الاختصاص القضائي في قضايا الأوراق المالية

تناولنا في مقال سابق القانون الواجب التطبيق على الأوراق المالية، وأوضحنا بإيجاز آراء فقهاء القانون الدولي الخاص في هذا الشأن. ونتناول في عجالة، في هذا المقال الاختصاص القضائي بخصوص المنازعات المتعلقة بالأوراق المالية سواء تتعلق بالبيع والتداول أو بأي حق يتصل بها.
القاعدة العامة أن الاختصاص في المنازعات المتعلقة بالأوراق المالية ينعقد لقضاء الدولة التي تنتمي إليها الجهة التي أصدرت هذه الأوراق إن كانت هذه الجهة طرفا في هذا النزاع أو الخلاف.
أما إذا كان الخلاف ناشئا بين المتداولين لهذه الأوراق، فإن الاختصاص يكون لقضاء الدولة التي تقع في إقليمها السوق المالية التي جرت من خلالها عمليات التداول. ما لم يكن أطراف النزاع قد اتفقوا في العقد على اختصاص دولة أخرى.
أما القضايا المتعلقة بالممارسات غير المشروعة في مجال بيع وشراء الأوراق المالية والمعاقب عليها جزائيا، فإنها تكون من اختصاص قضاء الدولة التي وقعت في إقليمها هذه الممارسات غير المشروعة. وفي السعودية نشأت بموجب نظام السوق المالية لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي تختص بالنظر والفصل في المخالفات والمنازعات المتعلقة بالأوراق المالية.
بيد أن تحديد الاختصاص القضائي في بعض الأحوال قد يكتنفه بعض التعقيد بسبب طبيعة بعض الأوراق المالية. ففي تقرير نشرته جريدة "الاقتصادية" في عددها الصادر بتاريخ 19/7/1430هـ الموافق 12/7/2009، أشير إلى بعض المشكلات القانونية التي تحيط بالصكوك (الخليجية) المتعثرة والتي تمت هيكلتها طبقا لأحكام القانون الإنجليزي وأصدرتها شركات مؤسسة في أقاليم (الأوفشور) التابعة لبريطانيا، مثل جزر الكايمان ولكن أصول تلك الصكوك أو السندات موجودة في الدول الخليجية، وأثير في التقرير تساؤل: هل يلجأ الخليجيون في حالة الدعاوى القضائية للمحاكم الإنجليزية أم الخليجية؟ وأشار التقرير إلى رأى أحد المحامين في مكتب محاماة في بريطانيا بأنه إذا كانت الأصول ذات الصلة بالصك هي عبارة عن عقار، فمن الأرجح أن يكون الاختصاص القضائي للمحاكم المحلية.
والواقع أن هذه المسألة تحتاج إلى بعض التفصيل، ففي البداية لا بد من الإشارة إلى أن ما أسماه التقرير (صكوك خليجية) هي في الواقع ليست خليجية من الناحية القانونية، لأن الشركة المصدرة لها لا تنتمي بجنسيتها إلى إحدى دول الخليج، وإنما تنتمي إلى الدولة التي أسست فيها طبقا لقانونها. فالشركة تكتسب جنسية الدولة التي أسست فيها وأقامت في إقليمها مركزها الرئيسي, بصرف النظر عن جنسية المساهمين في رأسمالها. وبناء على ذلك فإن الخلاف الذي قد ينشأ بين هذه الجهة التي أصدرت هذه الصكوك والحائزين على هذه الصكوك، ينعقد الاختصاص بشأنه للقضاء البريطاني، لأن الجهات المصدرة لهذه الصكوك تحمل الجنسية البريطانية. ولذلك كان من المنطقي أن تنص هذه الصكوك على أن المحاكم البريطانية هي المختصة بالفصل في المنازعات الناشئة عنها.
أما إذا كان النزاع يتعلق بأصول تلك الصكوك التي توجد في إقليم دولة أخرى، فإن القاعدة المستقرة في فقه وتشريعات القانون الدولي الخاص أن محكمة موقع المال هي المختصة، وسواء كانت هذه الأموال منقولات مادية أو عقارات. وقد أخذ نظام المرافعات الشرعية السعودي بهذه القاعدة، حيث نصت المادة (124) بأن (تختص محاكم المملكة بنظر الدعاوى التي ترفع على السعودي، ولو لم يكن له محل إقامة عام أو مختار في المملكة، فيما عدا الدعوى العينية المتعلقة بعقار واقع خارج المملكة). وطبقا للفقرة (1) من المادة (126) من النظام المذكور تختص محاكم المملكة بنظر الدعاوى التي ترفع على غير السعودي الذي ليس له محل إقامة عام أو مختار في المملكة إذا كانت الدعوى متعلقة بمال موجود في المملكة.
وتقوم قاعدة اختصاص محكمة موقع المال على أساس مبدأ (الإقليمية)، فوجود المال سواء كان عقارا أو منقولا في إقليم الدولة يبرر انعقاد اختصاص محاكمها بالنظر والفصل في المنازعات المتعلقة بهذا المال باعتبارها أكثر ملاءمة من غيرها للنظر والفصل فيها، فضلا عن توافر قدر من السلطة والسيطرة الفعلية للدولة عليه وأن الحكم الذي تصدره محكمة موقع المال يكون قابلا للتنفيذ، بعكس الحال لو صدر الحكم من محكمة أجنبية بعيدة عنه.
وترتيبا على ما سبق يمكن القول إن العقارات الداخلة ضمن أصول الصكوك المذكورة آنفا يكون الاختصاص القضائي بشأن المنازعات المتعلقة بها لمحاكم الدولة التي توجد فيها هذه العقارات دون غيرها من محاكم الدول الأخرى ذات الصلة بهذه المنازعات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي