رمضان على الأبواب .. من يحمي المستهلك من الاستغلال؟
كل من يرتاد الأسواق المحلية, وبخاصة أسواق المواد الغذائية, سيلحظ أنها نشطت, منذ بداية شهر شعبان الحالي, في إخراج مخزونها من المواد الغذائية والمشروبات التي تدعي ارتباطها بذائقة المستهلك في شهر رمضان, وتعمدت تلك الأسواق أن تركز على عرض تلك المواد في كتل تسد منافذ السوق وتجبر المستهلك على الاصطدام بها, أو الدوران حولها, والانقياد لرغبة الأسواق في تشكيل ذائقته, حتى إن لم يكن لديه رغبة في الشراء!.., ويجدها أغلب التجار فرصة, لا تأتي إلا مرة في العام, لتصريف مخزونهم من المواد الراكدة, أو قليلة التصريف, أو التي على وشك انتهاء الصلاحية!..., بل إن هناك من يدس بينها مواد منتهية, زمنا أو حكما, بسبب سوء التخزين والتهوية!..
ورغم وجود النظرية الاقتصادية التي تربط بين خفض الأسعار وزيادة المبيعات, إلا أن الملاحظ أن موسم رمضان يشهد دائما زيادة في الأسعار, وكأن هناك اتفاقا غير معلن بين المستورد وتاجر التجزئة على هذا, حتى الذين يباشرون تسويق منتجاتهم بأنفسهم, دون وسيط, مثل العمالة التي تسيطر على الإنتاج الزراعي, يجدونها فرصة لمضاعفة الأسعار, وليس رفعها فقط, متصورين أن الناس لا يستعملون الخضار إلا في رمضان!.., لكن هذه هي الحال, الكل يلهث وراء فرص استغلال المستهلك, مثل فرصة قدوم شهر رمضان!..
في وقت مضى عند بداية ارتفاع الأسعار غير العقلاني, قبل نحو السنتين, وجدنا من يطمئننا بأن الارتفاع مؤقت, وأن مؤشر الأسعار سيبدأ النزول تدريجيا, وقد حصل فعلا أن بورصات المواد الغذائية الرئيسة انخفضت في العالم, وفي دول الجوار من حولنا, أما لدينا فلم يجد المستهلك أن ثمة خفضا بيّنا قد حصل!.., وقد ظلت معظم المواد المهمة متمسكة بأسعارها المرتفعة رغم تدخل الدولة لإعانة بعضها بصورة مباشرة أو غير مباشرة, فالرز على سبيل المثال, ما زال سعره يراوح حول السبعة ريالات للكيلو للأنواع الجيدة, واللحوم الجيدة لا يحصل عليها المستهلك بأقل من 45 ريالا, أما الأجبان, ومعظمها إنتاج محلي, فبلغت الزيادة في الأصناف الجيدة منها 100 في المائة, وهي أسعار مرتفعة, بكل المقاييس, مقارنة بما حولنا, وقس على هذا بقية المواد الرئيسة, كمشتقات القهوة والشاي والفواكه والزيوت والمكرونة!.., وكثيرا ما نسمع ونقرأ أن أسعار هذه المواد قد انخفضت في مصادرها, وعما قريب يصلنا التخفيض, لكن لا نرى شيئا!..
والغريب أنه في ظل هذا الجشع والتصاعد المستمر للأسعار, نجد أن هناك مواد لم ترتفع أسعارها منذ عقود, حتى عندما بلغ المؤشر الخاص بالتضخم ذروته, تلكم هي المشروبات الغازية, سواء المنتجة محليا أو المستوردة, وكذلك السجاير, والوجبات السريعة!.., فكيف حافظت هذه المواد على أسعارها الثابتة التي لا نجدها في أي مكان في العالم؟ فالمياه الغازية ثابتة عند سعر ريال واحد, والسجاير عند أربعة ريالات, والوجبات السريعة تضغطها حرب ضروس بين منتجيها, بينما أسعار هذه المواد في بلدان أخرى تصل إلى الضعف, ورغم أن هذا لا ينبغي أن يكون مصدرا للغبطة والارتياح, فإن المتأمل لا يجهد نفسه في معرفة الأسباب, وأولها أن هذه المواد مضرة بالصحة العامة, ومعظم الدول الواعية فرضت عليها ضرائب للحد من زيادة استهلاكها, كما فرضت قيودا على بيعها واستعمالها, كما هي الحال بالنسبة للسجاير, بعد أن اكتشفت أن أمراضا معينة, كالتي تصيب الشباب, منسوبة إلى الإدمان على تلك المواد, ومثل تلك الضرائب عادة توجه للصرف على علاج تلك الأمراض, ولا أرى ما يمنع أن نحذو حذو تلك الدول من أجل حماية صحة الناس!..., والسبب الآخر في انخفاض أسعارها هو الحرب الدائرة بين منتجيها ومستورديها للحفاظ على حصة كل نوع منها في السوق!.., وكأن صحة الناس رهينة في أيديهم يتلاعبون بها كيف يشاؤون, على مسمع ومرأى من الجهات المسؤولة عن غذاء الناس وصحتهم!..
شيء مهم هو أن البلدان المجاورة, ومنها الخليجية, اعتمدت نظام الجمعيات التعاونية في الأحياء, التي يسهم فيها السكان, موردا وإدارة ومراقبة, وهي أداة ناجحة لوصول البضائع إلى المستهلك بأسعار معتدلة, رغم تحقيقها الأرباح, وهي تعد آلية ناجحة أيضا, في يد الدولة, لمواجهة جشع التجار, فإما أن يهجر بضائعهم المستهلك وإما أن يبيعوا قريبا مما تبيع به الجمعيات, وتكون النتيجة, في النهاية, أن الكل يربح والمستهلك مطمئن إلى عدم التغرير به واستغلاله!..
وبما أن الشيء بالشيء يذكر, كما يقال, فقد ولدت لدينا بدايات لهذا النوع من المشاركة في الاستثمار لخدمة الجميع, قبل أكثر من أربعة عقود, عندما أنشئت جمعية تعاونية لموظفي الدولة في الرياض بدعوة ورعاية من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك, وسارع الموظفون إلى المساهمة فيها بأموالهم وجهودهم, وافتتحت لها فروعا في بعض الأحياء, بيد أن سوء الإدارة سرعان ما أطاح بها, وتبخرت بذلك, على يد جهة حكومية, أموال المساهمين الذين ما زال بعضهم يحتفظ بسندات مساهمتهم, ورغم أن هذه التجربة الفاشلة أصلت العزوف عن الإقدام على تكرارها, فإنني لا أجد ما يمنع بعث الفكرة مجددا, بل الإقدام عليها, بعد أن أعطت الدولة الضوء الأخضر لذلك بإنشاء وكالة لحماية المستهلك ضمن وزارة التجارة والصناعة, وسمحت بقيام جمعية أهلية لحماية المستهلك, فالظروف الحالية تعد مواتية لقيام هذه الجمعيات في كل مدينة ومحافظة, مثل تأييد الدولة ودعمها الفكرة, وافتقار الناس إلى وسيلة استثمارية تحتضن مدخراتهم وتحافظ عليها, فضلا عن نمو مستوى الوعي الاجتماعي التعاوني, وتقدم الوسائل التقنية التي تساعد على ضبط الموارد المالية!..
وإذاً فالأمل معلق على مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك ورئيسه, في أن يتبنى الفكرة ويعدلها, وسيجد من يقف معه, سواء من جانب الدولة أو المجتمع.
لكن يأتي قبل هذا الأمل في أن تنتبه الجمعية وتُنبّه, قبل حلول شهر رمضان, إلى عدم استغلال المناسبة في زيادة الأسعار أو في تصريف بضائع لم يتم تصريفها أثناء العام, مع تكثيف الرقابة على الأسواق, والإعلان في بيانات واضحة بأن يكون الناس متعاونين معها في الإبلاغ عن أي ملاحظات, مؤكدا في النهاية أن المستهلك يريد أن يرى أثرا لوجود الجمعية هذا العام, يجسد آمال الدولة, وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين في حماية المواطن والمقيم من الاستغلال, وكثير منهم يتطلع إلى أن يكون عونا للجمعية على إتمام رسالتها ولا يجد عذرا للتقصير وهو يجند نفسه للوقوف معها ولسان حاله يردد:
ولم أر في عيوب الناس شيئا
كنقص القادرين على التمام
والله من وراء القصد.