الادعاءات الصينية على المنتجات السعودية بالإغراق – مَن يغرق مَن؟!
أعلنت وزارة التجارة الصينية منذ أيام أنها رفضت دعوى بالإغراق ضد واردات مادة الميثانول من المملكة العربية السعودية ودول أخرى، تستهدف منها فرض ضريبة إغراق على تلك المنتجات!..، ورغم أن التحقيق لا يزال جاريا حول الدعوى، ولم يتم البت فيها، إلا أن السلطات الصينية اتخذت إجراء استباقيا بفرض ما أسمته رسوم حماية لمنتجاتها من تلك المادة، وزادت بأن أصدرت تعليماتها إلى الوكالات الحكومية بشراء منتجات محلية الصنع متى كان ذلك ممكنا للمشاريع التي تدعمها الحكومة، سعيا إلى وقف ما رأت أنه تمييز ضد الشركات المحلية!
وبما أن الأمر يمس ثلاث شركات من كبريات الشركات المساهمة العامة هي سابك، وسبكيم، وكيمانول، ويؤثر في مكانتها الاقتصادية، وحقوق مساهميها، والاقتصاد الوطني بصفة عامة، فقد أعلن مجلس الغرف السعودي عن تحركه لمواجهة هذه الخطوة من خلال شرح خلفياتها القانونية، وتوضيح سلامة موقف الشركات الوطنية من تهمة الإغراق، وذلك من خلال مؤتمر صحافي لوسائل الإعلام المحلية والدولية، وفقا لما نشرته الصحف المحلية (صحيفة «الاقتصادية» 9/7/1430هـ).
وهذه الخطوة تحمد لمجلس الغرف، بيد أنه لا بد من أن تتبعها خطوات عملية بإقامة دعاوى مضادة، وتجنيد محامين يمثلون المجلس في الدعاوى المرفوعة، دون أن يترك الأمر للشركات وحدها، سواء منفردة أو مجتمعة، كما أنه لا بد أن يكون لوزارة التجارة دور آخر مستقل عما يقوم به مجلس الغرف في هذه القضايا، طالما أن الجهات الحكومية الرسمية هي التي تبنتها مثل وزارة التجارة الصينية، ولجنة الإصلاح والتنمية، ووكالة التخطيط.
وأعتقد أن الدعاوى التي يمكن إقامتها بسبب إغراق المنتجات الصينية لأسواق المملكة أكثر بكثير مما تدعيه الصين واقعا عليها، وهناك شركات سعودية لديها كثير مما تقوله وتثبته في قضية الإغراق، كما أن هناك صناعات محلية تأثرت سلبا من إغراق المنتجات الصينية لها، ومنها مصانع أغلقت أبوابها حين لم تستطع مواجهة انخفاض أسعار المنتجات الصينية، سأذكر منها ما وقفت عليه شخصيا حينما أثيرت هذه المشكلة وعنّ لي المشاركة في بحثها، واطلعت على بعض الأمثلة الحية، ومنها:
1- سوق الأثاث المحلي، حيث وجدت، دون مبالغة، أن ما لا يقل عن نسبة 80 في المائة مما يعرض فيه هو صيني، وأن هناك معارض مشهورة في المملكة كانت معروفة بجودة بضائعها الأوروبية والأمريكية انقلب الحال فيها إلى صالات عرض للمنتجات الصينية، ولن نكون محتاجين لأن نجهد أنفسنا في البحث عن السبب، إذ إنها وجدت نفسها إن لم تفعل ذلك، فسوف تقفل أبوابها، لأن الناس يتجهون إلى الأرخص والأكثر بهرجة، خاصة في هذا الوقت الذي يمضي لمصلحة الصناعة الصينية، بسبب الوضع الاقتصادي!.. أما مصانع الأثاث المحلية فتواجه صراع البقاء أمام هذه الظاهرة، ومنها ما أغلق أبوابه، ومنها ما هو في طريقه للإغلاق!
2- هناك مجال آخر تسيطر عليه الصناعة الصينية، وهو مجال تجارة الموارد والأدوات الصحية، فمعظم ما في السوق مصدره صيني، والمصانع المحلية الموجودة لهذه الصناعة تكافح هي الأخرى لتصريف منتجاتها داخليا، أو البحث عن منافذ لتسويقها خارج المملكة في بلدان لم تغرقها الصناعة الصينية، لكنها ستواجه مصير الإغلاق، إن لم تجد من ينقذها.
3- أما ثالث المجالات التي يلمس المواطن أن الغش يكمن فيها، إضافة إلى الخطورة الناتجة عن استعمالها، فهي الأدوات والأجهزة الكهربائية من أسلاك وأفياش وتوصيلات ودفايات وغيرها، فهذه كلها ما أن يبدأ المرء في استخدامها حتى تتلف ويصيبها العطب، هذا إن لم ينله وعائلته منها أذى، وكم من الحوادث القاتلة سببتها هذه الصناعة الرديئة!.. وحال الصناعة الصينية هي بهرجة المظهر وسوء المخبر، حيث تبهرك بنعومتها وألوانها، فقد لعبت بأذواق الناس، ونهبت مدخراتهم، وغدت بيوتهم مخازن للأجهزة والأدوات المتعطلة!..، وكلامي لا ينسحب على ما يسمى بالمنتجات الصناعية فحسب، بل يشمل كل ما هو استهلاكي من المستلزمات والعدد وألعاب الأطفال، وما تمتلئ به الأسواق، ومحال (أبو ريالين) بالذات التي قامت في الأساس، لتسويق منتجات صينية ذات مواصفات رديئة وخطرة!.. وسبق لي أن كتبت عن هذا الأمر ونبهت إلى تأثير الصناعة الصينية السلبي على الصناعة المحلية (صحيفة «الاقتصادية» 3/12/1430هـ)، وأكرر اليوم أنه لن تقوم للصناعة المحلية قائمة في ظل ما تواجهه من إغراق حقيقي ومحاربة مقصودة من الصناعة الصينية!
أما دعوى الإغراق الموجهة للشركات المحلية العاملة في مجال البتروكيمائيات، أو غيرها مما قد ينشأ مستقبلا من ادعاءات، فإنها تحتاج إلى تظافر كافة الجهات المعنية كوزارة الخارجية، ووزارة التجارة، وهيئة المواصفات والمقاييس ومجلس الغرف، إلى جانب جهود السفارة السعودية في بيجن، فضلا عن رجال الأعمال الذين لهم علاقات تجارية مباشرة بالصين، وأول خطوة مفترضة في هذا الشأن هي التلويح بفرض رسوم حماية أو إغراق على المنتجات الصينية بحجة أن هذه المنتجات، وهذه حقيقة، تتقصد الإغراق، بخفض مستوى مواصفاتها، لتقليل تكلفتها، وبالتالي خفض أسعارها، كما ينبغي التشدد في تطبيق المواصفات السعودية والخليجية لأي منتج يوجد له مواصفات، مع الإسراع في إصدار مواصفات للمنتجات الأخرى، حماية لأرواح الناس ومدخراتهم، وحماية للصناعة الوطنية، ودعما للاقتصاد بصفة عامة.
والله من وراء القصد