"هزة ارتدادية" للأزمة العالمية تتراجع بالقروض التجارية للبنوك المحلية
تراجعت القروض المقدمة من البنوك السعودية إلى القطاع الخاص، للشهر الثالث على التوالي، في أيار (مايو)، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ آب (أغسطس) ، وسط مخاوف متصاعدة بشأن سلامة المراكز المالية لبعض الشركات المملوكة عائليا، وهو ما وصفه مراقبون بهزة ارتدادية للأزمة العالمية على السوق المحلية.
وبحسب أرقام مؤسسة النقد العربي السعودي بلغت مطلوبات البنوك على القطاع الخاص 724.87 مليار ريال، في أيار (مايو) مسجلة بذلك أشد تراجع لها على أساس شهري منذ كانون الثاني (يناير)، ومقارنة بمستواها في أيار(مايو) 2008 ارتفعت مطلوبات البنوك على القطاع الخاص 7.6 في المائة، وهو مستوى قياسي منخفض هذا العام.
وبلغ معدل النمو السنوي للمعروض النقدي ''ن 3'' وهو المقياس الأوسع نطاقا للنقد المتداول في الاقتصاد 16.9 في المائة في أيار (مايو) ، انخفاضا من 18.3 في المائة في نيسان(أبريل).
وهنا أرجع اقتصاديون سعوديون في حديث لـ''الاقتصادية'' أسباب تراجع القروض البنكية للقطاع الخاص في المملكة إلى الظروف الحرجة التي يمر بها القطاع المصرفي السعودي، والتي يتصدرها في هذه الفترة بحسب الاقتصاديين تعثر بعض المؤسسات الخاصة في سداد قروضها وتداول المصارف لمصطلح '' قسمة الغرماء''.
#2#
الدكتور عبد العزيز الغدير ، اقتصادي سعودي يؤكد أن تعثر بعض الشركات العائلية ( سعد والقصيبي) خلال الشهرين الأخيرين في سداد قروضها البنكية أشاع خوف البنوك من '' قسمة الغرماء'' والتي تعني أن بعض المقترضين تكون أصوله أقل بكثير من حجم قروضه، وعلى هذا الأساس يمكن أن يكون سدادها بشكل كامل غير ممكن.
وأوضح الغدير أن تراجع حجم القروض البنكية لقطاع الأعمال والتجارة يعود لثلاثة أسباب رئيسية الأول منها أن الجزء المخصص من البنوك للإقراض التجاري تم استهلاكه، مشيرا إلى أن المرحلة الراهنة لا تساعد على زيادته، خصوصا أن النمو الاقتصادي لا يوازي نمو الودائع في البنوك.
وأضاف'' السبب الثاني يتمثل في بروز مشكلة ''قسمة الغرماء'' والتي أستطيع أن أسميها تسونامي أو '' هزة ارتدادية للأزمة العالمية''، حيث تتعثر بعض الشركات المحلية في سداد التزامات ضخمة من القروض''.
وبين الدكتور الغدير أن هناك سببا آخر هو دليل على أن هناك تراجعا في حجم القروض البنكية للقطاع الخاص والمتمثل في التعجل القائم لتداول الصكوك في السوق السعودية.
وزاد'' يعد ذلك إشارة واضحة من الجهات الرسمية أن هناك نقصا في التمويل البنكي ما دفعهم لإقرار سوق لتداول أدوات أخرى من التمويل بغية تشجيع الشركات للاستعانة بها على تنفيذ أعمالهم ، ولعل ما حدث لشركة جبل عمر مثال جيد هنا''.
#3#
من ناحيته، قال سعد العجلان رئيس اللجنة التجارية في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، إن حالة الجمود في الائتمان الذي تقدمه البنوك لا يحتاج إلى تقارير رسمية، إذ إن كثيرا من رجال الأعمال شعروا بأن هناك صعوبة كبيرة في الحصول على التمويلات اللازمة لتجارتهم.
وأوضح العجلان أن اللجنة التجارية تقدمت بطلب لعقد اجتماع مع المصارف المحلية بهدف بحث المشكلة ومساعدة الطرفين على تجاوز الأزمة التي أكد أنها يمكن أن تؤثر في الدورة الاقتصادية في البلاد وفي مستويات أسعار السلع والبضائع في السوق المحلية نتيجة لتراجع المخزون ما يعني مزيدا من التضخم.
وقال'' لا يعني هذا تحميل البنوك المسئولية فنحن نعلم حجم الظروف التي تمر بها، ولكن يمكن من خلال التعاون بين الجهات الحكومية والمصارف والقطاع الخاص الوقوف على بعض الحلول المؤقتة والتي منها اقتراحنا بتأسيس صندوق تمويل للسلع الأساسية يكون بضمان الحكومة''.
ودعا العجلان البنوك المحلية إلى أهمية إعادة النظر في قرارها المتعلق بتراجع المعدلات التمويلية للقطاع التجاري الذي ظهر بعد الأزمة المالية العالمية، مشيداً في الوقت ذاته بالسياسة النقدية في المملكة التي تقوم على التحفظ والتركيز على التمويل الداخلي وفي ظل توقعات التقارير المالية بزيادة السيولة في البنوك المحلية خلال الفترة ما بين ستة إلى 12 شهراً.
وقال العجلان'' إن توقعات التقارير الاقتصادية تشير إلى نمو الإنفاق الحكومي في السعودية بنسبة 14 في المائة في ظل وصول برميل النفط إلى 70 دولاراً ، في حين أن نقطة التسعير 57 دولاراً، وسعر البرميل تجاوز حاجز 72 دولاراً، وهذا مؤشر جيد نمو الاقتصاد السعودي''.
وفي هذا الصدد سعت مؤسسة النقد إلى تعزيز مستويات الإقراض عندما عمدت في 16 حزيران (يونيو) الجاري إلى خفض سعر إعادة الشراء (الريبو) العكسي - الذي يدفعه على ودائع البنوك التجارية - إلى النصف بعد تصاعد المخاوف بشأن تعرض البنوك لمجموعتين سعوديتين متعثرتين.
وأبقت السعودية التي تربط عملتها بالدولار سعر إعادة الشراء القياسي دون تغيير عند 2 في المائة، وتظهر بيانات مؤسسة النقد أنه بعد خفض سعر إعادة الشراء العكسي نما (ن3) 0.42 في المائة فحسب على مدى الأسبوع المنتهي في 18 يونيو مقارنة بنمو بلغ 1.43 في المائة في الأسبوع المنتهي يوم 11 حزيران (يونيو).
وسلطت مشكلات الشركتين الضوء على تنامي المخاطر في منطقة الخليج التي تأثرت سلبا بالأزمة المالية رغم صادراتها من الطاقة ومدخراتها المحفوظة لدى صناديق سيادية.
وتراجع صافي الموجودات الأجنبية للبنك المركزي 1.1 في المائة في مايو عنه في أبريل مواصلا انخفاضه للشهر السادس على التوالي ليصل إلى 483ر1 تريليون ريال وهو أدنى مستوى له منذ حزيران (يونيو)2008.
وتأتي تلك البيانات بعد أن عادت مستويات التضخم في السوق السعودية للنمو مرة أخرى بعد فترة هدوء وتراجع استمرت نحو سبعة أشهر، إذ أظهرت بيانات رسمية صدرت الأسبوع الماضي ارتفاع معدل التضخم السنوي في السعودية للمرة الأولى منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 ليصل إلى 5.5 في المائة في أيار (مايو) الماضي، مرتفعا من معدله في نيسان (أبريل) الماضي عند 5.2 في المائة.
وقالت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في تقريرها الجديد، إن مؤشر الرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة سجل 121.3 نقطة في 31 أيار (مايو) مقارنة بـ 115 نقطة قبل عام، سجّل مؤشر الرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة لأيار (مايو) الماضي ارتفاعا بنسبة 0.1 في المائة قياسا بما كان عليه في نيسان (أبريل) 2009.
يذكر أن ''الاقتصادية'' نشرت قبل أسبوع تقريرا أوضحت فيه أن اللجنة التجارية في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض أوصت برفع خطاب إلى وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف حول تراجع التمويل التجاري من البنوك والمصارف المحلية للسلع والبضائع المستوردة التي تسهم في سد حاجات المجتمع من السلع والخدمات التي لا تصنع محلياً.
وأوضح العجلان حينها أن اللجنة درست قضية التمويل باستفاضة، وتوصلت لهذه التوصية، مشيراً إلى رغبة اللجنة في عقد لقاء مع بعض مسؤولي البنوك لتبادل وجهات النظر حول هذه القضية والوصول إلى صيغة وآلية ترضي الطرفين.
ويأتي هذا التحرك من اللجنة التجارية وسط كشف مؤسسة النقد العربي السعودي لبيانات القطاع المصرفي التي أظهرت ارتفاع رأسمال واحتياطيات المصارف التجارية من 175.4 مليار ريال في آذار (مارس) إلى 177.7 مليار ريال في نهاية نيسان (أبريل) الماضي أي بنسبة نمو بلغت 1.3 في المائة، إلى جانب نمو صافي موجودات البنوك السعودية في المصارف الأجنبية من 76.1 مليار ريال في آذار (مارس) إلى 83.2 مليار ريال في نهاية نيسان (أبريل) الماضي أي بنسبة نمو بلغت 9.3 في المائة.
وتظهر بيانات مؤسسة النقد نمو إجمالي ربحية البنوك السعودية خلال الأشهر الأربعة من العام الجاري لتصل إلى 11.326 مليار ريال بنهاية نيسان (أبريل) الماضي، ويتضح أن الزيادة في الأرباح بلغت 3.081 مليار ريال وهي مرتفعة عن الأرباح المحققة في آذار (مارس) والبالغة 2.1 مليار ريال.
وحول استثمارات البنوك السعودية في الخارج فقد سجلت البيانات نموا ملحوظا، حيث ارتفعت من 71.5 مليار ريال في آذار (مارس) الماضي إلى 76.1 مليار ريال في نيسان (أبريل)، أي بنسبة نمو 6.4 في المائة.
وكانت هذه الاستثمارات قد وصلت إلى ذروتها في نهاية آب (أغسطس) 2007 حيث بلغت 97.7 مليار ريال. معلوم أن استثمارات البنوك السعودية في الخارج وصلت إلى أدنى مستوى في آذار (مارس) 2008 وسجلت 2.6 مليار ريال وهو الأدنى منذ 1975.
وبتحليل الائتمان المصرفي حسب الآجال (القطاعين الخاص والعام) خلال نيسان (أبريل) بحسب بيانات المؤسسة، يلاحظ ارتفاع الائتمان المصرفي طويل الأجل من 160.4 مليار ريال بنهاية آذار (مارس) إلى 164.3 مليار ريال بنهاية نيسان (أبريل)، كذلك ارتفاع الائتمان المصرفي متوسط الأجل من 97.8 مليار ريال بنهاية آذار (مارس) الماضي إلى 100.9 مليار ريال بنهاية نيسان (أبريل)، فيما تراجع الائتمان المصرفي قصير الأجل من 480.8 مليار ريال بنهاية آذار (مارس) إلى 473.4 مليار ريال بنهاية نيسان (أبريل).