تأثير محدود لانضمام المملكة لمنظمة التجارة في مهنة المحاسبة
## ما حدود الاستثمار الأجنبي في المحاسبة السعودية؟
أدى انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية إلى خلق نوع من التأثير في بعض المهن المحلية، والتي كان أبرزها التأثير في اقتصادياتها، سواء بالسلب أو الإيجاب.
ومن تلك المهن المحلية المكاتب المحاسبية التي استشعر متعاملوها مدى التحدي الكبير الذي سيواجهونه مع انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية من حيث الوجود الكبير للمكاتب الأجنبية والتي تتمتع بالخبرات وكسب الثقة من قبل الشركات والجهات الوطنية، مما يضع المكاتب المحاسبية في منافسة كبيرة مع الشركات الأجنبية، بينما اعتبر بعض المتخصصين دخول تلك الشركات تعد فرصة لتدريب الكوادر السعودية وهي مهمة الاستثمارات الأجنبية – توطين المعرفة.
ومن خلال ملف الشهر الذي تنشره «الاقتصادية» على عدة حلقات وفي حلقته الثالثة اليوم التي تتناول القطاع المحاسبي ومدى تأثير انضمام المملكة فيه، وحجم الاستثمار الأجنبي في المحاسبة، وإلى أين هذه المهنة ستتجه مع تسارع التقدم في هذا العلم في الخارج ومع ضعف وقلة الإنتاج العملي من الكتب سواء العربية أو المترجمة إلى اللغة العربية؟!
يؤكد هنا محاسبون قانونيون في السعودية، أن مهنة المحاسبة في العالم تتجه لتوحيد معاييرها بدلا من اعتماد معايير مختلفة لكل دولة أو مجموعة من الدول كل على حدة، في سبيل الخروج بمعايير عامة تحكم القياس والعرض للقطاع المحاسبي حول العالم بشكل عام.
#2#
ولم يخف المحاسبون تأثير انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية في القطاع المحاسبي فيها، وذلك بعد سيطرة كبيرة من الشركات المحاسبية التي سعت خلال السنوات الثلاث الماضية بعد الانضمام وتزايد نسب حصتها من التملك على السوق المحاسبي، بسيطرة على القطاعات الكبرى كالبنوك والشركات الصناعية ذات القوائم المالية العالمية، الأمر الذي أثر في الشركات المحاسبية المحلية الصغرى في منافسة تلك الشركات.
بينما يعتقد محاسب آخر أن انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية لن يكون له تأثير ملموس في مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة، عكس الأنشطة الاقتصادية الأخرى، فشركات المحاسبة الكبرى في العالم تعمل في المملكة عن طريق شركاء سعوديين قبل أن تنضم المملكة إلى المنظمة، أما الاستثمار الأجنبي في المهن الحرة وبالذات المحاسبة والمراجعة فهناك عقبات نظامية لا يمكن تجاوزها وهي تطبق على السعوديين وغير السعوديين ومن ضمنها الحصول على شهادة الزمالة السعودية التي تعقد باللغة العربية، وهذا أمر قد يتعذر على كثير من الراغبين في العمل في السوق المحلية.
في حين يرى المحاسبون أن الحلول الجيدة لعدم تأثر المؤسسات المحاسبية الصغيرة في المملكة هو الاندماج مع بعضها، إضافة إلى التشجيع عبر الاستثمار في الطاقات البشرية المؤهلة.
ويبلغ عدد الأفراد المرخص لهم بممارسة مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة حسب آخر إحصائية 179 فردا معظمهم من السعوديين، بينما يبلغ عدد المكاتب والشركات المهنية التي يعملون من خلالها 129 مكتبا منها 24 شركة مهنية.
معايير عامة تحكم
#3#
يقول الدكتور عبد الرحمن الحميد الشريك والمؤسس في «إتش أن سي» للاستشارات: «توجد الآن موجة عالمية يقودها الاتحاد الدولي للمحاسبين القانونيين بالاتفاق مع معهد المحاسبين الأمريكي لمحاولة تقريب معايير المحاسبة الأمريكية مع الدولية في سبيل الخروج بمعايير عامة تحكم القياس والعرض للقطاع المحاسبي حول العالم بشكل عام».
وأرجع الحميد سبب توحيد أنظمة المحاسبة لصعوبة تطبيق معيار محدد لكثير من الشركات العابرة للقارات، لافتا إلى أن القواعد العامة هي التي تحكم عملية القياس والعرض في القطاع المحاسبي للشركات، في حين تترك الحرية للهيئات والمجامع المحاسبية المحلية لإصدار معايير محاسبية تفصيلية خاصة بتلك الدول في ضل إطار معايير محاسبي عام يحكمها.
وقال: «لدينا معايير تفصيلية في المملكة، وهناك نص يقول إذا لم توجد هناك معايير محلية فتطبق المعايير الدولية، مثل شركات التأمين حيث لا يوجد هناك معايير محاسبية خاصة بشركات التأمين، ونجد أن البنوك بشكل عام وشركات التأمين تطبق المعايير الدولية، والتأثير بلا شك يكون عملية أن القوائم المالية التي تصدرها الشركات في المملكة ستكون ملائمة للقواعد العامة للمعايير المحاسبية حول العالم، ونجد أن قوائم سابك تقرأ قوائم عالميا».
شركات الاستحواذ
وعن الاستثمار الأجنبي في القطاع المحاسبي، أوضح الحميد أن شركات كبرى عالمية اتجهت للسعودية في سبيل تملك حصص كبيرة في شركات المحاسبة خلال السنوات الخمس الماضية، بعد أن كانت في السابق شريكا فقط، مؤكدا أنها الآن أصبحت شريكا فعليا بعد أن اشترت حصص السعوديين بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، بشرط حصول هذه الشركات على اتحاد الزمالة المحاسبين القانونيين.
واعتبر الحميد تأثير الاستثمار الأجنبي على المستثمرين المحليين بأنه سلاح ذو حدين، موضحا ذلك سيطرة الشركات المحاسبية الأجنبية على القطاعات الرئيسية في السعودية مثل القطاع البنكي والصناعي، ذات القوائم المالية التي يتوجب نشرها عالميا، ما دفعهم لمراجعين عالميين معتبرين عالميا، الأمر الذي أثر في الشركات المحاسبية المحلية الصغرى.
وقال: «إن الشركات المحاسبية الصغيرة في المملكة ليس لديها استثمار قوي، لذلك تعيش تلك الشركات المحاسبية على المؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، أما الشركات العملاقة في المملكة فتسيطر عليها الشركات المحاسبية الأجنبية».
الاندماج هو الحل
ورأى الحميد أن الحلول الناجعة لإنقاذ الشركات المحاسبية الصغرى هو الاندماج، إضافة إلى التشجيع عبر الاستثمار في الطاقات البشرية المؤهلة، مشيرا إلى أن المكتب المحاسبي ليس إلا نظاما وأفرادا.
وعن التعليم المحاسبي في أقسام المحاسبة في الجامعات، ومدى استجابتها لهذه التطورات، قال: «إن المشكلة الأساسية في الجامعات السعودية في الكادر الأكاديمي الذي يهرب المواطنين السعوديين الجيدين، ويستجذب الأجانب الذين لا يجدون غير جامعاتنا برواتب زهيدة، بينما في دول الخليج تدفع تلك الجامعات مرتبات تصل لـ 40 ألف ريال لجذب المتميزين في الجانب المحاسبي».
المخرجات التعليمية ضعيفة
وعاد ليؤكد الحميد أن الجامعات المحلية الأهلية ما زالت تنافس الجامعات الخليجية في جذب الكفاءات العالية كجامعة الأمير سلطان في الرياض.
واستغرب الحميد بما تقومه به الجامعات الحكومية في استقطاب مدرسين في المجال المحاسبي من جامعات عربية اعتبرها «ضعيفة»، تستمد علومها من كتب ألفت قبل 50 عاما، إضافة إلى ذلك عدم انتظام هؤلاء الأساتذة في عملهم، واهتمامهم الكبير بأعمال خارج أسوار الجامعة.
#5#
من جهته، يعتقد عبد المجيد الفايز عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للمحاسبة، أن مهنة المحاسبة في العالم تتجه لتوحيد معاييرها بدلا من اعتماد معايير مختلفة لكل دولة أو مجموعة من الدول كلا على حدة. ويضيف: أن المعايير الدولية بدأت تحظى بقبول كثير من دول العالم خصوصا مع تنامي الاستثمارات العالمية البينية وميل كثير من الشركات لإدراج أسهمها في أسواق مالية متعددة، والاعتماد على التمويل الدولي لكثير من الشركات بدلا من الاعتماد على التمويل المحلي.
مهنة المراجعة
الأكثر تطورا
وقال الفايز: «إن مهنة المراجعة في المملكة تعد الأكثر تطورا في محيطها العربي حتى الإقليمي وهي من الأكثر تنظيما على مستوى دول العالم»، لكنه يعتقد بأن المعايير السعودية ربما تحتاج إلى مقاربة مع المعايير الدولية خلال الأعوام المقبلة.
وحول الممارسة المهنية يقول الفايز: «إن النظام لا يجيز للأجنبي أن يمارس مهنة المحاسبة والمراجعة ما لم يحصل على شهادة الزمالة السعودية، إضافة إلى شروط أخرى، وهذا قد يعوق ممارسة المهنة للأفراد غير الناطقين باللغة العربية، لكنه يستدرك أن الأنظمة المراعية في المملكة تتطلب اعتماد اللغة العربية في نشر التقارير المالية وهو ما يجعل اشتراك اللغة أمرا مقبولا من وجهة نظره.
179 رخصة لا تكفي
ويضيف: أن عدد الأفراد المرخص لهم بممارسة مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة يبلغ حسب آخر إحصائية 179 فردا معظمهم من السعوديين، بينما يبلغ عدد المكاتب والشركات المهنية التي يعملون من خلالها 129 مكتبا منها 24 شركة مهنية، ويرى أن هذا العدد قليل ولا يكفي حاجة المملكة الفعلية للمحاسبين والمراجعين الأكفاء.
ويسترسل الفايز بالقول: «إن انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية لن يكون له تأثير ملموس على مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة، عكس الأنشطة الاقتصادية الأخرى، فشركات المحاسبة الكبرى في العالم تعمل في المملكة عن طريق شركاء سعوديين قبل أن تنضم المملكة للمنظمة، أما الاستثمار الأجنبي في المهن الحرة وبالذات المحاسبة والمراجعة فهناك عقبات نظامية لا يمكن تجاوزها وهي تطبق على السعوديين وغير السعوديين ومن ضمنها الحصول على شهادة الزمالة السعودية التي تعقد باللغة العربية، وهذا أمر قد يتعذر على كثير من الراغبين في العمل في السوق المحلية.
ويختتم الفايز حديثه بالقول: «إن مهنة المحاسبة أداة لقياس تأثير الأحداث المالية في المنشأة الاقتصادية كي يستطيع المستفيدون المقارنة لاتخاذ القرار، والقياس يعتمد على نوع المعايير المطبقة، لذا فإن القياس بناء على معايير المحاسبة الأمريكية قد يختلف عن القياس بناء على المعايير الدولية، وإذا اختلف القياس لا يمكن أن يقارن صانع القرار، لهذا تكمن الحاجة اليوم إلى اعتماد معايير محاسبية موحدة تطبق في مختلف دول العالم حتى يستطيع المستفيدون من التقارير المالية المقارنة واتخاذ القرار بسهولة، أما في الوقت الحاضر فالشركة التي تطبق المعايير الأمريكية قد تحقق أرباحا لكنها ستحقق خسائر أو أرباح أقل لو طبقت معايير أخرى وهذا ما ينبغي أن يلتفت إليه، فالعالم اليوم أصبح قرية واحدة.
السوق والحاجة
#4#
من جهته، قال الدكتور محمد آل عباس عميد كلية العلوم الإدارية والمالية في جامعة الملك خالد: «عند الحديث عن المحاسبة كمهنة يقوم بها المحاسبون ضمن فريق الإدارة المالية للشركات، فإن المنافسة كانت وستظل في قدرة الجامعات، على منح السوق خريجين مؤهلين قادرين على منافسة غير السعودي، ولا تزال السوق في حاجة إلى كثير من الخريجين، وإن كانت في حاجة أكثر إلى مهارات ومستويات وكفاءات عالية».
تأثير اتفاقية
المنظمة محدود
وأكد آل عباس أن تأثير دخول المملكة في المنظمة يظل محدودا هنا، مستثنيا من ذلك ما يتعلق بحركة العمال وهو موضوع لم تقدم اتفاقيات المنظمة جديدا حياله.
وقال: «عند الحديث عن المكاتب المهنية التي تقدم خدماتها المحاسبية الاستشارية للغير أو خدمات المراجعة سواء كانت خارجية (قانونية) أو خدمات المراجعة الداخلية –outsourcing فإن منظمة التجارة العالمية تسعى إلى فتح الأبواب أمام الشركات الخدمية مثلها في ذلك مثل بقية القطاعات الاقتصادية و بما أن المملكة قد وقعت على الاتفاقية فإن شروطها تمضي مهنة المحاسبة والمراجعة كما تمضي على بقية الصناعات».
وعن الاستثمار الأجنبي في المحاسبة، أوضح آل عباس أن أربع شركات كبرى تعمل الآن في المملكة ضمن شركاء سعوديين وفقا لما تقضيه الأنظمة السعودية في ذلك، ولديها استثمارات كبيرة في هذا الجانب، وإن كانت المعلومات عن حجم هذه الاستثمارات غير معلومة بدقة.
80 % للشركات الأجنبية
وعن حجم استثمار الشركات الأجنبية، يقول آل عباس: «لا توجد دراسات منشورة عن حجم الاستثمارات الأجنبية في هذه المهنة، ولكن هناك بعض الدراسات القديمة نوعا ما تشير إلى أن الشركات المهنية الكبرى تستحوذ على أكثر من 80 في المائة من حجم السوق مقاسا بإيراداتها وهي نسبة كبيرة ولا شك، لكن مرة أخرى هذه الدراسات قديمة نوعا ما وتحتاج إلى تحديث».
وأوضح أستاذ المحاسبة، أن مهنة المحاسبة لا تزال في بواكير العمر وتحتاج إلى خبرات الآخرين بالرغم من كل التطورات المهمة في المهنة والتي قادتها جمعية المحاسبة السعودية ومن بعدها الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين.
وأكد أن المهنة تحتاج إلى آلة نقل وتطين المعرفة في هذا الجانب المهم، ولن يتحقق ذلك بالسرعة التي يتطور بها الاقتصاد المحلي واحتياجاته إلا من خلال الاستثمارات الأجنبية، لافتا إلى أن التهديد الذي يشكله الاستثمار الأجنبي للمستثمرين المحليين في المحاسبة «قليل».
وقال: «إن ضوابط المنافسة التي أقرتها وزارة التجارة في هذا الجانب قد ساهمت في رفع قدرة مكاتب المراجعة السعودية على المنافسة، ومع ذلك فإن سوق الاستشارات لا تزال تواجه منافسة كبيرة من الشركات العالمية، والاستثمارات في هذا الجانب أكبر بكثير من تلك الموجهة إلى سوق المراجعة. وأرجع آل عباس السبب هنا إلى أنه يعود إلى نظام الشركات السعودية الذي يمنع مكتب المراجعة من ممارسة الاستشارة للعميل.
الوجود الأجنبي مهم
وعن دخول الشركات الكبرى وتواضع المخرجات التعليمية، وما يشكله من عائق للمنافسة، يقو آل عباس: «إن أكبر مشكلة تواجهنا هي تسارع التقدم في هذا العلم في الخارج مع ضعف وقلة الإنتاج العملي من الكتب سواء العربية أو المترجمة إلى اللغة العربية، كما أن هناك عدم توازن بين مستويات التعليم وتقدمها وبين احتياجات سوق العمل الفعلية لدينا». وأوضح أن دخول الشركات الكبرى سيقدم فرصة لتدريب الكوادر السعودية وهي مهمة الاستثمارات الأجنبية – توطين المعرفة.