كيف تَرهنُ وتَرتهنُ عقارا

من أكبر الضمانات التي يلجأ إليها أصحاب الحقوق وبالذات التجار منهم لحفظ حقهم وضمان التزام المدين بالوفاء هو: رهن عقار المدين بالدين الذي في ذمته, وأشرت فيما سبق إلى بعض أحكام الرهن واشتراطاته وما يتعلق بغلته وبعض المحاذير في ذلك, وأشير اليوم إلى صور رهن العقار الموجودة لدى الناس وأيها أصح وأفضل.
لا شك أن أصح طرق الرهن هي أن يتفق الطرفان الراهن - المدين, والمرتهن- الدائن على التفاصيل ويكتبا عقدا بذلك لأن الرهن عقد من العقود, ويوضح فيه أصل الحق وقدره ومدة الوفاء والمرهون - وهو العقار- ووصفه ووثيقة التملك, وكيفية الوفاء وتاريخ الاستحقاق, ثم يتجهان إلى كتابة العدل لتوثيق ذلك, التي بدورها تتأكد من أركان العقد وشروطه ومن ثم توثق عقد الرهن, وتصدر صكا بذلك, وفي بعضها - كما في كتابة العدل الأولى في الرياض - فإنها تلغي الصك الأول وتصدر صكا جديدا تسلمه للمرتهن - الدائن, وبالتأكيد وعلى كل حال فإنها ستهمش على سجل الصك بمضمون الرهن؛ وأيا كان أصل الحق - ما لم يكن فيه مخالفة شرعية أو نظامية - فإن ذلك لا يؤثر في الرهن, وسواء كان المرتهن فردا أو شركة, ولو كان بنكا بشرط أن تكون المعاملة في ظاهرها شرعية لدى كاتب العدل, وأما توقف بعض كتاب العدل عن توثيق الرهن لمجرد كون المرتهن بنكا ولو كانت المعاملة مباحة فهو خطأ ومخالفة نظامية؛ وهذه الصيغة تتميز بكونها واضحة – أي غير صورية - والحقوق فيها بينة, وتحفظ حق الطرفين وتحدد مراكزهم القانونية, وفي حال استحق المرتهن التنفيذ على الرهن فلابد من اللجوء إلى القضاء للمطالبة بذلك.
تلك هي الصورة الأصح والأفضل في توثيق الرهون ولكن ولاعتبارات سبقت الإشارة إليها في بعض المقالات فقد لجأ المرتهنون - وبالتحديد الشركات من بنوك وشركات تمويل- إلى صيغ أخرى يرون أنها تحفظ حقهم بصورة أكبر, ومنها: أن يقوم المدين بإفراغ العقار باسم المرتهن إلى حين الوفاء فإن لم يوف المدين فإن الدائن يبيع العقار, وفي هذا الإجراء محاذير تؤثر في العقد, فمن ذلك أن العقار يُفرغ عادة باسم أشخاص من أعضاء مجلس الإدارة أو غيرهم وفي هذا مخاطرة واضحة في حال وفاته أو إنكاره, وكذلك: فإن بيع العقار في حال لم يَقم المدين بالوفاء من دون القضاء فيه نظر، بل يبطله كثير من القضاة على اعتبار أن الشركة لا تملك العقار لتبيعه وإنما يدها يد أمانة فهي مرتهنة فقط, ومن ثم فستدخل الشركة في مطالبات طويلة قد تكون تكلفتها عليها أكثر من تكلفة الرهن الصريح, ولا يُؤثر في ذلك أن يكون الطرفان قد اتفقا في العقد على أن يكون للمُرتهن الحق في بيع العقار فهو شرط غير صحيح لدى بعض الفقهاء والقضاة, ولا بد من التأكيد هنا أن الشركات قد تكون لديها مبررات في هروبها من الرهن الصريح وهي محقة في البعض ومبطلة في البعض الآخر, أما ما هي محقة فيه فهو أن مِن كتاب العدل من يرفض الرهن للبنوك وشركات التمويل خشية أن يكون الحق قد نتج عن عقد محرم ولو كان ظاهر المعاملة لديه شرعيا, وأما ما هي مبطلة فيه فما إذا كان العقد محرما فعلا فهي تعرف أنه لن يوثق, أو أنها تخشى الذهاب إلى القضاء في حال التنفيذ، ففي هذين السببين فهي مبطلة لأنه ليس لها أن تعقد عقدا محرما كما أنه ليس لها أن تعقد عقودا صورية لتتحايل على الإجراءات القضائية والنظامية وتُوقعُ الناس في معاملات معقدة, مع العلم أن المستقر في غالب قوانين الرهن والتنفيذ المماثلة فإن التنفيذ يكون لدى القضاء لتحقيق الضمانات لجميع الأطراف, وأُكمل- إن شاء الله- في المقال القادم عن صور أخرى للرهن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي