التغيير .. إدارة أم إرادة؟
قال تعالى في الآية (170) من سورة البقرة (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)، تلقي الآية الكريمة الضوء على جانب مهم من جوانب النفس البشرية في عصور خلت، وهو أن الناس ميالون بطبعهم للاستقرار ويخافون التغيير ويحاولون تحاشيه، ومن ثم يتمسكون بالمألوف من القيم والعادات وأنماط السلوك حتى ولو كانت بالية وغير صالحة. وحيث إن دستورنا الخالد صالح لكل زمان ومكان، فلا عجب أن نشاهد أيضاً في أيامنا هذه في بيئة العمل بعضاً من الأشخاص الذين يتمسكون بالقديم من المفاهيم والممارسات الإدارية السائدة، ويرفضون التغيير بجميع أشكاله ومبرراته. وذلك لأسباب أولها: ما يحمله هؤلاء الأشخاص من مفاهيم خاطئة واتجاهات سلبية نحو التغيير، مثل الاعتقاد بأن تطوير أساليب وإجراءات العمل غير مبرر، طالما أن الأساليب والإجراءات القديمة كانت ناجحة وفعالة فيما مضى، وثانيها: الاعتقاد بأن تغيير وتطوير أساليب العمل من خلال التدريب وإعادة التأهيل يتطلبان مجهوداً ذهنياً وجسمياً ونفسياً إضافياً، وأخيراً النظر إلى رغبة القيادة الجديدة أو القديمة في تغيير وتطوير طرق أداء العمل على أنه تشكيك من جانب الإدارة في كفاءة العاملين واستهانة بخبرتهم المكتسبة من العمل. وما من شك أن هذه الاتجاهات والمفاهيم الخاطئة تؤثر في أداء الموظف وأداء قيادته الجديدة وفي إنتاجية المنشأة بشكل عام.
قصدت الحديث عن إدارة التغيير في مقالة اليوم، لأن هذه الفترة من العام الدراسي عادة تشهد صدور قرارات حركة ترقية أو تعيين للكوادر التربوية للعمل في وظائف إدارية قيادية في مختلف المؤسسات التربوية في التعليم العام أو الجامعي. وما يتبع ذلك من قيام الكوادر الجديدة بجمع معلومات عن بيئة العمل والعاملين بما يمكنها من الاستعداد والتهيؤ لتولي العمل الجديد بكل سهولة ويسر. ومن المألوف أن تتعرض القيادة الجديدة في بداية عملها لبعض السلوكيات المعطلة مثل الكسل، واللامبالاة، وعدم الرغبة في تغيير طريقة أداء العمل، والثرثرة، والتبرم من العمل، إلى جانب الغياب، والعزلة وعدم التعاون مع الزملاء، أو مع الإدارة وغيرها، هنا تقع القيادة الجديدة في حيرة وتساؤل كيف لي أن أغير هذه السلوكيات، وهل الوضع يحتاج لإرادة قوية، أم إدارة صارمة تستخدم العقاب والثواب والوعظ، أم هي معاً؟
إن مهام أي قيادة جديدة إدارة الموظفين لتقبل التغيير، لذا أقترح عند التخطيط للتغيير التخطيط للقيام بعدد من الممارسات ومنها:
- إجابة القيادة عن تساؤل مهم يدور في ذهن كل موظف، وهو ما الذي سيتغير؟ من خلال التوضيح في مختلف المواقف على أن تغيير القيادة لا يعني بالضرورة قلب الأوضاع القائمة رأساً على عقب، أو الاستغناء عن خدمات بعض العاملين.. مما يوفر الشعور بالأمن الوظيفي، ويخفف من مشاعر القلق والتوتر.
- ربط التغيير في الهياكل التنظيمية وفي الأنظمة وفي المهام والإجراءات بأهداف كبرى تعود بالفائدة على العمل والعاملين.
- الاطلاع على خصائص العاملين الشخصية والمهنية بهدف التقرب من أنصار التغيير وهم عادة العاملون الذين يتمتعون بالجرأة والقدرة على الإبداع والابتكار، ويشكلون نسبة لا تزيد على 10 في المائة من إجمالي العاملين، وهذه الفئة هي التي ستعمل على إقناع رافضي التغيير أو المحايدين من العاملين.
- التعرف على نقاط القوة لدى العاملين، وحاجاتهم ودوافعهم، واستثارة هذه الدافعية بطرق إبداعية لكسب تعاونهم وانتمائهم بالشكل الذي يحقق الفائدة لكلا الطرفين.
- التعرف على الإنجازات البارزة لكل قسم أو وحدة، إلى جانب رصد التوقعات والطموحات، والحلول المقترحة للمشكلات الملحة.
- تبنى مبادئ العلاقات الإنسانية السوية التي حث عليها ديننا الحنيف مثل القدوة الحسنة، الوضوح، العدالة، الشورى، التعاون، التشجيع، والرؤية الموحدة وغيرها.
-ـ التركيز على تطوير مفاهيم واتجاهات العاملين الوظيفية وليس الشخصية، لأنها هي التي تحكم التصرفات والأقوال والأفعال في العمل.
خاتمة: إن التغيير صعب على النفس البشرية سواء كانت في موقع القيادة أو التبعية، ولنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة، فقد غير المجتمع الجاهلي الذي يعبد أفراده الأصنام ويشربون الخمر ويئدون البنات إلى مجتمع وصفه الخالق - جلا وعلا - في كتابه الكريم بخير أمة أخرجت للناس.