العملة الموحدة ستلحق الخليجيين "دون وسيط" بعجلة الاقتصاد العالمي
أكد أن المفاجآت السلبية والتداعيات السيئة للأزمة المالية العالمية التي اندلعت في النصف الثاني من 2008 لم تنته بعد، وأن العالم في حاجة إلى أربع سنوات على الأقل للشروع في الحديث عن تجاوزها، وحذر من الثقة المفرطة لبعض الدول والأسواق العالمية التي تدعي أنها نجت أو تجنبت تداعيات هذه الأزمة.
ثم يقول "سيسجل التاريخ هذه الأزمة في ذاكرته كأسوأ أزمة نقدية وتنظيمية عرفها الإنسان" عرابها الأول ـ على حد قوله ـ ألان جرينسبان، ومحركها الرئيس الجشع والطمع في ظل رقابة ضعيفة وقوانين هشه.
الحديث هنا للبرفيسور نوربرت والتر، كبير الاقتصاديين في "دويتشيه بنك"، ورئيس مركز الأبحاث في البنك في حوار أجرته معه "الاقتصادية" خلال زيارته الرياض الشهر الماضي، الذي أكد فيه أيضا أن الاتحاد النقدي الخليجي خطوة ذكية وجبارة من دول لها ثقلها في الاقتصاد العالمي على اعتبار أنها مخزن العالم النفطي، إلى جانب النشاط التجاري والمالي القائم في المنطقة بفعل سيولتها الضخمة.
وأضاف"إن إدارة هذه القدرات بصورة مشتركة وأكثر توحدا سيساعد دول الخليج على النمو أكثر والالتصاق بالنظام المالي والتجاري العالمي دون "وسيط".. وإليكم بقية تفاصيل الحوار:
#2#
هل وصلنا إلى قاع الأزمة المالية، بمعنى هل انتهت مفاجآت الأزمة عالميا؟
أعتقد أن هناك مزيدا من المفاجآت السلبية، ولكن هذا يعتمد على معدل التنمية الاقتصادي، فالاقتصاد الحقيقي يعتمد في حقيقة الأمر على معدل صرف الأفراد، فإذا تأثر معدل صرف الأفراد على اختلاف طبقاتهم، فإنه بطبيعة الحال سيتأثر القطاع الاقتصادي بأكمله، وفي واقع الأمر نحن لسنا في نهاية الموسم الذي نتوقع فيه أن يكون هنالك أي ازدهار في المبيعات مع العملاء كما كان الأمر خلال السنوات القليلة الماضية، لذا فإني أتوقع أن تكون هنالك مفاجآت سلبية جديدة بسبب العجز الحاصل في الاقتصاد العالمي.
ولكن يبقى المعدل السلبي متفاوتاً من دولة لأخرى، بحسب متانة اقتصادها، ومعدل صرفها الحكومي، ودعمها لاقتصادها، فهنا ستختلف المعايير والمعدلات السلبية من بلد لآخر.
ودعني هنا أضيف أمرا مهما وهو أن الأخبار السيئة من الدول النامية لم تصل بعد، وهذا لا يعني أنها في مأمن, بل هناك مخاطر من أن يتوقف النمو في بعضها، خصوصا تلك التي كانت مرتبطة بالاقتصاد العالمي بشكل مباشر عبر الخدمات المالية أو تلقيها المساعدات، .. إذ الواقع يؤكد أننا لم نبلغ نهاية النفق بعد، فالمشكلة ليست في الولايات المتحدة وحدها.. دبي, أستراليا, إسبانيا, وإيرلندا أمثلة أولية على عمق الأزمة ...
ولكي نقف على بداية المشكلة التي أشدد على أنها ليست حصرا على أمريكا مع أنها من أشد المتضررين فإن الأسباب التي أشعلتها هناك موجودة في أسواق أخرى, فالمشكلة التي بدأت في أمريكا بدافع الجشع والطمع لبعض موظفي البنوك الاستثمارية الذين استطاعوا في السنوات الماضية تعليب قروض الإسكان بطريقة فنية معقدة وبيعها في داخل أمريكا وخارجها وهو ما تولد عنه المشكلة المعروفة بقضية القروض العقارية، وأيضا ضعف أنظمة الرقابة والمسؤولين المراقبين وضعف الإجراءات والأنظمة والوسائل الرقابية وغيابها تماما في كثير من الأوقات موجودة في أسواق أخرى ظهر بعض تداعيات بعضها واختفى الآخر.
هنالك دول كثيرة في العالم تعتمد في اقتصادها على البنوك أكثر من أي قطاع آخر، فعندما تتأثر البنوك فإن هذه الدول ستتأثر بطبيعة الحال، كسويسرا وبريطانيا وأمريكا وغيرها، ولهذه الأسباب يمر العالم بأزمة خانقة بسبب تقليص العمليات البنكية، وبالتالي أصبح هناك قصور في أرباح المطاعم والمعارض الفنية وجميع أشكال الحياة المعتمدة على المال.
إذ هنالك دول تعاملت بذكاء مع الأزمة مثل سنغافورة، بينما هناك دول ضربتها الأزمة بقوة كألمانيا، واليابان لأنهم لم يتوقعوا بأن هذه الأزمة ستحدث بالفعل، فبعض مديري الشركات في هذه الدول ظنوا أن هذه الأزمة لن تأتي بهذه السرعة.
أنت هنا تتحدث عن العام الجاري.. ولكن هل يمكن قراءة الوضع الاقتصادي العالمي في 2010؟
في البداية يجب معرفة أمر مهم، وهو أن مسألة التنبؤات على المنظور القريب أي في عام 2009 غير واضحة بشكل يجعلنا نتيقن بأن الاقتصاد في انهيار تام، بل ما زالت المؤشرات تأتي وتذهب، وللأسف أكثر هذه المؤشرات سلبية، إضافة إلى أننا حتى الآن لم نستمع إلى جميع الأنباء السيئة التي ستغمرنا خلال 2009، فما زال العام في منتصفه والأخبار والمؤشرات السلبية ما زالت تتوالى.
أما إذا جاء الحديث عن عام 2010، فكما قلت إن الصورة ما زالت باهتة وغير واضحة لأي كان، ولكني مؤمن تمام الإيمان بأن الحكومات العالمية ما زالت تعمل وتبذل جهوداً جبارة للنهوض باقتصادياتها من هذا الركود الذي دق الكثير من بقاع العالم، لذلك أعود وأقول إن النتائج والتوقعات للاقتصاد العالمي على المنظور البعيد سيعتمد كثيراً على المنظور القريب، فإذا لم تتحسن الأحوال بشكل ملحوظ، وإعطاء مؤشرات إيجابية مطلع العام المقبل، فإن الاقتصاد العالمي بالتالي سيعاني كثيراً، ولن يتعافى حتى في عام 2011، أو من الممكن أن يكون أطول من ذلك.
فالأزمة موجودة في أنحاء العالم كافة، وبعض الدول بدأت في الدخول فعلياً إلى مرحلة الركود كالدول الأوروبية، وأن هذه الأزمة تعتبر الأضخم والأكبر التي سيسجلها التاريخ في سجلاته كأكبر أزمة نقدية وتنظيمية، وللخروج من هذه الأزمة بطبيعة الحال سيأخذ الوقت الكثير والجهد الكبير، فهذه الأزمة ليست منحصرة داخل الولايات المتحدة، بل وتعدت ذلك إلى كثير من الدول، لذا أقول إنه ما زال حتى الآن من الصعب التنبؤ بالمستقبل.
فقمة الانتعاش الذي عاشه الاقتصاد العالمي كان في الفترة من 2003 وحتى نهاية 2007، ولا أعتقد أن الاقتصاد العالمي سيعود على ما كان عليه في هذه الأعوام الأربعة، أو على الأقل سيطول الانتظار.
فتوقعات خبراء الاقتصاد تقول إن الناتج المحلي الأمريكي سيتقلص بما نسبته 3.5 في المائة وفي أوروبا 5 في المائة، وذلك على أقل تقدير في عام 2009، أما بالنسبة للصين، فإن معدل نموها لن يتخطى 7 في المائة أما اليابان فستنمو بشكل ضئيل جداً، وأوروبا سيراوح معدل النمو فيها بين 1 و2 في المائة, أتوقع أنه إذا اتبع العالم سياسات الرئيس الأمريكي الجديد فإنه سيكون هنالك تعاف في عام 2011، ولكني أخشى أن يعود إلى الساحة كثير من "الاقتصاديين الشباب" والذين ليس لديهم خبرة كافية في إدارة دفة الاقتصاد.
سيكون هناك هبوط اقتصادي عنيف عام 2010 وليس في نهايته إن لم تتخذ الإجراءات اللازمة والعاجلة ذات التأثير الحاسم، والتي تلبي المطالب الحكومية، ويجب على الدول التي لا تحتاج إلى أخذ الإذن من البرلمان أن تبادر في إجراءاتها الحاسمة، كالصين مثلاً، لذلك يعتقد المحاضر أن التعافي الاقتصادي في الصين سيكون أسرع منه في أمريكا وأوروبا.
#3#
كيف تسير مقررات قمة العشرين، وهل أحدثت أثراً في وقف نزيف الاقتصاد العالمي .. وهذه المقررات كثيرة مثل الرقابة، الحسابات السرية، وخطط التنمية؟
في الحقيقة كان جدول أعمال قمة العشرين جيداً في مناقشته لقضايا اقتصادية كثيرة، ولكني شخصياً تمنيت لو أنهم ركزوا عملهم على جانب "وحدات الأعمال" أكثر من أي شيء آخر، بالنسبة لنا الألمان كنا عدائيين في بعض الجوانب، فنحن نطالب بـ 50 في المائة من دفع الضرائب والمساهمة الاجتماعية، فهنالك الكثير من الناس الذين لا يعملون في قطاعات الاقتصاد الحقيقي، بل يعملون في الأسواق السوداء، والتي تؤثر بطبيعة الحال على الاقتصاد الحقيقي، فلا يمكننا اتهام أي شخص بالتقصير، طالما يوجد لدينها سوق سوداء كبيرة تؤثر في الاقتصاد، لذا أعود لأقول إنني تمنيت لو أنهم ناقشوا وركزوا على قضايا جوهرية ذات اهتمام مشترك بين الدول للنهوض بالاقتصاد والعودة به.
وهناك مشاكل أخرى، وهو أن المؤسسات المالية التي تخاطر بالسيولة بدون التشاور مع الحكومات، فكلما أرادت هذه المؤسسات توسيع محافظها المالية بشكل أكبر، فإنها أيضاً ترفع من معدل المخاطرة وبنفس درجة رغبتها في رفع سيولتها، وهذا يدخل الحكومات في مشاكل أخرى بسبب هذه المؤسسات، لذا يجب أن يكون هناك تنظيم معين لهذه المؤسسات حتى لا تقع في المشاكل، وللأسف أقول إننا لن ننجح للوصول إلى هذه المرحلة من النضج في التنظيم المالي للمؤسسات، وأهم نقطة في تنظيم هذه المؤسسات المالية، هو تطوير كوادر بشرية تعمل بشكل جاد على تقنين هذا القطاع، بحيث لا يكون سن التقاعد مبكرا بالنسبة لهم أو إرسالهم للسجن في حال أخطأ، لأن هذه الكوادر هي التي تصنع الاقتصاد طالما تم توجيهها بالشكل المناسب.
وبالتأكيد تأهيل جيل من الشباب المتخصصين في صناعة هذا القطاع وتعليمهم على مواجهة الأزمات.
كيف تنظرون للآراء التي تتحدث عن أن العالم بحاجة إلى نظام مالي جديد، بدلاً عن النظام الرأسمالي؟
الرب هو من خلق الإنسان، والإنسان ينطلق في حياته منذ الصغر من تربية والديه له، ويكبر ويبدأ هو بوضع الأنظمة والقوانين، وليست القوانين هي التي تصنع الإنسان، لذا فالقوانين الموجودة من الممكن أن تكون صالحة في فترة، ولكنها لا يمكن أن تصلح لفترة أخرى، لذا فالتعديل وارد لأي شيء في العالم، وعلى ذلك فنحن نحتاج إلى حكومات صالحة، تعمل بدورها على تنظيم وتوجيه القوانين لتكون في صالح الاقتصاد، فـ "آدم سميث" صاغ قوانين الرأسمالية منذ ما يقرب من 300 عام، وكانت صالحة لفترة من الفترات ولكني لست متأكدا ما إذا كانت لا تزال تصلح في ظل هذه الأزمة أم لا!
يتحدث المسؤولون في دول الخليج عن محدودية تأثير الأزمة في اقتصادياتهم .. كيف تعلق؟
التعليق هو أن هذه الأزمة لم تكن مقتصرة منذ أن بدأت على الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل تعدتها لتضرب أطنابها في الكثير من بقاع العالم دون سابق إنذار، حيث مرت كثير من الدول بفترة عدم اتزان في القطاع العقاري، كما حصل في دبي، إضافة إلى تأثر أسعار النفط مباشرة وهي المصدر الأساس لمداخيل دول الخليج، إلى جانب أن أي تباطؤ في الاقتصاد العالمي يعين تباطأ في الطلب على هذه السلعة الإستراتيجية لدول الخليج.
ولكن تصرف الحكومات نحو الاستمرار في الإنفاق الداخلي هو تصرف حكيم سيخفف من تداعيات هذه الأزمة ولكنه بالتأكيد لن يلغيها.
متى تتوقع أن تعود البنوك الغربية والمؤسسات المالية لاقتناص الفرص في منطقة الشرق الأوسط، وفي الخليج تحديداً؟
في البداية هناك كثير من رؤوس الأموال التي غادرت من بلدانها خلال الأربعة أو الخمسة المواسم الماضية، أي أنها انتقلت للبحث عن فرص أخرى، كون تمويل الشركات التي كانت تعتمد عليها قد بدأت تقلص مداخيلها التمويلية وتخفض قدراتها تماشياً مع مفهوم تقليل نسبة الخطر، والكثير من المؤسسات المالية سعت خلال الفترة القليلة الماضية لاقتناص أي فرصة لتنعش موجوداتها وتحركها في ظل هذه الأزمة، وما زالت حتى الآن تترقب الفرصة المناسبة، فالبلد الذي يوجد فيه حكومة جيدة داعمة لاقتصادها، فإن هذه البنوك والمؤسسات لن تتوانى في الدخول إليها.
هل لنا أن نطلع على طموحات "دويتشه بنك" في السوق السعودية .. وهل أثرت الأزمة في أعمال البنك في منطقة الخليج؟
بنك "دويتشه" لديه علاقة وتاريخ كبيران مع منطقة الخليج بشكل عام، وفي السنوات الخمس الماضية أصبحت السوق الخليجية وبالأخص السعودية تمثل للبنك الشيء الكثير، فالكل يعلم أن بنكنا ذو توجه عالمي، وهو موجود في الكثير من دول العالم، ويعتبر من أكثر البنوك تخصصاً في التعاملات الخارجية، أو بالأحرى هو المهيمن على هذه السوق، ونسعى دوماً لأن لا يكون البنك متخصصاً في التعاملات المالية والتمويل فقط، بل نسعى لأن نقدم استشارات لعملائنا، من أفراد أو مؤسسات أو شركات، فتواجدنا حالياً مرتكز في السعودية ودبي، والكويت، ونسعى حالياً للتوسع في بقية دول الخليج.
تأثرت أمريكا كثيرا بالأزمة.. فإلى متى تعتقد أن الدولار سيبقى عملة رئيسية لاحتياطيات العالم؟
إلى الأبد.. ولكن سؤالك في محله، لأن هنالك شكوكا في إمكانية بقاء الدولار كعملة لها قوتها في العالم، فمن الآن وحتى عام 2012 أتوقع أن ينخفض الدولار أكثر عن ذي قبل، وهناك بنوك مركزية ستتأثر بفعل هذا الانخفاض خارج الولايات المتحدة.
ولعلي هنا أشير إلى أن السعودية ودول الخليج المرتبطة بالدولار ستتأثر على المدى البعيد من هذا التراجع في القيمة الحقيقية للدولار، لذا يجب العمل على حل هذه المعضلة قبل فوات الآوان.
الحقيقة تقول إنه ليس هناك بديل عن الدولار, فاليورو مثلا أعتقد أنه سيظل عملة ثانية إلى أمد غير قريب، والعملات الأخرى لتحظى بذات الثقة التي يحظى بها الدولار رغم المزاحمة التي قد يحدثها اليوان الصيني أو الجنيه الاسترليني.. وغيرها من العملات الأخرى.
تسعى دول الخليج إلى إقامة اتحاد نقدي فيما بينها وعملة موحدة.. هل من تعليق؟
بالتأكيد لدي تعليق.. وهو أن هذه الخطوة ذكية وجبارة من دول لها ثقلها في الاقتصاد العالمي على اعتبار أنها مخزن العالم النفطي، إلى جانب النشاط التجاري والمالي القائم في المنطقة بفعل سيولتها الضخمة، من هنا فإن إدارة هذه القدرات بصورة مشتركة وأكثر توحدا سيساعد دول الخليج على النمو أكثر والالتصاق بالنظام المالي والتجاري العالمي دون "وسيط".. وأنا هنا أتحدث عن عملة خليجية موحدة قوية ترتبط بسلة عملات تحقق لها استقلاليتها.