برامج عبد اللطيف جميل ..عندما تتكلم الأرقام

ليس ثمة لغة أقوى من لغة الأرقام، ولا صور أدل على النجاح من صور الخطوط والجداول البيانية! وهذا هو ما شاهدناه مساء الأحد الماضي في الاحتفال بإنجازات برامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع لعام 2008م. جرى الحفل برعاية وزير العمل الدكتور غازي القصيبي الذي نهض في ختامه وقال عن هذه البرامج وعن صاحبها كلاما يتمنى أن يحظى به كل مواطن مخلص لبلده ومجتمعه. قال مخاطبا محمد جميل: ''إنك وزارة عمل كاملة في شخص رجل، ومؤسسة تدريب كاملة في شخص رجل، ووكالة توظيف شاملة في شخص رجل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فيكسبه السمعة العطرة في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة''.
في الحفل تحدثت الأرقام والإنجازات وتوارت الخطب والشعارات الرنانة. كان مدير كل منطقة – وكلهم شبابا وشابات تبدو على محياهم الجدية وصدق العزيمة – يصعد على المنصة ليعدد بمصاحبة شاشة كبيرة فرص العمل التي نجح فرعه في إنجازها على أرض الواقع.
لقد أفلحت برامج ''باب رزق جميل'' منذ أن بدأت تقديم خدماتها في عام 2003م وحتى نهاية عام 2008م في توفير 72751 فرصة عمل في مختلف مناطق المملكة. وقد تراوحت هذه الفرص بين المساعدة في التوظيف المباشر، أو التدريب المهني والحرفي المنتهي بالتوظيف، أو دعم المشاريع الصغيرة، والأسر المنتجة، وبرامج الامتياز التجاري، أو تمليك سيارات الأجرة والنقل. وحضر الحفل بعض المستفيدين ليحكوا قصة نجاحهم بكلمات محدودة وإنجازات واضحة.
لاحظت أن أعلى الإنجازات جاءت من برنامج دعم الأسر المنتجة، وهو الأمر الذي يعكس جدية أكثر بين النساء عندما يجدن المعين. البرنامج يقدم التمويل الأولي اللازم لأسر محدودة الدخل لديها مهارة إنتاجية وترغب في الوقت ذاته في التحول من أسر متلقية لمساعدات الجمعيات الخيرية إلى أسر منتجة ومستغنية. وقد أثبتت هذه التجربة أن 99 في المائة من هذه الأسر تلتزم بالسداد، وهي النتيجة نفسها تقريبا التي لاحظها القائمون في بنك جرامين في بنجلاديش، وهي أن الفقراء يلتزمون بالسداد أكثر من الأغنياء!
أما من ناحية الأداء بين المناطق، فمع أن إنجازات مكاتب منطقة مكة المكرمة كانت الأكبر بحكم سبقها في الإنشاء، إلا أن إنجازات المنطقة الشرقية كانت لافتة أيضا. ويبدو أن سبب ذلك يرجع لتعاون شركة أرامكو مع برامج باب رزق جميل، وإصرارها على ضرورة التزام مقاولي مشاريعها من الباطن بتدريب وتوظيف السعوديين، بجانب انتشار ثقافة الجدية في العمل بين شباب المنطقة بتأثير ثقافة ''أرامكو''.
في تصوري أن أهم أسباب نجاح هذه المشاريع هو أنها قامت على مبدأ الكفاءة الاقتصادية والإدارية. فهي برامج متى ما بدأت فإنها تغذي نفسها بنفسها ماليا، كما أنها تقدم للمستفيدين برامج محددة وواضحة، يفهم منها المستفيدون أنه في مقابل المساعدات التي يحصلون عليها، هناك التزامات يجب عليهم الوفاء بها. يضاف إلى ذلك، أنها برامج تطبق أساليب إدارية حديثة (الإدارة بالأهداف) فكلها تقوم على أهداف كمية قابلة للقياس، لذلك فالقائمون عليها يعرفون دائما حجم إنجازاتهم، بل وبإمكانهم تحديد أهدافهم المستقبلية كميا، وهم على ثقة بقدرتهم على بلوغها. وهذه ميزة قل أن نجدها لدى غالب مؤسساتنا. لذلك ليس غريبا أن يلزم المشرفون على هذه البرامج أنفسهم بتحقيق نمو سنوي بمعدل 15 في المائة. ففي حين أنهم أنجزوا نحو 30115 فرصة عمل في عام 2008م، فإنهم يستهدفون تحقيق 80 ألف فرصة عمل في عام 2015م وحده بحول الله. وجميع أهدافهم السابقة تحققت بنجاح كبير لأنهم عرفوا أن النجاح يمر من قنوات جودة الإدارة وصدق الإرادة ودقة المراقبة وجدية المتابعة.
إن احتفاءنا واهتمامنا كمراقبين بمثل هذه البرامج إنما ينبع من أهمية وخطورة مشكلة البطالة في حياتنا. وبعد هذا النجاح الباهر، أعتقد أننا في حاجة الآن إلى التفكير في كيفية تعميم هذه التجربة. وفي تصوري أننا في حاجة إلى تنظيم وقفي يسهم في التصدي لمشكلات البطالة بمحاكاة مثل هذه البرامج. إن ميزة الوقف أنه يجمع بين مبادئ القطاع الخاص في الإدارة والأهداف الاجتماعية للمؤسسات العامة، كما أنه يفتح المجال لمشاركات أوسع لكل جهات المجتمع كل بحسب طاقته وقدرته. إن التصدي لمشكلات البطالة لا يكون بالآمال والأوهام ولا بالتمنيات والوعود، وإنما بخطط قابلة للتطبيق وأهداف قابلة للقياس وبتضافر جهود الحكومة مع جهود القطاع الخاص.
في كل مجتمع هناك رواد يسجل التاريخ أسماءهم في أزهى صفحاته، وهو سجل مفتوح دائما للراغبين في هذا الشرف. إن استقرارنا وأمننا ودوام رخائنا يعتمد بعد الله على مدى نجاحنا في احتضان أبنائنـا وتوفير فرص العمل وسبل العيش الكريم لهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي