علاج مشكلات «العربية» بالإنترنت!
واقع اللغة العربية أنها لغة بطيئة التطور، لا تساير ثورة المعلومات ولا تقدم مفردات جديدة، وأن العرب لم يستطيعوا في العقود الأخيرة إحياء آلاف المفردات المدفونة في معاجمهم وأنهم يستخدمون لهجاتهم بدلا من العربية، وهي لهجات تنطق ولا تكتب، وليس لها قواعد ولا نظام لغوي ولا تاريخ، ما يجعلها شبيهة باللغات البدائية، في حين أن العربية الصحيحة تكتب ولا تستخدم في الكلام, ما يجعلها أشبه باللغة اللاتينية لمن يتقنها.
هذا الوضع مؤشر في غاية الخطورة، لأن اللغة هي ديوان ثقافة الشعوب، والأمة التي لا تملك ثقافة لغوية، فهي في الغالب تملك ثقافة متخلفة، فضلا عن كون العربية هي لغة القرآن، حيث لا يمكن التفاعل مع عظمة المعاني القرآنية دون أن تكون العربية جزءا من طريقة تفكيرنا وحياتنا، وفضلا عن كون العربية هي تاريخنا وهي لغة كل الكتب التي خلفها العرب عبر قرون طويلة من الحضارة.
هذا المقال ليس للحديث عن اللغة العربية وأهميتها ووضعها شديد السوء حاليا، فقد كتب في ذلك كثيرا، حتى أصبح الأمر شبيها بالمسلمات. أنا هنا أريد أن أقترح فكرة تقوم على الاستفادة من إمكانات الإنترنت لمحاولة علاج هذا الواقع المر.
في السابق كانت مجامع اللغة العربية في دمشق والقاهرة وبغداد وبيروت والأردن والرباط وغيرها تسعى إلى علاج المشكلة، ولما توقف دور هذه المجامع كمؤسسات حيوية، صارت المشكلة تكبر وتتضخم مع ازدياد الحاجة إلى المفردات والمشتقات الجديدة، ومع هجوم اللغة الإنجليزية على ثقافتنا بسبب العولمة وثورة المعلومات. في رأيي الحل قد يأتي من خلال تأسيس ''مجمع إلكتروني للغة العربية'' بحيث يتم بناء منصة إلكترونية يشارك فيها عدد كبير من علماء اللغة العربية وأساتذتها يعمل كل منهم أيا كان جغرافيا من خلال الدخول لهذه المنصة ومحاولة تقديم ترجمات لأحد آلاف الكلمات الجديدة التي تبحث عن تعريب صحيح لها. يناقش أعضاء المجمع الإلكتروني الكلمات إلى أن يتم اختيار عدة بدائل صحيحة، يصوت عليها أعضاء المجمع، كما يصوت الجمهور حتى تكون الكلمة متوافقة مع الذوق العام ومع الأذن العربية الشعبية وليس الأذن الأكاديمية (وهذا ما سيكفل بالطبع استخدام الكلمات الجديدة وانتشارها بسرعة). هذا الأمر من شأنه أيضا إحياء استخدام كثير من الكلمات المدفونة في معاجم اللغة العربية من خلال إيجاد دلالات جديدة لها، ومن خلال تطوير اشتقاقاتها، كما من شأنه فتح المجال لكل عشاق العربية للعمل من خلال نقطة تجمع واحدة على تطويرها وعلاج مشكلاتها، ومن شأنه أخيرا إيجاد موقع واحد للبحث فيه عن معاني ودلالات الكلمات الجديدة وترجمات الكلمات الإنجليزية العديدة التي لا توجد لها ترجمة شائعة ويضطر الناس إلى استخدام الكلمات الإنجليزية في كلامهم وكتابتهم.
هذا الموقع يمكن أن يتضمن أيضا شبكة اجتماعية مرتبطة به لكل طلاب الجامعات والمدارس ومدرسي اللغة العربية وكل الغيورين عليها للنقاش حول اللغة العربية وقضاياها وتدريسها وقواعدها وخير الطرق لإحيائها وتطويرها في المجتمعات العربية المحلية.
لقد أردت دوما أن أقوم بهذا المشروع، وأنا أضعه اليوم على الطاولة متاحا لأي شخص يريد التقاط الفكرة وبلورتها بالاتفاق مع علماء اللغة العربية وأكاديمييها، ولكن حتى تنجح هذه الفكرة يجب أن يلتزم تطبيقها بقواعد الإنترنت، فيجب أن تكون مفتوحة وغير مغلقة، من خلال بيئة تقنية سهلة الاستخدام والتعامل معها من قبل الجمهور بكل فئاته، ويجب أن تتيح للناس أن يقولوا رأيهم بكل وضوح وحرية، وأن تكون هناك شفافية في القرارات، وأن يكون الهدف فقط نصرة العربية وتطويرها بسرعة، دون أن يرتبط الأمر بأي مصالح سياسية أو أجندة شخصية.
لقد سددت شبكة الإنترنت الضربة القاضية لكثير من اللغات الضعيفة وأعطت السيطرة للغة الإنجليزية، وهذا واقع بدأ يجد نفسه من خلال اللغة العربية، حيث أصبح من الصعب جدا التعامل مع الإنترنت وركوب أمواجه دون تعلم اللغة الإنجليزية.
لعلنا يوما نتحدث العربية!