الخصخصة.. ما لها.. وما عليها
الخصخصة هي «التحرير الاقتصادي» أو «إعادة الهيكلة» بهدف تحسين الكفاءة الاقتصادية، من خلال المنافسة, وتخفيف الأعباء المالية على الدولة, وتهدف أيضا إلى توسيع حجم القطاع الخاص والاعتماد عليه أكثر في عملية النمو والتنمية.
ولضمان نجاح هذا النوع من الإصلاح الاقتصادي، هناك عدة عناصر وركائز أساسية في عملية التحول، منها: التدرج والانتقائية، فالتدرج في إتمام الخصخصة يفضي إلى نتائج إيجابية، وفي المقابل التسرع يؤدي إلى كثير من الفشل في تحقيق الهدف المعلن؛ لذلك نجد أن بريطانيا التي يضرب بها المثل في هذه التجربة كانت انتقائية ومتدرجة، وأيضا التجربة الصينية كانت متدرجة وانتقائية في آن واحد. وعنصر التنوع في استخدام أدوات التحول لا يقل أهمية عن سابقه ويكفينا في ذلك نجاح التجربة الماليزية، حيث قامت ماليزيا بمحاولات ناجحة في الخصخصة بدأت في عام 1982م، والدرس المستفاد من التجربة الماليزية أن الأدوات والسياسات التي استخدمت لإنجاز التحول قد تم اختيارها بعناية. وركيزة إيجاد بيئة اقتصادية مستقرة من أساسيات نجاح التحول، فالسياسات الاقتصادية على الصعيد الكلي والجزئي لها أهمية بالغة، فالتحول الذي يتم في ظروف التضخم وعدم استقرار الأسعار لا يكتب له النجاح طويلاً. ولا بد من وضع ترتيبات معينة مناسبة عند تصادم عملية التحرير الاقتصادي لقطاع ما مع المصلحة العامة تراعى خلالها المصلحة العامة وتكون لها الأولوية، إضافة إلى تجنب القرارات الارتجالية وغير الشورية. وأخيرا كما أن للخصخصة فوائد فإن لها آثارا، منها ما يتعرض له العنصر البشري والموظفون من وضع شروط مجحفة من قبل الإدارة الجديدة، وهنا تلعب الحكومات دورًا رائدًا في تحديد مبادئ توجيهية، مثل: ألا يكون هناك إضرار بالموظفين عند إجراء عملية التحول، وأن يتم استيعابهم بشروط مناسبة وعادلة أو ضمان حصولهم على حقوقهم بنوعيها المالية والإدارية.
والحرب اليوم هي حرب اقتصادية، لذلك سارع كثير من الدول إلى عمل إصلاحات اقتصادية من أجل نمو اقتصادي والكفيل بعلاج كثير من الأزمات لديها ومنها دولتنا - رعاها الله - التي شملت إصلاحاتها عديدا من القطاعات وخصوصا الخدمية منها التي نتج بسبب إعادة هيكلتها بعض الإفرازات السلبية، والتي تطالعنا بها صحفنا بشكل شبه يومي، والعلة في ذلك - والله أعلم - أن هذه القطاعات لم تستطع أن تحسم الأمر وتركت نظامها الاقتصادي يتأرجح بين التخطيط الشمولي وبين التحرر الاقتصادي وآليات السوق الحر، ما أتاح الفرصة لهذه الإفرازات، سواء الإدارية منها أو المالية، أن تنمو بسبب الإصرار على استخدام أساليب وأدوات الماضي التي انتهت صلاحيتها مع الحاضر بآلياته الجديدة، ما أدى إلى ظهور الثغرات والفجوات سابقة الذكر في برامجها الإدارية والاستثمارية.
ولسد هذه الفجوات بعد ظهورها أو وأدها في مهدها قبل أن تستفحل، لا بد من توفير الضمانات اللازمة مثل الشفافية مع تطبيقات النظم المحاسبية الملائمة، بجانب التفكير الاستراتيجي، والقراءة البصيرة للفرص والتهديدات الحالية والمستقبلية, وكل هذا يكون بالتوازي مع دعم القيم والأخلاق ومراعاة أن تكون بيئة العمل سليمة النوايا والإدارة عادلة، لا تتحيز لأحد دون أحد، وحكيمة تراعي التميز بين الموظفين, وحريصة على الرضا الوظيفي لمنسوبيها بكل مكوناته، ابتداء من الحوافز المادية وانتهاء بمكان العمل, واستثمار العبقرية الكامنة في الفرد لتكون داخل العمل المؤسسي، فالمنظمات الناضجة لا تبنى بحسن النوايا، بل بالإخلاص والنزاهة والعمل والعقل والأخلاق, فإن لم تستطع هذه القطاعات تطبيق آليات وركائز نجاح الخصخصة، فلا بد من أن تقع مسؤولية التخصيص على عاتق جهاز مستقل، ولا يترك تنفيذ هذه المهمة إلى الإدارة نفسها، كما أوصى بذلك مجلس الشورى.