Author

مامدى حاجة سوق المال السعودية إلى "إدارة مخاطر"؟

|
بالنظر إلى مخرجات العمل المحاسبي من المعلومات التي تصدرها منشآت الأعمال والمتاحة للاستخدام الخارجي من الأطراف أصحاب العلاقة الذين لهم مصلحة مباشرة أو غير مباشرة عبر وسائل الإفصاح المتعددة والمتعارف عليها في بيئة النشاط الاقتصادي السعودي، نجد بداية أن المحتوى من المعلومات المحاسبية يتعلق بالقاعدة من مفردات المعلومات التي ينطوي عليها والذي يتم الإفصاح عنه اعتمادا على أكثر من وسيلة وفقا لطبيعة المعلومات التي يتكون منها، فهناك الإفصاح داخل القوائم المالية المنشورة والذي يتعلق بعرض القيم المالية للمعلومات الواردة بالقوائم المالية ويعبر عنها في شكل محتوى رقمي، وهناك الإفصاح خارج القوائم المالية المنشورة ويعبر عنه بالمحتوى الوصفي الذي يتعلق باستخدام التعبير الإنشائي في وصف السياسات والمبادئ المحاسبية المستخدمة في إعداد المحتوى الرقمي للقيم المالية، إضافة إلى تقرير مجلس الإدارة. وبالنظر تحديداً إلى المحتوى الوصفي نجد أنه يقع تحت مسمى ما يعرف " بالإيضاحات حول القوائم المالية أو الإيضاحات المرفقة بالقوائم المالية "، وهو ما يتم تبويبه ضمن مجال الإفصاح العام المكمل للقوائم المالية والذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من القوائم المالية، ويرتبط هذا المحتوى بالإيضاحات التي يتم تبويبها إلى العديد من البنود المرتبطة بشكل أساسي بالأسس والمفاهيم والمبادئ المحاسبية المتبعة لإعداد القوائم المالية وتوصيف عناصرها من خلال التعبير الإنشائي في إعداد المحتوى الرقمي داخل القوائم المالية المنشورة. وفي ضوء ذلك نجد أن المجال العام للإفصاح اشتمل على العديد من البنود التي تندرج ضمن الإيضاحات المرفقة للقوائم المالية ومن أهمها وأكثرها تأثيرا في المحتوى الإخباري " الملخص لأهم السياسات المحاسبية " التي اتبعت عند إعداد القوائم المالية، ومن هذه البنود ما يتعلق بالبند المرتبط بالإفصاح عن الأدوات المالية وإدارة المخاطر، إذ يتأسس المحتوى الوصفي من المعلومات المحاسبية لهذا البند داخل التقارير المالية على حدود المطالبة بالإفصاح عن أنواع المخاطر التي تتعرض لها الأدوات المالية وذلك بالتوقف عند سرد اسم المجال فقط الذي يجب الإفصاح عنه ولم يتعداها إلى مرحلة التدخل المباشر لترشيد الاختيار بالشكل الذي يؤدي إلى تطبيق أفضل الأسس الملائمة في تحديد أسس قياس وتحليل المخاطر وتقييمها وكيفية التعامل معها من خلال إدارتها للسيطرة عليها، ومن ثم توفير معلومات تفصيلية عنها تكون مفيدة في العديد من نماذج القرارات خاصة في ضوء الاتجاه الحديث للإفصاح المحاسبي المرتكز على مدخل الأحداث، إذ يجب أن تندرج المعلومات المرتبطة بالمخاطر بشكل تفصيلي ضمن المفردات التي ينطوي عليها بناء المحتوى الكامل من المعلومات المحاسبية وتشكل جزءا أساسيا منه، ليصبح المطلوب هنا هو الكشف عما تم في هذا الشأن وألا يقتصر المحتوى الكامل من المعلومات لبند الأدوات المالية وإدارة المخاطر على المقاييس المالية فقط وإنما يمتد ليشمل المقاييس غير المالية مما ينعكس إيجابيا على مدى مساهمتها في تحقيق الاستمرارية للمنشآت وتنفيذ أهدافها الاستراتيجية بقدر أعلى من الكفاءة على إمكانية إدارة مخاطرها، وهذا بدوره يحتاج إلى نظام معلومات فعال لإدارة المخاطر في بيئة ممارسات الأعمال الحديثة في الاقتصاد السعودي. والسؤال الذي يدور في الذهن الآن ماذا يعني هذا المصطلح؟ بداية يمكن القول إن الاتجاه العام للاستخدام الحالي لمصطلح إدارة المخاطر بدأ في أوائل الخمسينيات وكان من أوائل المطبوعات التي أشارت إلى هذا المصطلح ما يسمى بمجلة Harvard Business Review عام 1956 حيث تناولت هذه المجلة في إحدى مقالاتها أن المنشآت ينبغي أن يكون لديها إدارة مسؤولة عن المخاطر، ومن هذه البداية البسيطة جاء علم إدارة المخاطر كأحد فروع علم الإدارة والذي يقوم على فكرة بسيطة مؤداها أن الإدارة يمكنها التعرف على المخاطر التي تتعرض لها وتقييمها لتفادي حدوث خسائر معينة أو عدم تحقيق المكاسب والتقليل من تأثيرها إلى أدنى حد ممكن إلا أن هذا المصطلح لم يكن له أي وجود حتى بداية الثمانينيات من القرن العشرين، إذ شهد العقدان الأخيران من القرن السابق ظاهرة جديدة تمثلت في لجوء الكثير من المنشآت إلى إنشاء إدارات متخصصة لتحديد المخاطر، ونوعيتها، وحجم كل منها، وكيفية إدارتها. ويعد الاهتمام بإدارة المخاطر في العقدين الأخيرين من القرن السابق نتاج تطور وسائل وأدوات مالية أخرى مستحدثة في الأسواق، خاصة أن الأدوات التقليدية المستخدمة في إدارة المخاطر لا تمكنها من التعامل مع نوعية جديدة من المخاطر المالية في ظل المستجدات والمتغيرات البيئية الحديثة في ضوء ظاهرة مواكبة عالمية الأسواق وعولمتها وظهور مبتكرات مالية حديثة تلبي الاحتياجات المختلفة لمنشآت الأعمال المعاصرة في العصر الحديث، التي أصبحت تمثل خطراً ليس فقط على المنشآت فحسب بل على النشاط الاقتصادي على كل من الصعيدين المحلى والعالمي. ويرتكز محور وظيفة إدارة المخاطر على مدى إمكانية السيطرة على المخاطر والقضاء عليها أو تقليلها من خلال التصميم والتنفيذ لإجراءات من شأنها تقليل إمكانية حدوث الخسائر إلى الحد الأدنى باستخدام أساليب و/ أو تقنيات يمكن اتباعها للتعامل مع المخاطر، وإذا ما قررت إدارة المخاطر في منشآت الأعمال استخدام أي من الأساليب أو التقنيات للتعامل مع المخاطر، فإنه يجب عليها دراسة حجم الخسائر المحتملة واحتمال حدوثها والموارد المتاحة لتعويض الخسائر إذا قدر لها أن تحدث، كما يحب تقدير العوائد والتكاليف من اتباع أحد هذه الأساليب، ومن ثم اتخاذ القرار المناسب باستخدام المعلومات الملائمة في هذا الشأن. ومن منظور عام فإن هذا المصطلح لإدارة المخاطر يرتكز على عملية الحماية للأصول، ومن ثم فإن إدارة المخاطر ما هي إلا وظيفة تستهدف أساساً القيام بعملية الحماية للأصول والالتزامات والتدفقات النقدية المستقبلية وبالتالي فهي تقوم على عملية تحديد وتقويم المخاطر، واختيار التقنيات اللازمة لإدارتها للتكيف مع المخاطر التي يمكن التعرض لها. كما عرفت لجنة بازل وهي إحدى الجهات المهنية المتخصصة إدارة المخاطر بأنها سلسلة متعاقبة من أربعة إجراءات تتمثل أولا في التعرف على الأحداث لواحد أو أكثر من الأنواع الرئيسية للمخاطر، المتمثلة في مخاطر السوق والائتمان والسيولة وغيرها من المخاطر الأخرى التي تنتمي إلى أنواع فرعية أخرى محددة، وثانيا في التقويم للمخاطر من خلال استخدام البيانات ونماذج المخاطر، وثالثاً في الرقابة وإصدار التقارير الخاصة بالمخاطر بشكل جيد وفى توقيت جيد، وأخيرا في السيطرة على هذه المخاطر بواسطة إدارة المخاطر. وبهذا فإن مهام إدارة المخاطر تتركز على التنسيق بين الأطراف المتعاملة كافة لضمان توفير البيانات كافة حول المخاطر، والتأكد من صحة البيانات والمعلومات، واستمرار تدفقها للمساعدة على إعداد تقارير المخاطر بشكل دوري ودقيق، وأن استخدامها بكفاءة يعد أحد الأسباب الرئيسية لنجاحها في تحقيق أهدافها في بيئة النشاط الاقتصادي بصفة عامة، وفي أسواق المال بصفة خاصة، مما يساهم في دعم السيولة ورفع كفاءة النشاط الاقتصادي وتنشيط الأسواق. ويبقى التساؤل الثاني والمهم هل منشآت المال والأعمال في بيئة الاقتصاد السعودي بحاجة لإنشاء إدارة متخصصة للحماية من المخاطر؟ بطبيعة الحال فإن الاقتصاد السعودي لا يشذ عن القاعدة، المتمثلة فيما سبق ذكره من ظاهرة عالمية الأسواق وعولمتها نتيجة عمليات التحرر الاقتصادي واعتبارات المنافسة وتطور نظم تكنولوجيا المعلومات مما يترتب عليها تغير نظرة منشآت المال والأعمال السعودية بما يفرض عليها في الفترة الحالية مواجهة هذه المتغيرات الحديثة التي أفرزت معها العديد من التحديات ذات التأثير المختلف الذي ألقى بظلاله على بيئة النشاط الاقتصادي السعودي وبشكل يفرض عليها ضرورة مواكبة تلك المتغيرات، خاصة فيما يتعلق بالتغيرات المستمرة والتقلبات المتزايدة في أسعار الأدوات المالية الأساسية المستخدمة في تدبير الأموال حتى تستطيع المحافظة على كيانها وبقائها وتصبح قادرة في الوقت نفسه على النمو والمنافسة فالمعروف أن أسواق المال ما هي الأساس إلا أسواق تتعامل في الأصول المالية سواء كانت تلك الأصول قصيرة أو طويلة الأجل وإضافة إلى الأسهم والسندات، وإدارة المخاطر هي ذلك النوع من علوم الإدارة الذي جاء ليلبي الاحتياجات المختلفة في هذا الشأن بالمحافظة على الأصول الموجودة في المنشآت لحماية مصالح الأطراف الخارجية من مودعين ودائنين ومستثمرين وأطراف أخرى ذات علاقة من أصحاب المصالح وإحكام الرقابة والسيطرة على المخاطر المترتبة عليها من استخدام الأدوات المالية الأساسية والعمل على الحد من الخسائر وتقليلها إلى أدنى حد ممكن وحماية صورة المنشأة بتوفير الثقة المناسبة لدى الأطراف أصحاب المصالح الخارجية وتحديداً المستثمرين بالقدرة على تحقيق الأرباح رغم أية خسائر عارضة قد تحدث وتؤدي إلى تقليص الأرباح أو عدم تحققها، وبمعنى أوسع فإن إدارة المخاطر تسهم بشكل كبير في حماية أسواق المال التي ترتكز وتعتمد عليها أغلب اقتصاديات مؤسسات المال والأعمال على المستوى الدولي، مما يجعلها على درجة بالغة الأهمية في إحداث التوازن المالي والحفاظ على الاستقرار النقدي بالنسبة لمنشآت المال والأعمال على صعيد الاقتصاد العالمي ككل وبشكل عام وعلى مستوى بيئة الاقتصاد المحلي السعودي على وجه التحديد والتخصيص.
إنشرها