مهمة هيئة السياحة الجديدة: إبراز الدور الحضاري للمملكة

المهمة التي تقع على هيئة السياحة والآثار في المملكة لا يختلف اثنان في أنها تتفرد عن مهام مثيلاتها من الوزارات والهيئات التي تدير الشأن نفسه في باقي الدول، فهيئة السياحة السعودية تؤسس قطاعا كان مغيبا سنوات طوالا، فهي من جهة تنقب (إن صح التعبير) عما يمكن أن يوضع تحت عنوان السياحة، ومن جهة تجاهد في خلق ثقافة اجتماعية وربما رسمية أيضا لقبول السياحة قطاعا إنتاجيا يمكن له أن يحقق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ويعاضد المساعي الرسمية لتنويع مداخيل الاقتصاد للخروج من مأزق النفط الذي يوفر 90 في المائة من موارد الخزانة العامة للدولة حاليا.
عندما كان الأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة والآثار يتحدث لعدد من كتاب ''الاقتصادية'' ومسؤوليها قبل أيام بحضور رئيس التحرير، تستشف من حديثه أن ثمة برنامجا منهجيا تسير عليه الهيئة في تحويل السياحة من محاولات فردية قادها رجال أعمال استثنائيون في مرحلة من المراحل وتحملوا أعلى درجة من المخاطر، إلى عمل مؤسسي تعاضده الدولة بسن التشريعات ورصد التمويلات إن احتاج الأمر، وتخلق الهيئة من خلال هذا الدعم فرصا استثمارية ترتفع فيها العوائد وتتراجع مخاطر التعثر، وبالتالي يصبح المشروع السياحي مشروعا اقتصاديا يضمن عائدا مجزيا للمستثمر ويمنح قيمة إضافية للاقتصاد والمواطن.
فالمتأمل للمبادرات الفردية قبل بلوغ هذه المرحلة من برنامج هيئة السياحة والآثار لا يجد في معظم تلك المبادرات أي قيمة مضافة فدورها كان مقصورا على توفير مساحة للترفيه داخل المدن، فلم تكن موظفا للمواطنين ولا مستوعبا بأي درجة لحصة من المبالغ الموجهة للسياحة بمعناها الواسع.
ويمكن أن تستشف من حديث الأمير سلطان، أن الهيئة شرعت في دخول مرحلة جديدة في عملها المنهجي، متمثلا في إبراز الدور الحضاري للمملكة، وهي مهمة تكمن صعوبتها بأننا نلتفت لها متأخرين، وعندما تتنبه الهيئة لمثل هذا الأمر فإنها تعي بأنها تجعل من السياحة ثقافة إنسانية، فبلادنا بجغرافيتها الحالية التي تأسست على يد المغفور له - بإذن الله - الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، لا تقل مساهمتها في حضارة الإنسان عن بعض الدول التي يقوم اقتصادها أساسا على جلب السياح من بقية أصقاع العالم للوقوف على خلفيات حضارية وتاريخية، هذا من جهة.
من جهة ثانية، فإن المملكة التي باتت تعيش حراكا سياسيا متزنا يضعها في موقعها الطبيعي عالميا وإقليميا، وتتبوأ مركزا اقتصاديا يحجز لها مكانا في أكبر 20 اقتصادا حول العالم، لا ينقصها البعد الحضاري ليكتمل مثلث الدولة المؤثرة، وفيما يبدو أن هيئة السياحة تأخذ على عاتقها إبراز الضلع الثالث, وهو بالقطع ضلع ليس مهما فحسب بل إنه أساسي لا يمكن أن يبقى غائبا عن ذهنية المواطن أولا ثم العالم بعد ذلك.
يقول سلطان بن سلمان إن هيئة السياحة وهي تباشر هذه المهمة، تعمل في ظل قيادة حصيفة تستند إلى إرث كبير لدولة لها حضورها التاريخي في العالم الإسلامي كبلد الحرمين وقبلة المسلمين وخدمة قضايا المسلمين، مؤكدا أن العمل يجري وفق توجيهات خادم الحرمين وولي عهده والنائب الثاني لإبراز الدور الحضاري والتاريخي للمملكة داخليا وخارجيا، وهو دور مؤثر وعميق.
في حديث امتد قرابة الساعتين مع رئيس هيئة السياحة والآثار، يمكن أن تستلخص منه عدة دروس، أولها أن الهيئة، منهجية إلى أبعد الحدود في عملها، فقراراتها تقوم على الدراسة المتأنية التي تعطي نتائج أكثر عمقا – حتى لو تأخرت – من تلك التي تأتي سريعا وربما تلبي رغبات العامة، لكنها تحدث ثقوبا قد تكون اقتصادية وقد تكون اجتماعية وما تلبث أن تندثر وتكون العودة لها من باب المستحيل. الدرس الثاني، هو أن الهيئة لا تريد أن تضع المملكة على خريطة الساحة الإقليمية أو العالمية فحسب، وهو حق مشروع، بل إنها تهيئ موردا اقتصاديا بالضرورة أن يحضر الآن ليتاح له الدعم الحكومي مع الوفرة المالية كما حظي غيره من القطاعات، وفي نهاية الأمر يكون المكسب المتحقق وطنيا لجانب الدخل المالي والتوظيف.
وثالث الدروس، أن تسويق المملكة سياحيا في العالم، يحقق رغبة الإنسان حول العالم للوقوف على جزء من منطقة جغرافية أسهمت في بناء جزء من تاريخه وتراكمه الحضاري، فالحضارة الإنسانية لم تقم على عرق واحد بل هي نتاج بناء إنساني مشترك، ولعلنا نستذكر هنا كثيرا من خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
رابع الدروس (المستفادة)، هي منطقية المنافسة، نقف على هذا الدرس، عندما يقول سلطان بن سلمان لا نريد في الأمد القريب (يتحدث عن ثلاثة أعوام) أن نكون الخيار الأول للسائح المواطن، بل ضمن الخيارات الثلاثة الأولى، إنه درس مرتبط بالمنهجية، التي نتمنى أن تنتقل عدواها لكثير من الجهات الحكومية.
لو كان لي أن أقترح على هيئة السياحة والآثار وهي تتحمل مسؤولية إبراز الدور الحضاري للمملكة، لقلت ليتها تعقد دورات صيفية ولو برسوم رمزية في مقارها في الرياض وغيرها من المدن، للطلاب والطالبات، ليحضر هذا الدور في ذهنية النشء قبل أن تنقب عنه الهيئة في باطن الأرض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي