مأساة الصومال ومسؤولية العالم العربي

هل تخلى العالم كله عن شعب الصومال وترك الصومال مسرحاً لتصفية الحسابات الإقليمية ومرتعا للقوى المريبة، ولماذا اهتم العالم بمشكلة القرصنة بينما سكت تماماً عن أصل المشكلة وهي مأساة الصومال؟
الصومال بلد عربي إسلامي إفريقي ينتمي شعبه إلى بني البشر، ومن ثم فإن كل هذه الدوائر لابد أن تتعاون لإنقاذه، ولكن الإنقاذ يتطلب قراءة صحيحة للمشهد الصومالي، وعند هذا الحد فإن القراءات سوف تختلف ولذلك لابد من قراءة عربية واضحة للمشهد الصومالي. فالصومال الذي كان مستعمراً من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا قد استقل تحت اسم الصومال عام 1960 ثم استقلت جيبوتي وحدها عن فرنسا عام 1975. وتحت رئاسة سياد بري الذي انقلب على الآباء المؤسسين ودخل في صراع مع إثيوبيا أواسط السبعينيات وهو الصراع الذي دخل بسرعة إلى الحرب الباردة حيث تدخلت دول عربية موالية لكلا المعسكرين الشيوعي والرأسمالي وانتهى الأمر بهزيمة الصومال وفي عام 1991 انهار حكم سياد بري ومنذ ذلك الحين أي منذ قرابة عشرين عاماً عرف الشعب الصومالي كل صنوف الحرب الأهلية وأمراء الحرب وجربت الأمم المتحدة عملية فاشلة لتأمين وصول المعونات الإنسانية بعيداً عن يد العصابات فلقيت الولايات المتحدة كابوساً أرغمها على سحب قواتها من الصومال، في عام 2005 بدأت المحاكم الإسلامية تستولي على معظم المدن الصومالية وفيما يبدو كان نظاماً يؤمن للشعب حاجاته وينشر الأمن في البلاد، ولكن الحكومة الانتقالية في ذلك الوقت الحليفة للولايات المتحدة استدعت القوات الإثيوبية عام 2006 التي أنهت حكم المحاكم بقيادة الشيخ شريف شيخ أحمد وقيل يومها إن واشنطن تدخلت عسكرياً لأن الشيخ شريف من رجال القاعدة. ولكن الغزو الإثيوبي أثار غضب الشعب الصومالي، كما أثار ثائرة إريتريا ودول مجاورة أخرى فبدأت قوات المحاكم المنسحبة في مقاومة الجيش الإثيوبي، وفى هذه الأثناء انعقدت مؤتمرات متعددة لمختلف القوى في محاولة للتوصل إلى تسوية سياسية، ولكن التنافس الإقليمي مزق جهود التسوية، وأخيراً نجحت مجموعة جيبوتي في التوصل إلى تسوية مع الحكومة الانتقالية وانسحبت القوات الإثيوبية ووصل الشيخ شريف رئيساً لحكومة مؤقتة في كانون الثاني (يناير) 2009 ولكن شباب حركة المحاكم رفضواً ما أسموه استئناس حركتهم من خلال الشيخ شريف فتمردوا عليه ورفضوا سلطته وقاتلوه حتى أنه يخشى أن يسقط النظام عند نشر هذه السطور. المشهد الآن يتلخص في أن الشيخ شريف طلب النجدة من الجميع لصد قوات شباب المجاهدين الذين اتهموا الشيخ شريف بأنه تخلى عن تطبيق الشريعة رغم أنه رد بتشريعات إسلامية لسد هذه الفجوة، فكيف يمكن للعالم العربي إنقاذ الصومال بشكل جدي قبل أن يتحول رسمياً إلى ساحة للمواجهة العالمية؟
أعتقد أن الخطوة الأولى هي عقد قمة مشتركة إسلامية عربية إفريقية بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للتوصل إلى قراءة موحدة للموقف ثم التدخل في اتجاهين: الأول لحماية الحكومة الانتقالية وإقرار الأمن والاستقرار، والثاني تحقيق تسوية سياسية بين القوى الصومالية.
إن المواجهة هذه المرة في الصومال تقوم بين تيارين إسلاميين كان زعيماهما الشيخ عويس وشريف يقودان معاً المحاكم، وليس الخلاف بين قبائل أو مجموعات عرقية، وهذا يجعل التسوية أقل صعوبة رغم أن الصراع مصلحي وأيديولوجي، لكن مصلحة الشعب الصومالي فوق كل اعتبار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي