة، على استغلال هذه الفرص، مما أدى إلى تضخم هائل في أسعار أسهم الشركات المساهمة في الأسواق المالية في ظل عدم وجود هيكلية نظامية وقوة لتطبيق الأنظمة، وأضحى السوق المالي الشغل الشاغل للصغير والكبير، حيث تجاوز مؤشر السوق المالي السعودي أكثر من 20 ألف نقطة في بداية عام 2006، مقارنة بنحو ثلاثة آلاف نقطة بداية الألفية، واستغل السوق من قبل قلة، سواءً كان من خلال المعلومات الداخلية Inside Information أو من خلال التداولات غير المشروعة Inside Trading، واستيقظ «الناس» في منتصف شباط (فبراير) 2006 على الحقيقة، التي تكمن في أن سعر سهم أي شركة لا بد أن يكون عاكساً لأدائها، وليس فقط لأسعار المضاربة فيها، ومما زاد المشكلة تعقيداً، الأزمة المالية العالمية الحالية (2008)، التي عادت معها أسعار النفط إلى الانخفاض إلى نحو 40 دولاراً، فانهارت الأسواق، وانهارت معها استثمارات «الناس» وتراجع مؤشر الأسهم المحلية إلى ثلث نقاطه بحلول عام 2007، وهوى بالمؤشر إلى مستوى أربعة آلاف نقطة في نهاية 2008، وتعقدت وتشابكت المصالح، ومما زاد المشكلة تعقيداً أن الأغلبية تحت مظلة الإغراء المالي، لم يكتفوا باستثمار مدخراتهم فقط، بل تجاوزوها أضعافاً مضاعفة عن طريق الاقتراض المباشر من البنوك؛ وتدخلت الحكومة مرات عدة لمحاولة معالجة الأمر، ولكن مع الأسف بعد فوات الأوان. نكمل في المقال المقبل والله أعلم.