الاستشارات الهندسية ستواجه منافسة قوية ما لم تتسلح بالجودة

الاستشارات الهندسية ستواجه منافسة قوية ما لم تتسلح بالجودة

## لا مكان للاستشارات الهندسية الهشة.. المتواضعة فنيا وعلميا

في الحلقة الثالثة من ملف الشهر (الأنشطة المهنية التجارية ومنظمة التجارة العالمية)، يستكمل عاملون في قطاع الاستشارات الهندسية تحليلاتهم لمستقبل القطاع مع تحريره أمام الاستثمار الأجنبي استجابة لمتطلبات انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية.

يتفق المتحدثون في حلقة اليوم، على أن الاستثمار الأجنبي في القطاع سيحدث تأثيرات تنقسم بين الإيجابية والسلبية، ويعتقدون أن البقاء للاستثمار المحلي سيكون للأصلح، فلا مكان للاستثمارات الهشة الصغيرة والضعيفة فنيا وعلميا.

الملف الذي يتناول (الأنشطة المهنية التجارية)، يركز في حلقاته على المكاتب الهندسية والمحاسبية والاستشارات الإدارية وقطاع المحاماة، وهي أنشطة قضت اشتراطات منظمة التجارة العالمية أن تفتح للاستثمار الأجنبي بحصص محددة، تصل في أعلاها إلى 80 في المائة تقريبا في بعض تلك الأنشطة.

واصل المتعاملون في سوق الاستشارات الهندسية في الحلقة الثانية من ملف الشهر الذي تنشره «الاقتصادية» طرح آرائهم حول مدى التأثير الذي سيجلبه انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية على اقتصادياتهم المستقبلية.

واعتبر هؤلاء أن هناك إيجابيات وسلبيات على اقتصاديات الكثير من المهن من جراء هذا الانضمام، ولكن في الوقت نفسه اعتبروا الإيجابيات أكثر من السلبيات، لان من أهم الإيجابيات هو تنوع مداخيل اقتصادياتهم، وخلق فرص استثماريه أكثر، مقارنة بالفرص الاستثمارية المحدودة حاليا، إضافة إيجاد فرص عمل، مما يسهم في تقليل نسبة البطالة، وجعل المملكة من مصاف الدول المتقدمة، وخروجها من دائرة الدول النامية، إلى الحلقة الأقوى وهي مصاف الدول التقدمة.

وأشاروا إلى أن المنافسة ستكون قوية وشرسة، ولكن ذلك سيأخذ وقتا، وأبدوا خشيتهم من أنه خلال الوقت ستخرج من السوق كل الكيانات الهشة الصغيرة والضعيفة فنيا وعلميا.

وقسموا المكاتب الهندسية إلى ثلاثة أنواع، مفندين لكل نوع مدى التأثير الذي سيلحظه من انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، وهل لكل نوع من تلك المكاتب المحلية القدرة على مواجهة المكاتب الأجنبية، معتبرين أن ما نسبته 20 في المائة من تلك المكاتب هي التي لها القدرة والإمكانات التي تسمح لها بمزاحمة المكاتب الأجنبية في كسب الفرص الاستثمارية.

وشددوا على وجوب كسب ثقة المستثمر المحلي قبل المستثمر الأجنبي، لأن في ذلك عامل مهم على تهيئة المستثمر الأجنبي في مد يد التعاون مع المكاتب المحلية، والاستغناء عن الأجنبية.

وأشاروا إلى أن دخول المكاتب الهندسية الأجنبية ليس مطلقا بل مقيد باشتراطات كان للهيئة السعودية للمهندسين الدور الأكبر في فرضها فلا يسمح لتلك المكاتب بممارسة العمل الهندسي المرخص إلا من خلال التحالف و الدخول في شراكات مع مكاتب محلية للمساهمة في الارتقاء بمستوى ممارسة المهنة و نقل التقنية واكتساب الخبرة.

وطالبوا بتذليل العوائق التي تواجه المكاتب الهندسية الاستشارية المحلية كافة والتي من أهمها أن الجهات المسؤولة لم تصدر بروتوكول « منهج « لأدنى أتعاب للخدمات مما يسبب تدني مستوى الخدمة من قبل المكاتب الهندسية أو الاستشارية.

وأوضح المتعاملون في سوق المكاتب الهندسية أن عامل الجودة سيكون العامل المؤثر والجذاب للمستثمرين سواء المحليين أو الأجانب، فمتى ما وجد المكتب ذو السمعة الجيدة من خلال جودة عمله فإنه سيكون مطلبا ملحا من قبل المستثمرين، هذا غير لو أن المكتب حائز على شهادة الآيزو العالمية، والتي سيكون السؤال الأول والأبرز لدى جميع المستثمرين.

## المكاتب الهندسية

يقول المهندس طلال سمرقندي مؤسس ونائب رئيس شعبة العمارة في الهيئة السعودية للمهندسين وعضو لجنة المهندسين في غرفة جدة، عن تأثير انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية: «سيكون له عدداً من السلبيات والإيجابيات»، معتقدا أن الإيجابيات ستكون أفضل وهذا ما لوحظ في السنوات الخمس الأخيرة من تطوير لعدد من الأنظمة المتبعة في المملكة وخصوصاً فيما يتعلق بالتجارة، طامحا في المزيد من التعديلات وخصوصاً فيما يتعلق بتسريع تطبيق أنظمة الحقوق.

وأضاف: أن استجابة الدوائر القضائية والتنفيذية مازالت تسير على الوتيرة القديمة، وتستغرق وقتاً طويلاً لإنهاء أي قضية حقوقية ناهيك عن تنفيذ أحكامها، مطالبا بتفعيل أنظمة احترام الشيكات التجارية ومعاقبة من يقوم بإصدار شيكات دون رصيد. وتعديل أنظمة الكفالات والاستقدام.

وقسم سمرقندي المكاتب الهندسية إلى ثلاثة أقسام من الناحية الفنية وهي المكاتب الهندسية المحترفة والتي يمكنها العمل في أي مكان في العالم وهذه لا تتجاوز نسبتها 5 في المائة من عدد المكاتب العاملة في المملكة، والمكاتب الهندسية المتوسطة الاحتراف وهذه المكاتب لا تتجاوز نسبتها 20 في المائة من عدد المكاتب العاملة في المملكة وهاتان الفئتان من المكاتب يمكن للمستثمر الأجنبي أن يثق بهما ويتعامل معها، أما باقي المكاتب فهي في الوضع الحالي لا يمكن الاعتماد عليها محلياً فكيف يعتمد عليها المستثمر الأجنبي.

هذا من الناحية الفنية فما بالك من النواحي التجارية الأخرى؟!

وقال سمرقندي: «إن دخول المكاتب الهندسية الأجنبية سيكون له تأثير كبير في المكاتب المحلية ولا أعتقد أنه سيكون هنالك مجال للتنافس بل إن المكاتب الأجنبية ستقوم بالقضاء على المكاتب المحلية ما لم تقوم بتصحيح مستوياتها الفنية.

والتنافس قد يكون موجودا بين المكاتب الجيدة سواء كانت أجنبية أم سعودية».

واقترح مؤسس ونائب رئيس شعبة العمارة في الهيئة السعودية للمهندسين الاهتمام بتغيير نوعية التعليم الهندسي بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل، وغرس مبادئ الدين الإسلامي في التجارة مثل الالتزام، المصداقية، التعامل، حفظ الحقوق، وتحسين وتطوير المهندس الفرد من خلال التدريب والتعليم المستمر، والتغيير الجذري في طريقة مراجعة وتصديق الناتج الهندسي من المكاتب بحيث يركز على المستوى الفني وليس التنظيمات الفراغية فقط.

وقال: «لا يوجد حالياً أي مراجعة فنية حاليا للمخططات الإنشائية والصحية والكهربائية والتكييف، وتغيير أنظمة فتح المكاتب الهندسية والعمل الهندسي وفتح المجال أمام جميع المهندسين للعمل الفني حتى لا تقتل إمكاناتهم الفنية خلف المكاتب والوظائف الإدارية، وخصوصاً في هذا الوقت الذي تمر فيه المملكة بطفرة عمرانية كبيرة إذا لم نستغلها في تطوير وتنمية إمكاناتنا سنندم عليها، وتفعيل أنظمة العقاب حيث إن القليل من أصحاب المكاتب لا يهتم إلا إذا كان هنالك عقاب رادع،واستحداث أنظمة ووسائل للثواب والتكريم والتحفيز للمبدعين والمتميزين.

وأضاف سمر قندي: «هنالك أضرار كبيرة يتركز معظمها في آلية فتح المكاتب وعملها. حيث إنها غير مشجعة في الوقت الذي يعاني فيه السوق السعودي قلة عدد المتخصصين السعوديين نجد أن أنظمة فتح المكاتب والعمل الفني تحجم الإقبال على ذلك وسنجد أن نسبة كبيرة من المهندسين السعوديين تحولت خبراتهم إلى خبرات إدارية،أما بالنسبة للحلول فأرى أن يتم فتح المجال أمام جميع المهندسين السعوديين للعمل الاحترافي المهني مع وضع الضوابط طبعاً وذلك حتى لا يستفيد الأجانب من الطفرة التي نعيشها وينقلون خبراتهم لأوطانهم».

## ثقة المستثمر الأجنبي

من جهته شدد المهندس أنس صيرفي نائب رئيس لجنة المكاتب الهندسية في غرفة جدة، على أهمية كسب ثقة المستثمر المحلي أولا قبل الأجنبي والمسألة أيضا مسألة إمكانات ومؤهلات وخبرات متى ما توافرت وتوافر معها الالتزام لدى المكتب الوطني فسيكون بالتأكيد الخيار الأفضل للمستثمر.

وعدّ دخول المكاتب الهندسية الأجنبية ليس مطلقا بل مقيد باشتراطات كان للهيئة السعودية للمهندسين الدور الأكبر في فرضها فلا يسمح لتلك المكاتب بممارسة العمل الهندسي المرخص إلا من خلال التحالف و الدخول في شراكات مع مكاتب محلية للمساهمة في الارتقاء بمستوى ممارسة المهنة و نقل التقنية واكتساب الخبرة.

واقترح صيرفي تكوين تحالفات وشركات هندسية كبرى تجمع بين الإمكانات البشرية والمادية و التقنية في تخصصات محددة وليس كما هو قائم حاليا من محاولة عمل كل شيء تحت سقف واحد و الأساس ضعيف فيكون الناتج كذلك.

وقدر نائب رئيس لجنة المكاتب الهندسية في غرفة جدة نسبة الاستثمارات الهندسية في المملكة بأنها قد تصل إلى 6 في المائة لخدمات التصميم والإشراف، وتقدر إجماليا بمئات الملايين، آملا أن يكون للمكاتب الوطنية النصيب الأوفى منها.

## بروتوكول أتعاب المكاتب

ومن جهة أخرى أشار المهندس يوسف باعشن عضو لجنة المهندسين إلى أنه سيكون هناك تأثير إيجابي لانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية بسبب المنافسة التي لا تعرف الحدود الوطنية وتدفق المنتجات والأموال وتبادل الخبرات في عديد من المجالات، مشيرا إلى أن المكاتب الهندسية لديها مستوى المعرفة والكفاءة والخبرة خصوصا فيما يتعلق بالبيئة المحلية الأمر الذي يجعل المستثمر يثق بها والدليل على ذلك أن هناك مشاريع برأسمال مشترك مع مؤسسات أجنبية نقوم بتصميمها ودراستها محليا وبشكل يرضي الشريك الأجنبي.

وأضاف باعشن: أن من أهم التأثيرات المباشرة لدخول المكاتب الاستشارية الهندسية على النمو المهني وعلى اقتصاد المكاتب الاستشارية والهندسية المحلية بسبب ارتفاع أسعار المكاتب الأجنبية نتيجة تكاليفهم العالية جدا، معتبرا أن المكاتب الاستشارية الهندسية المحلية لها القدرات المهنية لمواجهة المنافسة ولو أن التعاون مع المكاتب الأجنبية يخدم لمصلحة طرفي المنافسة.

وقال عضو لجنة المكاتب الهندسية في غرفة جدة: «هناك عوائق وضرر في كل المهن،أما بالنسبة فيما يتعلق بمجال المكاتب الهندسية في السعودية فإن من أهم العوائق هو أن الجهات المسؤولة لم تصدر بروتوكول (منهج) لأدنى أتعاب للخدمات مما يسبب تدني مستوى الخدمة من قبل المكاتب الهندسية أو الاستشارية».

## الجودة بين المحلية والأجنبية

من ناحيته علق المهندس يحيى الجفري عضو لجنة المكاتب الهندسية في غرفة مكة على التأثيرات التي يجلبها انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية في المهن المحلية عامة والمكاتب الهندسية الاستشارية خاصة: «من المفترض نظريا أن يولد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية حافزا قويا لجميع مجالات القطاع الخاص للارتقاء بمستواها الفني والعلمي والتسويقي، حيث إن المنافسة ستكون قوية وشرسة، ولكن ذلك سيأخذ وقتا، والذي أخشاه أنه خلال الوقت ستخرج من السوق كل الكيانات» الهشة» الصغيرة والضعيفة فنيا وعلميا».

وأضاف الجفري: أن الغرب قد أعدوا العدة لهذا الاكتساح من حيث سن القوانين وأنظمة ومواصفات ومقاييس لتطوير كياناتها متمثلة في هيئات ومنظمات مدنية، معتبرا أن هذا الشيء حق مشروع، ضاربا مثلا أن الدول الغربية أنشأت منظمة التوصيف القياسي العالمي والمعروف بــ lso وذلك لضبط إدارة جودة المنشآت ومن ثم المنتج لمصلحة المستهلك، وتسهيل التبادل بينهم، والحماية من السوق الخارجية، وتسهيل تبادل البضائع والخدمات بين الدول وتنمية التعاون في الميادين الثقافية والعلمية والتقنية والاقتصادية.

واعتبر عضو لجنة المكاتب الهندسية أن التحرك على المستوى المحلي للاستعداد لهذه الخطوة غير كاف حيث يجب توعية القطاع الخاص بخطورة وجدية المرحلة المقبلة وتبعياتها، من حيث الحث على التكتلات، والاندماجات، والاتحادات، والتطوير، والاستعداد فنيا وعلميا واقتصاديا وتسويقيا.

وأبان الجفري أن وجود بنود في بعض المواصفات تعطي الأولوية إلى التعاقد مع من هو حاصل على الشهادة على سبيل المثال شهادة iso» للتعاقد مع طرف ثاني أو ثالث حاصل على تلك الشهادة، وتأسف على أنه لم يتم توعية القطاع الخاص إلى مثل هذه الأمور عن تفصيل الاتفاقية والذي يريد أن يحصل على الشهادة سيستغرق الكثير والكثير من الوقت بما يقارب السنة أو السنتين لكمل المطلوب منه ويحصل على الشهادة وبذلك تكون قد «طارت الطيور بأرزاقها»

وعن قدرة المكاتب الهندسية المحلية للتنافس مع المكاتب الأجنبية قال الجفري «توجد مكاتب هندسية في المملكة تمتلك الخبرات والإمكانات التي تجعل المستثمر الأجنبي يثق بها ولكنها بنظري قليلة جدا بالنسبة لحجم المملكة وكذلك عدد المهندسين في المملكة بالنسبة إلى عدد السكان يعد قليلا مقارنة بالدول العربية الأخرى، وعلى سبيل المثال تحديدا في مكة المكرمة يوجد ما يقارب 80 مكتبا هندسيا لا أعتقد أن أكثر من 10 في المائة منها يمكنها المنافسة».

معتبرا أن السيطرة ستكون مطلقة للمكاتب الأجنبية نظرا للخبرات والإمكانات المعروفة عنها.

وعن المقترحات التي تجعل المكاتب المحلية تمتلك سلاح التفوق على المكاتب الأجنبية، اقترح الجفري أن تكون هناك تكتلات بين المكاتب المحلية، إضافة إلى التوعية بما هو قادم ومعرفة تبعياته والقادم هو الاتفاقية التي يجب نشر بنودها ومعرفة الجميع ما له وما عليه، والدخول في المنظمات والحصول على الشهادات المعتمدة، التخلص من مكاتب الشنطة والتي تنتشر وأضرارها أكثر من منفعتها، إضافة إلى مقترح بإنشاء نقابة للمهندسين أسوة بالنقابات التي تنتشر في بعض البلدان الأخرى والتي تحمي حقوق المهندسين وتعنى بجميع متطلباتهم، وكذلك التسريع باعتماد الكود الخاص بالمملكة، وإنشاء جهة متخصصة للتحكيم الهندسي متمكنة ومهيأة» فنيا وتقنيا»، وتفعيل العمل بالعقود العالمية المعتمدة مثل» عقود فيديك».

وأضاف الجفري أن الاتفاقيات العالمية لتحرير التجارة تشترط احترام المواصفات العالمية وعدم التعامل مع الأطراف التي لا تحترم هذه المواصفات، وبعضها يذهب إلى أبعد من ذلك من حيث إعطاء الأولوية أو فرض التعامل مع من يحترم هذه المواصفات.

وأشار الجفري إلى أن المكاتب المحلية تعاني بعض الأضرار والتي منها التفاف من قبل بعض الشركات التي لديها تصريح استثمار على المكاتب الهندسية حيث تقوم بعملها، إضافة إلى عدم وضوح الأسعار وتفاوتها مما يسهم في انتشار العمل الرديء المتمثلة في عمل مكاتب الشنطة، كذلك لا يوجد جهة تحمي المهنة مع الاحترام للكيانات الموجودة حاليا في الساحة.

الأكثر قراءة