ملاحظات تحتاج إلى رؤية وزير التربية والتعليم الجديد
يوجد كثير من الملاحظات على واقع التعليم العام في بلادنا حتى أصبحت هذه الملاحظات مادة دسمة تجاوز تناولها المعنيين بقضايا التعليم إلى المجالس العامة وأصبح تناولها مثيراً للاهتمام حتى من قبل الشرائح الاجتماعية العادية, ومع إطلالة التغيير في دماء وزارة التربية والتعليم وهيكلها يبرز الأمل في أن تلقى هذه الملاحظات اهتمام القيادات الجديدة في الوزارة.
فمن القضايا التربوية المطروحة للنقاش تحديد سن بدء الدراسة بست سنوات ويسمح وفق نظام الوزارة بقبول من هم دون السادسة بثلاثة أشهر فقط، وهذا التقنين يشوبه بعض الثغرات التي تحتاج إلى إعادة نظر, فلو وجد طفلان على سبيل المثال تقدما للدراسة الأول عمره خمس سنوات وتسعة أشهر والثاني عمره خمس سنوات وثمانية أشهر فإن الطفل الأول يقبل والطفل الثاني لن يقبل وعليه أن يتأخر سنة كاملة وبالتالي ستكون سنه عند التحاقه بالدراسة ست سنوات وثمانية أشهر بزيادة ثمانية أشهر كاملة على السن القانونية وأصبح الفارق بينه وبين زميله الأول عاما دراسيا كاملا مع أن الفارق بينهما في السن شهر واحد فقط، ومن زاوية أخرى سيقبل مع الطفل الثاني في العام نفسه تلاميذ في سن الخامسة وتسعة أشهر أي أنه سيكبرهم بـ 11 شهراً، ولهذا فإنه يجب تقليص السن المسموح بها للالتحاق بالمدرسة من خمس سنوات وتسعة أشهر إلى خمس سنوات وخمسة أشهر وهذه السن ستقلص الفارق الكبير في العمر بين الطلاب / الطالبات في الصف الدراسي الواحد وتحد من مدة التأخير غير المبررة في قبول بعض الأطفال، علماً أن خمس سنوات وخمسة أشهر كافية لأن يكون الطالب / الطالبة قادراً على الالتحاق بالمدرسة، ففي بريطانيا مثلاً حددت السن النظامية للدراسة بخمس سنوات فقط.
ومن الملاحظات على مسيرة التعليم العام التضخم الكبير في التقديرات التي تمنح للطلبة والطالبات حتى أصبح الأغلبية يحصلون على تقدير ممتاز وأصبح الحصول على هذا التقدير مألوفاً وهيناً وغيره غير مألوف وأصبحت تقديرات جيد وجيد جداً تقديرات متواضعة في نظر الطلاب وأهاليهم وينظر إلى الحاصل عليها على أنه متدني المستوى وضعيف الإمكانات, وهذا الوضع غير صحيح البتة ولا يمكن أن ينسجم مع الواقع فالغالبية من الناس هم متوسطون في قدراتهم وذكائهم، أما المتميزون فهم قلة وهذا ما يؤكده هرم الذكاء ثم إن الأعداد الكبيرة من الحاصلين على تقدير ممتاز غير متميزين بالفعل وقدراتهم في الغالب متوسطة ولم تستطع أغلبيتهم إكمال الدراسة الجامعية، وهذا الوضع دون شك قد أحدث إرباكا على أكثر من صعيد، فالطالب أو الطالبة يظن أنه متميز بحصوله على تقديرات ممتاز وأسرته كذلك ولكنهم يفاجأون جميعاً بالإخفاق في الجامعة، علما أن اختبارات القياس والتحصيل التي ينفذها المركز الوطني للقياس والتقويم أثبتت وجود فجوة كبيرة بين ما يحصل عليه الطالب في المدرسة من درجات وبين نتيجته في اختبارات المركز، وأكدت هذه الاختبارات تدني مستوى الطلاب وضعف حصيلتهم العلمية, وكان المعروف قبل 20 عاما أن من يحصل على جيد جدا في الثانوية يستطيع أن يتفوق ويجتاز المرحلة الجامعية بسهولة ثم إن الحاصلين على تقديرات ممتاز آنذاك قلة قليلة على مستوى البلاد كلها وكان هؤلاء القلة عباقرة بالفعل عندما مروا بالمرحلة الجامعية وكانت الغالبية من الأوائل على مستوى المناطق لا يتجاوزون تقدير جيدا جدا، أما الآن فإن العشرة الأوائل كلهم يحصلون على نسبة 100 في المائة حتى أن بعض البلدان العربية لم تعد تعترف باختبارات الثانوية العامة في بلادنا لأن أبناء جالياتها في المملكة يعودون إلى بلدانهم بنسبة 100 في المائة وهي نسبة غير ممكنة في الواقع وغير مقبولة في المنطق, ومن هنا نتمنى من وزارة التربية والتعليم دراسة هذه الظاهرة دراسة دقيقة والوقوف على أبعادها وحلها بما يخدم الطالب أولاً والواقع التعليمي ثانياً.
أيضاً كانت وزارة التربية والتعليم تسمح لأي معلم يحصل على قبول للماجستير في مجال تخصصه أن يتفرغ لإكمال دراسته في تخصصه الأساسي سواء كان في مجال العلوم الإنسانية أو العلوم الطبيعية جنباً إلى جنب مع التخصصات التربوية, ولكن قبل أربع سنوات منع أي معلم من مواصلة دراسته في تخصصه الأساسي وحصر مجال الدراسة للماجستير في مجال التربية كالإدارة التربوية والمناهج وطرق التدريس والتربية العامة بحجة أن الوزارة ليست في حاجة إلى أن يواصل المعلمون مرحلة الماجستير في مجال تخصصاتهم الأساسية كالكيمياء واللغة العربية مثلاً وإنما الحاجة بحسب رأي الوزارة تنحصر في مجال التخصصات التربوية, ونسي من تبنى هذه الفكرة وبالتالي القرار أن تطوير قدرات المعلم ينبغي أن تكون في تخصصه وفي التربية سواء بسواء, فالتطوير في مجال التخصص يمكَن المعلم أكثر في مجال تخصصه، والتربية تساعده على إيصال المعلومة إلى الطلاب بالطرق الأفضل, علماً بأن من أهم الشروط في الجامعات للقبول في ماجستير التربية أن يكون المعلم خريج كلية تربية أو حاصل على دبلوم التربية، أما المعلم غير التربوي فلا يمكن قبوله في هذه البرامج, ولو أخذنا برأي الوزارة في هذه المسألة لقلنا يجب إيقاف الدراسة للماجستير في التربية لأن المعلمين الذين يحق لهم الالتحاق بهذا البرنامج هم تربويون أساساً وبالتالي لا توجد ضرورة لإكمال دراستهم العليا في المجال التربوي، وهذا الوضع يؤكد أن حصر السماح للمعلمين بإكمال دراساتهم العليا في التخصصات التربوية فقط قرار يحتاج إلى إعادة نظر ولا يمكن قبوله من الناحية المنهجية.