الإرهاب ومواجهته بين أوباما وبوش

ناقشت كتابات عربية لا حصر لها الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة ووجهه إلى العالم الإسلامي كله، وركز كل منها على ما اعتقد صاحبه أنه الجانب الأكثر أهمية أو تغييراً أو ثباتاً في السياسة الخارجية الأمريكية في علاقاتها بالعالمين العربي والإسلامي.
ومن بين المحاور السبعة التي تطرق إليها خطاب الرئيس الأمريكي جاء الأول منها لكي يشمل ما أسماه "التطرف العنيف بجميع أشكاله"، والذي طرح فيه رؤيته النظرية وسياساته العملية لتلك القضية الرئيسة التي ظلت طوال السنوات الثماني الماضية تحمل اسم "الإرهاب" والذي ظل بدوره مرتبطاً – عمداً أو جهلاً – بالإسلام ديناً وثقافة ونظماً وشعوباً. ويبدو واضحاً أن الرؤية التي طرحها أوباما في خطابه للعالم الإسلامي تختلف في كثير من أركانها وتفاصيلها عن تلك التي كان سلفه الرئيس جورج بوش يتبناها طوال فترتي حكمه، وإن حملت في الوقت نفسه بعضاً من أوجه التشابه معها. فأما عن أوجه الاختلاف العامة فهي تبدأ من تجنب الرئيس الأمريكي الجديد في خطابه للعالم الإسلامي، وقبله جميع خطاباته وكلماته منذ خطاب التنصيب الرسمي، استخدام مصطلحي "الإرهاب" و"الحرب على الإرهاب"، وهو الأمر الذي توج رسميا في آذار (مارس) الماضي بتعليمات صدرت من البيت الأبيض لجميع المسؤولين الأمريكيين بعدم استخدام المصطلح الأخير واستبداله بأي مصطلح آخر مثل "مكافحة أو مقاومة أو مواجهة الإرهاب". وقد استبدل الرئيس الأمريكي في خطابه من القاهرة مصطلح "الإرهاب" بعدة مصطلحات مثل "التطرف" و"التشدد" و"العنف" دون أن يلفظ المصطلح الذي كان الرئيس السابق وأركان إدارته يستخدمونه دون توقف. أما الاختلاف العام الثاني والرئيس بين رؤية أوباما ورؤية بوش فهو ينصرف إلى علاقة الإسلام بالإرهاب لدى الأول وبالتطرف أو التشدد أو بالعنف لدى الثاني، حيث سعى الأخير بكل سبل البلاغة والصياغة لكي ينفي أي صلة مباشرة بين الإسلام كدين أو ثقافة أو نمط حياة بتلك الظواهر السلبية بينما ظل الأول طوال سنوات حكمه يلمح كثيراً ويصرح أحياناً بوجود صلة مباشرة بين الإسلام بأحد معانيه تلك وظاهرة الإرهاب المقيتة.
وبعد هذين الاختلافين العامين بين رؤيتي أوباما وبوش فيما يخص مواجهة تلك الظاهرة التي اختلفا حول تسميتها اختلافات أخرى تبدو أكثر تفصيلية وإن كانت لا تقل عنهما أهمية لارتباطها المباشر بالسياسات الواقعية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية عبر مناطق العالم. فهذه المواجهة التي كانت تحمل اسم ومضمون الحرب لدى إدارة بوش كانت تستهدف عدواً غامضاً غير محدد المعالم يحمل اسم "الإرهاب" دون تحديد واضح له على الرغم من أن تنظيم القاعدة كان هو الأكثر تعبيراً عن هذا العدو في السنوات السبع الأخيرة لتلك الإدارة. في المقابل، يحدد الرئيس أوباما في خطابه بصورة واضحة لا تحتمل الجدل العدو المتطرف العنيف الذي يواجهه ويسعى إلى القضاء عليه متمثلاً في كل من تنظيم القاعدة وحركة طالبان دون أن يترك أي مساحة لإعادة تعريف العدو أو مد تعريفه كتطرف عنيف إلى جماعات أو تنظيمات أو دول أخرى كما كان يحدث بسهولة وبتكرار مع إدارة بوش. ومن جانب ثان، لم يكن لدى إدارة بوش في حربها ضد عدوها الغامض متسع التعريف أي هدف واضح يمكن محاسبتها عليه أو قياس نجاحها أو فشلها في تحقيقه، الأمر الذي جعل جميع الأبواب مفتوحة أمام استمرار تلك الحرب بلا نهاية، بينما يبدو هدف المواجهة محدداً لدى أوباما في التوصل إلى "عدم وجود متطرفي العنف في كل من أفغانستان وباكستان"، أي القضاء على كل من القاعدة وطالبان ككيانات عنيفة.
ومن ناحية ثالثة يبدو ميدان الحرب التي كان بوش يخوضها ضد عدوه هو الآخر غير محدود ولا محدد بإطار جغرافي فهو يشمل العالم كله دون استثناء وحيثما حل أو وجد العدو الغامض الذي يطارده، بينما يبدو الأمر مختلفاً للغاية لدى أوباما الذي يجعل ميدان المواجهة محصوراً بصورة واضحة في كل من أفغانستان وباكستان حيث يوجد الكيانان اللذان يمثلان ذلك العدو المحدد. وعلى الرغم من أن أوباما يقر في خطابه أن المنتسبين للقاعدة والسائرين على نهجها ينتشرون في بلاد عديدة، فهو لم يوسع من ميدان مواجهته لها ليشمل العالم كله كما فعل بوش الذي رأى أن من ليس معه في حربه عليها فهو ضده. ومن ناحية رابعة وأخيرة فإن مواجهة أوباما للعدو المتطرف العنيف في أفغانستان وباكستان تتضمن وسائل متنوعة في قلبها الوسائل العسكرية، إلا أنها لا تقتصر عليها ومعها الأدوات الأمنية كما كانت حرب بوش على الإرهاب، فهو يتحدث عن وسائل اقتصادية ومالية واجتماعية لتنمية الأوضاع المتردية في كل من هذين البلدين وحرمان عدوه من القواعد الشعبية التي تؤيده فيهما نتيجة لذلك.
ومع كل ذلك، يظل وجه التشابه الرئيس بين رؤيتي أوباما وبوش فيما يخص الإرهاب أو التطرف العنيف بحسب مصطلح كل منهما هو التأكيد على الرواية الأمريكية الرسمية لما جرى في 11 من أيلول (سبتمبر) 2001 من هجمات على نيويورك وواشنطن، حيث يؤكد أوباما أن مسؤولية القاعدة عنها ليست "بآراء قابلة للنقاش وإنما هي حقائق يجب التعامل معها". والرئيس الأمريكي الجديد لا يملك في الحقيقة أن يتبنى أي موقف يبدو مهتزاً تجاه تلك الرواية التي أضحت مكوناً رئيساً ثابتاً في السياسة والوعي العام الأمريكيين، على الرغم من أنه لم تتم حتى اليوم أية محاكمة قضائية علنية وغير استثنائية للمتهمين بتلك الجريمة الإرهابية الأضخم في التاريخ البشري، وهي على الأرجح لن تتم أبداً!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي