الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية (1 من 2 )
من الدراسات المهمة التي نوقشت في مؤتمر تقنيات الاتصال والتغير الاجتماعي الذي عقد في جامعة الملك سعود قسم الإعلام في الفترة من 18 - 20/3/1430هـ، وجدت أكثر من دراسة تستحق التوقف عندها، والتي لم تأخذ حقها في العرض في الصحف أثناء أيام المؤتمر وللأسف تم التركيز فقط على صفحات قليلة جدا (16 صفحة) لأحد المخرجين السعوديين، ناقشت السينما في السعودية!! وظهرت التوصيات بأهمية وضرورة أن يكون هناك معهد للسينما ودور سينما، و...إلخ- وقد سبق أن علقت على هذه التوصيات غير الجوهرية وغير المهمة في ظل الحفاظ على الأهم وهو (الهوية العربية والإسلامية)، وكفانا صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني ووزير الداخلية – يحفظه الله – شر هذه التوصيات بإصداره قراراً بمنع أي ترخيص لأي دور سينما في أرضنا هنا أرض الحرمين، وهو قرار أثلج صدورنا هنا والمسلمين في الخارج الذين يخشون أن تستباح الأرض المقدسة لهذه الابتذالات.
إن ما نوقش في ذلك المؤتمر من قضايا تتعلق بمواضيع مهمة منها على سبيل المثال دراسة عن: علاقة ثورة الاتصال بتعزيز الهوية الثقافية للمجتمع العربي: رؤية مقارنة بين واقع الشباب المصري والإماراتي للدكتورة ثريا أحمد البدوي من كلية الاتصال جامعة الشارقة، حيث أوضحت»: أن الحديث عن الهوية من الموضوعات الثقافية وقضايا الفكر السياسي والاجتماعي التي يحتدم النقاش حولها، بخاصة إذا ارتبط الأمر بالهوية الثقافية لأن الهوية القومية العربية عموماً، والثقافية خصوصا، تخوض في المرحلة الراهنة معركة بالغة الحدة تهدد وجودها واستقرارها وأصالتها بفعل سيادة ثقافة العولمة وثورة الاتصال المصاحبة لها والضغوط التي تمارسها التقنيات الاتصالية. وهناك بعض المفكرين الغربيين يرى عدم ذوبان الهويات القومية والثقافية في عصر العولمة؛ فالعلاقة بين الأنا والآخر هي علاقة قائمة على التفاوض والتهجين والحوار والتسامح في ظل الاحترام التام التعددية والتنوع. وهذا من شأنه إثراء الهويات وتفاعلها على أساس سليم. ومن هنا تسعى هذه الدراسة إلى التعرف على علاقة ثورة الاتصال بتعزيز الهوية الثقافية للمجتمع العربي، وذلك من خلال الإجابة عن التساؤل التالي:
هل تضعف المضامين الأمريكية والغربية المبثوثة عبر التقنيات الاتصالية، الهوية الثقافية للشباب الجامعي المصري والإماراتي أم تثريها أم تدعم تلك المضامين الهوية وتقويها وتدفع الشباب إلى زيادة التمسك بها لمقاومة كل ما هو دخيل على الثقافة العربية؟ خصوصا أن الدراسات السابقة أثبتت تأثير ثورة الاتصال في هوية المجتمعات المحلية وعملية غزو العقول في عدد من الدول العربية وأيضا في تايوان والصين. وقد أشارت هذه الدراسات في مجملها إلى أن الثورة التكنولوجية في مجال الاتصال والمعلومات تشكل عاملاً أساسياً في نشر العولمة الإعلامية والثقافة الغربية التي أسهمت في إضعاف الهوية الوطنية للمجتمعات المحلية، وأن العولمة الثقافية تجسد سلاح الولايات المتحدة لتحقيق العولمة الاقتصادية والسياسية، وأن الأمركة تنسج صلة رفيعة بين المصادر المادية والسيطرة الفكرية. في المقابل، أظهرت دراسات أخرى أن للهوية مكونات تمكنها من مقاومة التأثيرات الناتجة عن الوسائل التكنولوجية الحديثة. ومن هذه الدراسات دراسة للباحثة نفسها ولغيرها من الباحثين في المجتمع المصري والسعودي، وأيضا في كندا. وقد انتهت هذه الدراسات إلى تأثير القنوات التقليدية للتنشئة الاجتماعية والقيم الثقافية والأيدولوجية والمعتقدات المرجعية الدينية والعادات والتقاليد أي (العودة للأصول) على التصدي للقيم والمضامين المبثوثة عبر المنتجات الأمريكية. من جهة ثالثة، استعرضت بعض الدراسات الغربية إمكانية تفاعل الهوية مع الآخر في عصر ثورة الاتصال، ومنها دراسات إدوارد تاد باليو (2002) عن تمثيل التحديث في تلفزيون شنغهاي وعلاقته بالهوية الثقافية، وباحثون آخرون عن الاستغلال الاقتصادي لمضامين المنتجات الأمريكية. وأوضحت النتائج أنه إذا كانت العلاقة بين الثقافة المحلية والإعلام الأجنبي قد وُجهت بطريقة دفاعية وذلك بالتأكيد على الهوية والأصالة الثقافية إلا أنه يمكن لهذه العلاقة أن تتخذ أيضا شكل (التهجين) أو (التفاوض) وذلك بحمية التنوع والتعدد الثقافي، هذا يعني وجود علاقة بين ثورة الاتصال وإعادة تشكيل هوية المجتمعات المحلية، فإما أنها تسهم في ضعف هذه الهوية، وإما أن تدعمها وتقويها من خلال عودة المجتمعات المحلية إلى قيمها وتراثها وتاريخها ومعتقداتها.
والاستنتاج الثالث يتعلق بقدرة المجتمعات المحلية على الاستفادة والتفاعل من المضامين المبثوثة عبر التقنيات الاتصالية المختلفة، مما يثرى هوياتها. حاولت هذه الدراسة اختبار علاقة ثورة الاتصال بالهوية الثقافية للمجتمع العربي، من خلال طرح سؤال رئيسي مؤاده هل يزيد الاعتماد على المضمون الأمريكية إلى تدعيم الهوية أم إلا استلابها؟ والمضمون الإعلامي الأمريكي هنا هو المعنى الذي يكونه ويعطيه الشباب الجامعي مجتمع الدراسة لأي إنتاج إعلامي أمريكي يوجد في التقنيات الاتصالية المصرية والإماراتية أو أي إنتاج إعلامي عربي يتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية في هذه التقنيات. في إطار هذه الدراسة، لا يهم التعرض أو درجة التعرض وإنما «المعنى» الذي يكونه المبحوث لما يتعرض له. وقد طبقت الدراسة على عينة مكونة من 400 طالب وطالبة من الشباب المصري الجامعي و200 طالب وطالبة من الشباب الإماراتي، وذلك باستخدام أداة الاستبيان والمحادثات التليفونية والمناقشات الجماعية المتعمقة. وقد خلصت الدراسة إلى النتائج التالية: وجود مقاومة من قبل الشباب المصري لمضامين التقنيات الاتصالية التي تتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية، بينما أظهر الشباب الإماراتي قدرة على التفاعل الإيجابي مع المضامين الإعلامية، إلا أنه يميل، في المرتبة الثانية، إلى فئة التبعية، بفعل المضامين المبثوثة عبر الفضائيات الإماراتية التي تهدد مكونات هويته الوطنية. وإذا ربطنا هذه النتيجة بدراسة الدكتور طارق خليل أحمد خليل أستاذ الفيزياء النظرية من لبنان وهي دراسة مهمة أيضا وعنوانها (وسائل الاتصال: رديف أم مكمّل للمراكز الفكرية المكونة للهوية الوطنية؟) حيث تساءل عن مدى تأثير وسائل الاتصال هذه في تحديد الهويات الوطنية للشعوب في زمن العولمة، هذه الهويات التي يصعب فهمها من دون ربطها عضويا وديناميكيا بالمراكز الفكرية. وبعد شرحه لأهمية المراكز الفكرية ودورها التأسيسي في تكوّن الهوية الوطنية لشعب أو أمة مجتمعة في نطاق دولة أو مجموعة دول متنوعة. ومدى تأثير وسائل الاتصال في تحديد هوية هذه الشعوب، خصوصا من حيث قيامها بردم الفجوة المعرفية (بما يشبه ملء الفراغ) الناتجة عن انتقال مجتمعاتها ثقافيا من مفهوم «الهوية المحكية» أو الحكائية القائمة على وحدة الكلام واللغة، إلى هوية سياسية، وطنية تمثلها الدولة الوطنية، وأحيانا الدول العابرة للقوميات المحلية (الاتحاد الأوروبي، جامعة الدول العربية، الأمم المتحدة، مجلس التعاون الخليجي.. إلخ). ووضح أن المعاهد والجامعات شكلت ولا تزال تشكل الحصن المنيع لتحديد الهويات والرؤى المستقبلية لأي شعب، سواء جزءا من أمة في دولة أو عدة دول، وكان أوطانا مختلفة لا تنطق، ضرورة، بلسان واحد ولا تكون ذات هوية عرقية أو دينية غالبا - ولكنها تستطيع مع ذلك التنوع أن تتوجه نحو رؤية مستقبلية مشتركة وتساءل: كيف يمكن أن نكون فاعلين، كعالم عربي، في هذه الوسيلة العالمية Universal للاتصال إن لم نكن شركاء فيها، خصوصا بعدما تمكنت من ربط مجتمع المعرفة بمجتمع المعلوماتية العالمية من دون تحديد هوية شعوبنا، بدءا من اللغة والثقافة الشعبية، وصولا إلى المشاركة في تطوير الحضارة البشرية الراهنة التي بات جزء منها يتطور بوتيرة متسارعة لا تسمح لأحد، لا يجاريها في سرعتها، بأن يشاركها وبسهولة في مردود هذا التطور؟ تابع.