في عصر المعلومات: «الاختيار» هو سيد الموقف!
لعل أحد أشهر المواقع الأمريكية الإخبارية هو drudgereport.com الذي بالرغم من ذكره المتكرر كواحد من أفضل مصادر الأخبار على الإنترنت إلا أنه في الحقيقة لا يزيد على مجرد مجموعة من الروابط المختارة بعناية وحس صحافي مميز من مختلف المواقع الإخبارية حول العالم، ولكنه في الوقت نفسه مؤثر جدا لدرجة أن اختياره خبرا ما يعني تصدر الخبر اهتمامات الناس فورا واهتمام وكالات الأنباء به، وهذا ما حصل عندما كان الموقع أول من سلط الضوء على قصة مونيكا لوينسكي في التسعينيات الميلادية التي تضخم الاهتمام بها بعد ذلك حتى صارت أهم قضية سياسية لمدة ثلاث سنوات.
الاختيار المميز يقدم للقارئ خدمة لا بد منها في عصر المعلومات، فالوقت ضيق ومحدود أمام الإنسان المعاصر اليوم، وفي الوقت نفسه فإن هناك انفجارا في المعلومات والأخبار والتقارير والآراء لدرجة يصبح من الصعب الإلمام بها كلها، ولذلك عندما تتوافر الخدمة هي توفر كثيرا من الوقت على الجمهور. من جهة أخرى، فإن الاختيار أمر من الصعوبة بمكان لأن أذواق الناس واهتماماتهم تختلف بشكل حاد من شخص إلى آخر، وإيجاد اختيارات تناسب ''الأغلبية'' من الجمهور يحتاج إلى حس جماهيري عال ومتوازن.
على شبكة الإنترنت العربية توجد اليوم مئات المنتديات والمواقع التي يحررها الجمهور، وكثير مما يكتب في المنتديات مهم ومفيد ومثير، ولكنه يحتاج إلى بحث بين ركام هائل من القش غير المجدي، ولو وجد الموقع أو الوسيلة الإعلامية التي تختار للناس هذا المهم والمفيد دون أن يضطروا إلى تصفح عشرات المواقع فهو بالتأكيد سيوفر خدمة مهمة جدا للجمهور.
الاختيار القائم على الحس الإنساني مكلف جدا من ناحية الموارد البشرية، ولذا حاولت الشركات التقنية ابتكار أساليب آلية لاختيار المعلومات والأخبار، وكانت واحدا من أهم التجارب في هذا المجال الخدمة الإخبارية التابعة لـ ''جوجل'' التي تختار الأخبار آليا بناء على معايير متعددة وتربط بين الأخبار المتشابهة، ونجحت ''جوجل'' في ذلك نجاحا مبهرا مقارنة بكل الخدمات الآلية الأخرى.
ولكن هذه الخدمات القائمة على الاختيار الإنساني أو الآلي كانت تثير احتجاجا لدى كل الأطراف، فالمواقع الإخبارية ترى أن هناك من يحقق دخلا إعلانيا واسعا من أخبار مختارة من مواقعهم دون أن يكون لهم نصيب من ذلك، وأصحاب المواقع يرون أن الجمهور يأتي إليهم كبوابة فقط ثم يذهبون للمواقع الإخبارية التي تستفيد من العدد الهائل من الجمهور القادم إليها من تلك المواقع دون أن تستفيد بوابات الاختيار منها، والإعلاميون قلقون من أن هذه الخدمات التي تنشر مفهوم ''الاختيار حسبما يريده الجمهور'' دون اكتمال أهداف الرسالة الإعلامية التي تقوم على تغطية شاملة ومتوازنة للأحداث حول العالم.
لكن عصر المعلومات فرض نفسه، ورضيت المواقع الإخبارية بالواقع على أساس أن هذه الخدمات أصبحت لا بد منها لاجتذاب الجمهور، حتى أن جريدة ''نيويورك تايمز'' استثمرت في موقع daylife.com وهو موقع يقوم آليا باختيار موضوعات معينة ثم يرتب لها صفحات تتضمن الأخبار ذات العلاقة بهذه الموضوعات في مختلف الصحف مع الصور والفيديوهات ذات العلاقة أيضا.
بعض المواقع التي تقوم على الاختيار حاولت أيضا الاستفادة من الجمهور على موقعها من خلال فتح خدمة التعليقات على الأخبار المختارة، ومن ذلك موقع topix.net الذي يشجع الجمهور على النقاش حول الأخبار في المنتدى التابع للموقع المقسم حسب المدن الأمريكية، كما قدم موقع جوجل الإخباري خدمة تتيح للجهات والأشخاص الذين تذكر أسماؤهم في الأخبار أن يردوا على تلك المعلومات والأخبار على موقع جوجل، آملا بذلك أن يصبح المكان المركزي لتفاعل المؤسسات والشخصيات مع الأخبار التي تكتب عنها، ولكن الخدمة فشلت لضعف الإقبال عليها ولعدم التمكن من إيجاد آلية سهلة وغير مكلفة للتأكد من هوية الأشخاص الذين يقومون بالرد على الموقع. انفجار المعلومات سيزيد من حاجتنا لمن يساعدنا على اختيار ما نحتاج إليه ويمتعنا من موضوعات وأخبار، ولكن من يختار يجب أن يفهم ما نريد بحساسية عالية.. وهذا هو التحدي الصعب ..!