الصين تحتاج إلى سيادة قانون حقيقية

في الشهر الماضي، بعد اعتقال المواطن الأسترالي ستيرن هو، كبير مفاوضي ريو تنتو Rio Tinto في شنغهاي، وثلاثة موظفين آخرين من ريو، دافع المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية عن التصرف قائلاً: إن هناك ''دليلاً راسخاً يثبت أن ''هو'' جمع وسرق أسرارا حكومية'' بينما أكد في الوقت ذاته أن الصين بلد يخضع لسيادة القانون''.
وكان جلياً أن المتحدث باسم الحكومة لم يكن لديه أي ندم أو وخز ضمير بالإعلان بأن ''هو'' مذنب حتى قبل إجراء محاكمة ولكنه أعلن في العبارة التالية بأن البلد المكان الذي تطبق فيه سيادة القانون.
وما تملكه الصين اليوم ليس سيادة القانون بل الحكم بالقانون، مع استخدام الحكومة للقانون انتقائياً، كأداة ضد مواطنيها مع عدم الحاجة إلى التصرف قانونياً.
وربما كان هذا هو السبب الذي جعل الحكومة الصينية تنظر بعداء إلى حفنة محامي الحقوق في البلاد الذين يجرؤون على تولي قضايا حساسة سياسياً ويحاولون ضمان أن تكون الحكومة نفسها خاضعة للقانون، وبمنطق سليم فإنهم الأشخاص الذين يدعمون سيادة القانون فعلاً.
وبسبب جهودهم الرامية إلى ضمان أن تسود سيادة القانون، فقد تعرضوا للتهديد والاختطاف والضرب والسجن والشطب من قائمة المحامين.
وفي العام الماضي بعد أن شنت الحكومة حملة شرسة على المتظاهرين في التيبت، فإن المحامين الذين عرضوا مساعدة قانونية للمتهمين تم تأنيبهم وتهديدهم، وبعد انتشار فضيحة الحليب الملوث، تم تحذير المحامين بعدم تمثيل آباء الأطفال الذين مرضوا بسبب وجود الميلامين في حليب الأطفال.
ومورس الضغط على شركات القانون التي تستخدم محامي حقوق الإنسان حتى تفشل المحامين في تقييمها السنوي، وإذا لم تخضع شركة القانون للضغط فإن الشركة نفسها تتعرض لخطر إغلاقها.
وفي كل سنة يجب على جميع المحامين أن ينجحوا في المراجعة قبل تجديد رخصهم من قبل السلطات القضائية في البلدية، ويمكن للحكومة أن تجري هذا المتطلب الإجرائي دون معرفة المحامين وتستخدم لشطب المحامين الذين لا تعجبها تصرفاتهم.
وهذا ما حدث في العام الماضي مع تنج بياو، وهو محام بارز لحقوق الإنسان سابقاً، فقد اختطف واستجوب وهدد من قبل الشرطة لمدة يومين، ولأنه رفض إصلاح طرقه، سحبت رخصة مزاولته للقانون.
وفي هذه السنة، سحبت رخص أكثر من دزينة من المحامين الذين عرف عنهم أنهم أخذوا قضايا حساسة في أكبر حملة شرسة ضد المحامين النشطاء، وهذه ضربة كبيرة لحركة الحقوق مع النظر إلى أن بضع دزينات فقط من الـ 140 ألف محام في البلاد يجرؤون على تولي قضايا سياسية حساسة.
وجاءت آخر ضربة قبل بضعة أيام فقط، حين احتجزت الشرطة محامي حقوق إنسان بارز، وهو أكسو جيونج، في غارة قامت بها عند الفجر، وبعد أقل من أسبوعين من إغلاق مركز قانوني ساعد على تأسيسه، مبادرة الدستور المفتوح أو Gongmeng.
إن كيفية قدرة محامي الحقوق على العمل تم توضيحها في مقالة كتبها تنج بياو في صحيفة ''واشنطن بوست'' يوم 27 تموز (يوليو) وكتب أن الحكومة الصينية تحتاج ''لأسباب الهيبة في الداخل والخارج أن تتظاهر بأنها تتقيد بالقانون بشكل صارم''، وبينما ما زال المسؤولون ''ينتهكون القانون وخصوصاً في القضايا السياسية ''فإن عليهم دائماً'' أن يدعوا'' أن ما يفعلونه هو ''وفق القانون لأن شرعيتهم تعتمد عليه''.
وأوضح أن هذا الاختلاف بين الممارسة والادعاء هو ما يعطي مجالاً أمام محامي الحقوق، ''عندما نعتمد على سيادة القانون ونكون علنيين إزاءه، فإننا على الأقل نحرج المسؤولين الحكوميين بسبب أعمالهم غير القانونية ونفاقهم والإحراج في بعض الأحيان يكبل أيديهم''.
ومن الواضح أن الحكومة سئمت من إحراجها علانية، وهي تشن حملة شرسة ضد المحامين، وتحاول ألا تترك أي مجال أمامهم يعملون فيه. لكن هذا توجه قصير النظر، وعلى الحكومة الصينية أن تدرك أن محامي الحقوق مصدر قوة هائلاً، فهم أناس موهوبون ومثاليون لا يحاولون أن يثروا أنفسهم بل يكرسون حياتهم لمساعدة الصين وشعبها.وعلى الحكومة الصينية أن ترحب بمراقبة عامة لتصرفاتها، وإذا كانت الصين تلتزم فعلاً بسيادة القانون، فيجب ألا يكون هناك أي خوف من المحامين النشطاء الذين يصوبون المظالم ويعطون الأمل لليائسين.
وإذا كانت الصين بلد القوانين، فإن على القانون عندئذ أن يكون قادراً على حل مشكلات الناس، وإذا استغلت الحكومة النظام القانوني حتى لا يكون للناس الذين يحملون المظالم أي مجال للتصدي لذلك فإن هذه وصفة للمتاعب، وما تحتاج إليه الصين هو سيادة قانون فعلية''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي