العلاقات الصينية الأمريكية: أزمة حول جوانتانامو
تعد العلاقات بين الصين والولايات المتحدة على مستوى من التعقيد والتداخل لدرجة يمكن معها للسياسات الأمريكية التي تنبع من قضايا محلية محضة أن تؤثر في العلاقات الأمريكية ـ الصينية. ومن الأمثلة على ذلك الأمر الذي أصدره الرئيس باراك أوباما بعد يومين من توليه منصبه بإغلاق مرافق الاعتقال الموجودة في خليج جوانتانامو.
لقد كانت مسألة إغلاق معسكر الاعتقال في جوانتانامو موضوع جدال في الولايات المتحدة. فقد قامت إدارة بوش بنقل السجناء الذين ألقي القبض عليهم في أفغانستان إلى جوانتانامو وأكدت أن المعتقلين الذين تم تصنيفهم كأعداء مقاتلين ليس لهم الحق في أي نوع من الحماية التي توفرها معاهدات جنيف.
وبعد غزو العراق في عام 2003، استولى الأمريكيون على سجن أبو غريب الذي وضعوا فيه الأشخاص الذين يشتبه في أنهم إرهابيون. وفي أوائل عام 2004، انتشرت أنباء عن تعرض السجناء لعمليات تعذيب جسدي ونفسي وللاعتداءات الجنسية. فقد ظهرت صور فوتوغرافية تظهر السجناء مكدسين فوق بعضهم بعضا، وأظهرتهم صور أخرى وهم يتعرضون للتهديد بإطلاق كلاب الحراسة عليهم.
لقد أصبح كل من سجن أبو غريب ومعتقل جوانتانامو مرادفين لتعذيب السجناء وسوء معاملتهم، ما أدى إلى تراجع سلطة أمريكا الأخلاقية. يشار إلى أنه تم إغلاق سجن أبو غريب في عام 2006.
ومن أجل استعادة صورة أمريكا الدولية، طالب العديدون بإغلاق مرافق الاعتقال في جوانتانامو. وقد دعا إلى ذلك المرشحان للرئاسة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وبموجب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس أوباما، ينبغي أن يتم إغلاق معتقل جوانتانامو بتاريخ 22 كانون الثاني (يناير) 2010.
ويعني هذا أنه يتعين إطلاق سراح السجناء القابعين فيه وعددهم نحو 245 سجيناً أو نقلهم منه. وبالنسبة للولايات المتحدة نفسها، فليس لديها الاستعداد لاستقبال أي منهم، حتى أولئك الذين تعد أنهم لم يعودوا يشكلون تهديداً لها.
وكان بين هؤلاء السجناء 17 شخصاً من مواطني الصين، وهم مسلمون من جماعة عرقية تركية تعرف باسم الويجوريين يعيشون في مقاطعة زنجيانج في غرب الصين.
وكان هؤلاء الويجوريون الـ 17 من بين 22 شخصاً أسرتهم القوات الأمريكية في أفغانستان وباكستان في عام 2001 وتم إرسالهم إلى جوانتانامو. وبعد سنوات من السجن، قررت حكومة الولايات المتحدة أن هؤلاء الويجوريون ليسوا أعداء مقاتلين وبرأت ساحتهم من أجل الإفراج عنهم.
غير أن الولايات المتحدة لا تريد أن تستقبلهم وهي ترفض خيار إعادتهم إلى الصين خشية أن يتعرضوا للاضطهاد. ولذلك اضطرت واشنطن أن تطلب من بلدان أخرى أن تستقبلهم.
في عام 2001، استقبلت ألبانيا خمسة منهم. وشجبت بكين عملية نقلهم هذه باعتبارها خرقاً للقانون الدولي قائلة إنه كان يتعين أن تتم إعادتهم إلى الصين. ولهذا السبب، ظلت مشكلة الويجوريين الـ 17 المتبقين دون حل.
وفي حين أنه يتعين إطلاق جميع معتقلي جوانتانامو أو نقلهم بحلول كانون الثاني (يناير) 2010، فإن هناك موعداً آخر فيما يتعلق بالويجوريين.
والسبب في ذلك هو أن هؤلاء الأشخاص رفعوا قضية إلى المحكمة. ففي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أصدر قاضي إحدى محاكم المقاطعات في الولايات المتحدة حكماً بوجوب إطلاق سراحهم في الولايات المتحدة. وقد تم إبطال ذلك الحكم من قبل إحدى محاكم الاستئناف. غير أن محامي هؤلاء السجناء يريد أخذ قضيتهم إلى المحكمة العليا الأمريكية.
ومن المقرر أن تنظر المحكمة في هذه القضية بتاريخ 25 حزيران (يونيو) الحالي. ومن الواضح أن إدارة أوباما لا تريد أن تجازف لترى ما الذي ستقرره المحكمة وهي ترغب في حل هذا الموضوع قبل ذلك التاريخ.
وفي الوقت نفسه، تستمر الصين في المطالبة بأن تتم إعادة الويجوريين الذين تعتبرهم إرهابيين مشبوهين إلى وطنهم وتمارس بكين أيضاً الضغط على البلدان الأخرى لكي لا تستقبلهم.
وفي يوم الأربعاء الماضي، أعلنت واشنطن فجأة أنه تمت إعادة توطين أربعة من الويجوريين في جزيرة برمودا. ولكن برمودا أرض بريطانية، وتم اتخاذ هذا القرار من دون علم لندن. ومن غير الواضح ما إذا كانت بريطانيا ستسمح لهم بالبقاء على أراضيها.
وفي الوقت نفسه، ظلت واشنطن تلح على أهل بالاو وهي جزيرة في المحيط الهادئ وكانت تابعة للولايات المتحدة في السابق، حتى أقنعتهم باستقبال الـ 13 المتبقين منهم. يشار إلى أن جزيرة بالاو التي تعترف بتايوان ليس لها علاقات دبلوماسية مع بكين، وعليه فإنها أقل عرضة للضغط الصيني.
هذا ما وصلت إليه الأمور حتى هذه اللحظة. ومن غير الواضح ما الذي سيفعله الويجوريون الذين كانوا يعيشون في منطقة صحراوية وجبلية في بلدهم، في جزيرة بالاو الاستوائية التي تشتهر بشواطئها الجميلة وبرياضة السنوركلنغ (التنفس أثناء السباحة تحت الماء بواسطة أبنوب أو خرطوم طويل).
ولكنهم على الأقل لن يعودوا يشكلون مشكلة حية بين الولايات المتحدة والصين - إلى أن يحدث شيء آخر. وفي حين أن الصين تصر على مبادئ السيادة والوحدة الوطنية، إلا أنها تتعامل بشكل براجماتي مع الأمور.
ولكن هناك مسائل أخرى ستظل دونما شك تفجر وتسمم العلاقات الأمريكية ـ الصينية، حتى القضايا التي يبدو ظاهرياً أن لا علاقة لها بالصين. والسبب في ذلك هو أن العلاقات بين البلدين تشمل جميع مجالات الحياة التي تخطر على البال، ولا تقتصر على السياسة والاقتصاد.