الثنيان يرد على الزامل حول أسعار المنتجات النفطية: لاتدافع عن مصالح مصانعك على حساب الفقراء

أعتبر تركي الثنيان أنه لا يوجد ما يمنع الدولة من تنفيذ سياسة الترشيد دون المساس بالشريحة المتوسطة والمحدودة، لأن ذلك يعني إعادة توجيه الموارد المالية ليستفيد منها ذوو الدخل المحدود بالدرجة الأولى.

وقال الثنيان في تعقيب على ملف "الاقتصادية" حول ترشيد الطاقة، إن في تطبيق مثل هذه السياسة تحقيقا لمعنى الإعانة بشكل حقيقي، مشددا على أن ذلك يحق أهداف وآمال خادم الحرمين الشريفين، كما نراها في كلماته وأفعاله، في السعي لزيادة مساحة الطبقة المتوسطة صمام الأمان في أي مجتمع.

وبيّن أن الترشيد لا يعني أن الأموال ستدخل خزانة وزارة المالية، بل يعني بكل بساطة أن هناك فوائض مالية ستتم الاستفادة منها عبر تحويل الفائض مباشرة إلى برامج تنموية في كل منطقة لتحقيق تنمية اجتماعية مستدامة، مثل زيادة دعم الإسكان الشعبي وزيادة مخصصات الضمان الاجتماعي والأرامل والأيتام وفتح فرص تدريب وتعليم متخصص ليكون مصدر رزق يكفل لهم حياة كريمة وزيادة الرواتب لكل الموظفين في المراتب الدنيا ممن لا توجد لديهم دخول أخرى وتخصيص مزيد من الأموال لإقراض المشاريع الصغيرة ودعم المناطق الأقل تنمية عبر توجيه منح القروض الصناعية والتجارية والسكنية والتنموية لها، فهي مناطق نعترف جميعا أنها أهملت وتوفير المستشفيات في كل أركان المملكة بدلا من هذه الاختناقات المزرية التي تعصف بقطاعنا الصحي ومنح المجالس البلدية مبالغ مالية لتكون لكل مجلس الحرية والمرونة في صرفها فيما يخدم احتياجات منطقته.

في مايلي مزيد من التفاصيل:

مغالطات متنوعة حفلت بها مقالة الدكتور عبد الرحمن الزامل المنشورة في الاقتصادية بعنوان "التبذير والإسراف في مجتمعنا لمنتجات الطاقة موضوع في غاية الأهمية" في يوم الأربعاء الماضي 10/6/1430هــ، أهمها أنها لم تقدم طرحا يجيب عن السؤال الرئيسي في موضوع ترشيد الطاقة وهو: هل سياسة تسعيرة الطاقة (كهرباء، غاز، بترول ومنتجاته) الحالية هي الاستخدام الأمثل للثروات الطبيعية التي يحتويها باطن المملكة؟ هل الفقراء وذوو الدخل المحدود يستفيدون من خفض الأسعار بهذه الآلية أم أن هناك آليات أكثر كفاءة لتحقيق الاستفادة القصوى لهم قبل غيرهم؟ سؤال تحاشته المقالة وركزت على المنافحة عن المصانع ورجال الأعمال باستخدام الترهيب واستدرار المشاعر باستخدام قميص الفقراء وذوي الدخل المحدود وتوظيف آمالهم، على الرغم من أن المقالة حاولت بشتى السبل أن تبدو موضوعية، إلا أن الأمر ليس بالسهل فهي كتبت بمحبرة رجل أعمال صناعي، من حقه المشروع الدفاع عن مصالحه المكتسبة والمقاتلة لئلا تتبخر وإلا فموضوع الإعانات بشكل إجمالي بحاجة إلى مراجعة من أعلى المستويات لإيقاف غير المبرر منها وتوجيهها لمن هم بحاجة إليها، حتى وإن كانت أصواتهم مكتومة، وليس لمن يستطيع فقط حشد الجهود والضغط للظفر بها.

ولتكن البداية، بخاتمة مقالة الدكتور الزامل التي تقول "وأخيراً قد يعتقد البعض أنني كرجل أعمال أحاول أن أبعد زيادة مثل هذه الأسعار عن كواهل رجال الأعمال ومشاريعهم من منطلق المصلحة الخاصة.. هنا أود أن أكون صريحاً وواضحاً، فإن كل زيادة في تكلفة الإنتاج أو النقل، ومنها تكلفة الوقود والطاقة، لا يتأثر بهما رجال الأعمال، وإنما تضاف لقيمة التكلفة للسلعة نفسها أو الخدمة الذي يدفعها المواطن عند شراء حاجته ... فالعائد للتاجر من السلعة أو الخدمة المقدمة له لن يتغير، ومن هنا فليس لنا كرجال أعمال أي مصلحة بمعارضة زيادة التكلفة لتشجيع الترشيد إن كانت عملية".

#2#

ربما أن المقالة تحكي اعتقادا صادقا، ولكنه اعتقاد خاطئ تماما، فهذه العبارة خاطئة 100 في المائة.

"101" اقتصاد يقرر بلا جدال أن أنشطة رجال الأعمال من زيادة التكلفة في الطاقة ستتأثر لا محالة، فكما يعلم دارسو الاقتصاد أن هناك موضوعا اسمه القدرة على تمرير التكلفة، يحاول تحليل تحديد من سيدفع في نهاية المطاف التكلفة المضافة إلى أي منتج.

ولنأخذ مثالا حيا نطبق عليه أبسط المبادئ. لو افترضنا أن سعر مكيف التبريد يبلغ ألف ريال في الوضع الراهن، ويحقق للمصنع المصنع له ربحية قدرها 100 ريال.

ولو افترضنا أيضا أن الدولة رفعت أسعار الطاقة بما يعادل 100 ريال على كل مكيف تبريد. المقالة تقول إن هذه التكلفة الإضافية سيتم تمريرها كاملة غير منقوصة إلى المستهلك النهائي، وبالتالي فرجال الأعمال غير قلقين من هذه الزيادة.

ولكن المنطق الاقتصادي يقول هذه أحلام ضيزى فالواقع شيء مختلف تماما. فهناك عدة احتمالات: فإن كانت السلعة يحتاج إليها الناس بشدة، وكان هناك احتكار أو شبه احتكار (كالماء مثلا) أمكن تمرير التكلفة.

فإن كان مصنع المكيفات كالماء مثلا، احتياجا واحتكارا، سيتمكن من تمرير تلك التكلفة، وسيبيع المكيف بمبلغ 1100 ريال، ويعطي الحكومة مبلغ 100 ريال الضريبة، ويحتفظ هو بمبلغ 100 ريال ربحيته المعتادة؛ وإن كانت هذه الحقيقة فعلا، فنحن بحاجة إلى مراجعة طارئة لقوانين مكافحة الاحتكار.

أما إن كان مصنع المكيفات ليس ماء، وهذا الأصح، بمعنى أن هناك سوقا ترتفع فيها وتيرة المنافسة، والأهم ألا يقوم المصنع بالتصنيع لمنافسيه حتى لا يخنقهم أو يتواطأ معهم، عندئذ سيكون أمامنا مجموعة من الخيارات؛ فأولا، قد تتغير ذائقة المستهلك، ويغير من عاداته الاستهلاكية فيجعل مكيفا لكل غرفتين ويفتح بينهما نافذة لتمرير الهواء البارد، أو يستبدله بتقنية بديلة، كالمكيفات الصحراوية، أو، أخيرا، قد يأتي لاعب جديد في صناعة التكييف فيبادر إلى استغلال رفع الأسعار فيدخل بتسعيرة منخفضة ليقتطع شريحة من السوق ... وهذا كله قد يجبر مصنع المكيفات لأن يعيد حساباته، فيبادر إما إلى خفض تكاليفه (رواتب موظفيه، تكاليف إدارية، أو يعيد التفاوض حول إيجارات محاله مثلا)، وإما إن عجز وبدأ في فقدان حصته السوقية، سيقبل بخفض أسعار منتجاته.

#3#

وبالتالي، فهو حتما سيتأثر ولا يمكنه تمرير التكلفة الإضافية كاملة بشكل آلي ودون منغصات. وعليه، فرفع أسعار الطاقة على مصنع المكيفات لن يمر دون أن يربك ذلك المصنع ويجعله يعيد حساباته.

ولا أظن المقالة ستنتقص لو ذكرت أن رجل الأعمال سيتأثر ويريد أن يحمي مكاسبه الخاصة، فما يقدم له كرجل أعمال من دعم حكومي أمر مشروع ويحق له الاستبسال في الدفاع عنه. هذه طبيعة اللوبي لكل شريحة يهمها استبقاء مكاسبها وتعظيمها، وتقاتل للحيلولة دون اقتطاعها.

ثاني المغالطات التي حفلت بها المقالة كانت القول "إن كنّا نريد زيادة الدخل للحكومة فهناك عدة طرق يعرفها المختصون (لا تمس مصلحة المواطن) وسأذكر ما يمكن ذكره مثل إعادة فرض الجمارك على الكماليات من المستوردات مثل الذهب والفضة والسيارات الغالية والكهربائيات وغيرها، وطرح كل مشاريع الدولة دون استثناء في مناقصات عامة، والتأكيد على استخدام المنتج المحلي والمقاول المحلي، وفرض نسبة واضحة للعمالة السعودية في كل الأنشطة، ومتابعة الزكاة على الأراضي المعروضة للتجارة والمجمدة حسب الضوابط المقبولة شرعاً".

خلط في القضية المطروحة

من الواضح أن هناك خلطا في فهم القضية المطروحة؛ فالمطروح على طاولة النقاش واضح أن هدفه كيفية استغلال الموارد بشكل أفضل وأن استمرار عملية الاستغلال الحالية التي رسمت بريشة قديمة تؤدي لا محالة إلى هدر لتلك الموارد التي تتناقص كمياتها بسبب الاستغلال الاعتباطي والتصدير والتهريب - نظرا للفارق الشاسع بين سعر التصدير والسعر المحلي الذي يسيل له لعاب المغامرين؛ بمعنى آخر، الموضوع في الدرجة الأولى ليس موضوع زيادة دخل الدولة حتى تحشر مقالة الزامل تلك الاقتراحات فيها حشرا ... بل حتى لو سلمنا أن المقصد هي زيادة دخل الحكومة، فإن فرض ضريبة على دخل الأغنياء أسهل طريق يمكن للدولة أن تسلكه دون حاجة إلى أي إجراء إضافي، ولا أظنه اختراعا كيميائيا حتى ندخل في متاهة اقتراحات لا طائل من ورائها لتحقيق النتيجة المرجوة، فالاقتراحات التي قدمتها المقالة تخلط خلطا عجيبا بين أمور متناقضة، والمحصلة النهائية من تلك المقترحات هو تعظيم مصالح رجال الأعمال قبل الآخرين.

خذوا على سبيل المثال القول إن إعادة فرض الجمارك على المستوردات مثل "الكهربائيات" سيزيد من دخل الحكومة.

هل يعقل أن فرض ضريبة على مكيف مستورد يحتاج إليها ذوو الدخل المحدود فيها مراعاة لمصالح الفقراء؟ خاصة إذا كان القول إن التجار سيمررون التكلفة على عاتق المستهلك النهائي هو قول "دقيق"، وهو ما يعني أن زيادة الجمارك على الكهربائيات يعني زيادة العبء على الفقراء - وهو هدف يتناقض مع لب المقالة التي تنادي بحماية الفقراء - ولكنها مع هذا تقترح ما يزيد من أعبائهم! للأسف، أيضا، المقالة توحي بأن الحكومة ستستفيد من هذا الإجراء بزيادة دخلها، ولكن لا تأتي بذكر للمصنع المحلي الذي سيتنفس الصعداء من زيادة الجمارك على الكهربائيات لأنها تمنحه هامشا ربحيا أعلى، فبدلا من منافسة مكيف كوري الصنع يباع بسعر 500 ريالا مثلا، بعد التعرفة الجمركية سينافسه ذات المنتج بسعر 550 ريالا، زيادة 50 ريال في تكاليف المنتج الكوري ستجعل المصنع المحلي يناور في 50 ريالا كما يحلو له.

حق مشروع لا أجادل فيه، ولكن الإيحاء بأن الحكومة هي من يستفيد وأنه محقق لمصلحة ذوي الدخل المحدود، وتغييب مصلحة التاجر المحلي من المشهد وكأنه لن يستفيد من هذا الاقتراح لا يقدم الصورة بكل وضوح؛ لأن فيه إغفالاً لشؤون اقتصادية وتجارية مهمة تغير في تحليل المعادلة، كل هذا طبعا دون التطرق إلى التزامات المملكة الدولية تحت إطار منظمة التجارة العالمية، أو مع دول الخليج، و التي بموجبها التزمت المملكة بأسعار جمركية موحدة مقابل فتح الأسواق الخارجية لمنتجاتنا، وهو شأن ربما لا يهتم له بعض رجال الأعمال ممن لا يمكن لسلعهم المنافسة خارجيا.

أما المقترح الآخر الذي تقدمه المقالة لزيادة دخل الدولة فهو "التأكيد على استخدام المنتج المحلي"، فهو مضلل بدرجة كبيرة.

فأولا دعم المنتج المحلي دون اعتبار "السعر" و"الجودة" يعني ببساطة أنها دعوة لرمي المال من خزانة الحكومة إلى خزانة التاجر المحلي دون اعتبارات موضوعية.

ولا يوجد فيه ما يحقق مصالح ذوي الدخل المحدود على الإطلاق، وإن كان القصد هو التوفير، فالشراء من منتج أجنبي بسعر "أقل" وجودة أعلى أو مقاربة، أوفر ماليا بلا جدال، فالتوفير لا يكون بتحديد "الجهة" التي نشتري السلعة منها بل بتحديد "السعر" و"الجودة"، وهو أمر غائب من سطور مقالة الزامل.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لم يهلك البلد إلا المزايدة على المنتج المحلي وكأنه منتج ملائكي.

منذ عشرات السنين وبعض التجار يبتزون الدولة بمقولة المنتج المحلي، وكل ما حصدناه كمجتمع هو مباهاة بعض التجار، وبكل طاووسية، بتوظيف سعوديين برواتب 1500 ريال تدفع الحكومة نصفها.

يا سادة سياسات دعم المنتج المحلي غير المتبصرة أضرت البلد أكثر مما أفادته، فلا هي انتقت القطاع أو الصناعة الأصلح، ولا هي ربطت بمدة محددة، بل أطلقت على عواهنها؛ فيستورد المصنع كل شيء ، بما في ذلك العمالة، وكأنك في مدينة هندية أو فلبينية، ثم يصرخ ويقول منتج محلي اشتروه مني وادعموه في المناقصات واقتلوا المنتج الأجنبي بالتعرفة الجمركية - طبعا لا يأتي ذكر للأرض الحكومية، ولا القروض الخيرية طويلة الأجل، ولا أسعار الطاقة التي لا يحلم بها في أي مكان في العالم، وبرواتب مدفوع نصفها إن كان هناك واجهة ديكورية سعودية - و عند كل أزمة لا نرى إلا الويل والثبور؛ ولا نزال نتذكر الأموال التي فرت في أزمة الخليج خارج حدودنا يوم أن كنا في حاجة إلى ما يثبت تكاتفنا مع بعض.

و لو حسبنا مقدار ما قدمته الدولة لرجال الأعمال من وقود رخيص و قروض مجانية وأراض زهيدة الإيجار ودعم رواتب وشراء سلع "محلية" والمنعكسة على كمية الأرباح الهائلة ووضعناه في كفة، ثم أحضرنا ما قدمه رجال الأعمال للبلد ولتنمية الإنسان السعودي فيه ولرعاية الأنشطة الاجتماعية والخيرية في كفة أخرى، أجزم - على الغيب - أن الكفة ستكون كمن يزن طن حديد مقابل حفنة من ريش يحسن أصحابه نثره في الأعين.

دعم الصناعة .. فقط

بعد كل تلك المقترحات التي أقحمت بشكل لا أظنه كان موضوعيا فهي مقترحات تدعم وتصب في مصلحة قطاع الصناعة والصناعيين بإطلاق، ولسان حالها تقول اتركونا في جناتنا نتقلب، حتى لو كان على حساب الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل وثروات البلد الحالية والمستقبلية، بعد كل هذا، جاءت مقالة الدكتور إلى لب الحديث وهو ترشيد الطاقة وقدم ثلاثة مقترحات، أوجزها وأعلق عليها كما يلي:

"أولا : يجب أخذ كامل تكلفة الطاقة/ سواء كانت كهرباء / ماء/ بنزين/ ديزل / زيوت طائرات وغيرها أولا على استخدامات كل أجهزة الحكومة ومبانيها ومؤسساتها..... ولقد أظهرت دراسة معدة من قبل شركة الكهرباء الحكومية أن 80 في المائة من الطاقة الكهربائية يستهلكها 20 في المائة من المشتركين وأكثرها أجهزة الدولة ومشاريعها .. فلنركز على هذه النسبة الكبيرة ولنترك مستهلكي النسبة الصغرى من الطاقة وهي 20 في المائة - وهم المواطنون - للمراحل الأخرى".

لا أوافق المقالة في أن ندع ال 20 في المائة خارج معادلة الترشيد، بل أدعو إلى منحهم كل المبالغ التي سنحصلها من المستهلكين الكبار.

وبالمناسبة، فهناك دراسات أخرى تقرر خلاف ما ذكرته مقالة الدكتور الزامل، فآخر إصدارات شركة الكهرباء تقرر أن الاستهلاك السكاني يشكل 53 في المائة من استهلاك الكهرباء، وفي تصريح للمهندس وليد الرميح ذكر أن السعودية تستهلك نحو 70 في المائة من الطاقة الكهربائية في المباني، بينما يستهلك القطاع الصناعي/التجاري أكثر من 30 في المائة، و12 في المائة للاستهلاك الحكومي، وهي أرقام تؤكد أن القطاع الصناعي/ التجاري مستفيد عملاق من الطاقة المستهلكة في الدولة ويهمه بلا شك ألا تتأثر أسعاره.

كما الدراسة تخص الكهرباء فقط و70 في المائة من إنتاج الكهرباء يذهب إلى التكييف الذي يبدو أنه بحاجة إلى إعادة نظر في ضوابط تصنيعه، ولم يتطرق الدكتور للغاز ولا الكيروسين ولا الأسفلت ولا الديزل وغيرها من مكونات المعادلة وهي عناصر لو أضيفت إلى المعادلة لتغير تصور وتكييف الموضوع جملة وتفصيلا، فاستهلاكنا من البنزين فقط أعلى من معدل الاستهلاك العالمي بأربعة أضعاف وأكثر من معدل استهلاك الفرد التركي والصيني بأكثر من 13 مرة، ومليار نسمة في الهند يستهلكون ما يساوي كمية الاستهلاك السعودي.

والشكل المرفق من دراسة أعدتها وزارة التجارة والصناعة في عام 2002 حول استهلاك الكهرباء (وفيها يتضح أن الاستهلاك الحكومي يبلغ 12 في المائة فقط).

أما المقترح الثاني الذي قدمته المقالة للترشيد من الطاقة فهو ترشيد استقدام العمالة الأجنبية، بالقول "إن زيادة استهلاك الطاقة في أي مجتمع له علاقة بعدد سكان ذلك المجتمع ونسبة نموه الاقتصادي السنوي .. إنني أدعو لترشيد الاستقدام في قطاعات هي أولى أن تخصص للسعوديين مثل كل الأنشطة التجارية والعقارية والخدمية في البقالات والصيدليات وغيرها والترشيد لا يعني التضييق على أصحاب الحاجة في الصناعة والمقاولات والصيانة الفنية والمستشفيات وغيرهم. فيجب على وزارة العمل الأخذ بعين الاعتبار هذه الأنشطة".

كلام مطلق على عواهنه؛ فقد انتقت المقالة قطاع الصناعة والمقاولات والصيانة والمستشفيات – حتى وإن أضافت غيرهم على استحياء - وتركت البقية، فقطاع الخدمات – خاصة الصغيرة- أضخم قطاع وهو القطاع الواعد مشكلا 75 في المائة من اقتصادات الدول المتقدمة، وهو القطاع الأكثر استيعابا لأبناء وبنات البلد، وهو الأسهل دخولا بالنسبة إلى ذوي الدخل المحدود؛ فلا يمكن لشخص براتب قدره خمسة آلاف ريال أن ينشئ مصنعا أو شركة مقاولات، أو مستشفى، ولكن يمكنه أن يفتح مكتب محاسبة ويستقدم محاسبا، وكذلك كل أنشطة الخدمات التي تعد الحاضنة الأكبر لاقتصادات الدول المتقدمة، فهي الحقل الأكبر لنشاط ذوي الدخول المتوسطة، فكيف تطالب المقالة بالتضييق عليهم والتعامل بأريحية مع المصانع والمقاولين!

أين تذهب العمالة المستقدمة؟

ثم تمضي المقالة بالقول "إن أكثر الاستقدام هو لخدم المنازل والسائقين وعمالة الخدمات الأخرى والبقالات والأسواق المركزية والمطابخ والحلاقين وغيرها من الأنشطة التجارية وهي خدمات لسنا بحاجة لها بالأعداد الموجودة".

مرة أخرى مغالطة غير صحيحة، تتناسى أن ذوي الدخل المحدود هم في الغالب الأعم أصحاب البقالات والمطابخ والحلاقين والغسالات والورش؛ و ما ذنبهم أنهم لم يستفيدوا من الدعم الحكومي اللامحدود الذي انتهزه مجموعة من رجال الأعمال في الثمانينيات حتى يضيق عليهم في أنشطة تشكل العامود الفقري في أي اقتصاد في العالم! هذه الأنشطة الصغيرة في الغالب مملوكة لشريجة عريضة جدا من المواطنين مقارنة باحتكارية المصانع والمشاريع الضخمة التي ينفرد بامتلاكها مجموعة قليلة من المواطنين؛ فمن باب أولى، يجب الدعوة لدعم ذوي الدخل المحدود عبر التوسع في هذه القطاعات لا أن يضيق عليهم لأنهم فقط لا يستطيعون إنشاء مصنع.

كما أنه ومن ون التضييق المقترح، ورواتب الخدم والسائقين تضاعفت بسبب شح المعروض، وهو أمر لا يضر الأثرياء، بينما يقصم ظهور متوسطي الدخل ومحدوديه.

وعليه فالتضييق على استقدام الخدم الذين أصبحوا ضرورة من شأنه أن يفاقم تكاليف متوسطي الدخل بمراحل، لا أن يخفف عنهم.

المقترح الثالث لترشيد الطاقة الذي قدمته مقالة الزامل هو مجرد خطة زمنية لتطبيق ترشيد الطاقة - أي كأنها موافقة على استحياء بأن الترشيد هو العلاج الحقيقي ولكن ليس الآن لسبب لم توضحه المقالة، بالقول " .... يجب تطبيق الأسعار الجديدة المقترحة إن كان هناك فكرة واضحة لذلك بعد خمس سنوات من تطبيق الخيارين الأولين المقترحين منا وهما ترشيد الاستقدام، وترشيد الدولة وأجهزتها للطاقة وهنا يجب تطبيق الزيادة على الجميع مع الأخذ بعين الاعتبار الفقراء والموظفين في الحكومة والقطاع الخاص الذين يتقاضون رواتب معينة".

أتفق مع الدكتور في ضرورة الأخذ في الاعتبار لحال الشريحة المتوسطة، ولكن لا يجب أن يكون هذا بعد خمس سنوات فهي مدة اعتباطية لم يقدم لها ما يبررها، ولا يوجد ما يمنع من البدء بهذا الشهر المقبل، إن اتضحت المصلحة. إن التأجيل للعلاج مضر بالصحة، ويفاقم الأمراض، ولا يوجد ما يبرر عدم إصلاح السفينة بحجة أن هناك في الجهة الأخرى خرق آخر لابد من إصلاحه.

هل هي عريضة للدفاع؟

تعجز المساحة عن ملاحقة المقالة في كل شاردة وواردة ، فهي مقالة أشبه بعريضة للدفاع عن مكتسبات رجال الأعمال المستفيدين من أسعار الطاقة الرخيصة وفيها من الأضرار الشيء الكثير على محدودي الدخل والشريحة المتوسطة رغم أنها تترست بهم لتتيه بوصلة الجواب، لهذا، لا أظن أن استخدام تلك الشريحة كان موفقا، ولا سيما أن الدفاع عن المكتسبات أمر مشروع عبر الطريق الواضح لا سلك طرق وعرة.

نعم قد يكون الأمر أصعب لأن المستفيد من دعم أسعار الطاقة بهذا الشكل الخرافي هو القطاع الخاص والشريحة الأكثر ثراءا فهم من يستهلك الطاقة بشكل لا محدود في تنمية ثرواتهم، أما ذوي الدخل المحدود فاستهلاكهم للطاقة لا يتعدى خانة مئات الريالات.

ولهذا، فالحل ليس بإبقاء الحال كما هو عليه، بل بوضع منهجية موضوعية تأخذ في الاعتبار إيقاف الهدر وتوجيه الإعانة لمستحقيها، لا أن نستمر في دعم كل شيء حتى لو كان مصنعا لا يمشي إلا بالإعانات طوال حياته، دون أن تنسكب آثارا جوهرية على ذوي الدخول المتوسطة والصغيرة... وعندما تحين أي لحظة لمعالجة اختلال جوهري في السوق، تهب الجيوش الصوتية رافعة رايات الخناجر دفاعا عن مكتسبات مالية لا يريدون أن تلمس ولو بشعرة..طبعا، لأجل الفقراء!

الآن سياسة الترشيد

بكل موضوعية أعتقد أنه لا يوجد ما يمنع الدولة من تنفيذ سياسة الترشيد دون المساس بالشريحة المتوسطة والمحدودة، فالترشيد لا يعني ترك الناس هملا لا راعي لهم، بل إن الترشيد يعني وبكل بساطة إعادة توجيه الموارد المالية ليستفيد منها ذوو الدخل المحدود بالدرجة الأولى، ففيها يتحقق معنى الإعانة بشكل حقيقي، لأن الإعانة لم يتم تقريرها إلا لأجل أن تصل إلى الشريحة المستهدفة من المواطنين متوسطي الدخل ومحدودية لا الأغنياء أو تجار الشنطة والمتسترين، وهذا ما يحقق أهداف وآمال خادم الحرمين الشريفين كما نراها في كلماته وأفعاله في السعي لزيادة مساحة الطبقة المتوسطة صمام الأمان في أي مجتمع.

فالترشيد يعني بكل بساطة أن تسعيرة الطاقة الممنوحة، مثلا، للمصانع التي تعلوها العناكب، لا بد أن تكون بسعر السوق حتى تتحسن كفاءتها الاقتصادية أو أن تقفل أبوابها بدلا من استمرار الصرف عليها لسنوات طويلة عبر دعم خزانة الدولة، ففي الغاز مثلا التسعيرة تبلغ في بعض الأوقات عشرة أضعاف سعر السوق بدون حدود زمنية ... الترشيد يا سادة لا يعني أن الأموال ستدخل خزانة وزارة المالية، بل يعني بكل بساطة أن هناك فوائض مالية ستتم الاستفادة منها عبر تحويل الفائض مباشرة إلى برامج تنموية في كل منطقة لتحقيق تنمية اجتماعية مستدامة، أسرد عليكم بعض التصورات التي يمكن تطبيق أي منها:
1- زيادة دعم الإسكان الشعبي، فترتفع مبالغ الإقراض الحكومي لتكون مليون ريال لكل شخص دخله السنوي لا يتجاوز 200 ألف ريال (بدلا من منح القرض العقاري لكل واحد حتى المليونير) فوفقا لأشد الدراسات تفاؤلا فإن نسبة من يملك منزلا في المملكة لا تتجاوز 50 في المائة من سكان المملكة والبقية في إيجارات ترهقهم قترا، فيا ترى أيرضيكم أن يستمر الدعم لأسعار الطاقة أم ضخ المزيد من السيولة في هذا القطاع ورفع سقفه ليتوافر للشريحة المتوسطة أهم عنصر أساسي في المعيشة الكريمة؟

2- زيادة مخصصات الضمان الاجتماعي والأرامل والأيتام وفتح فرص تدريب وتعليم متخصص ليكون مصدر رزق لهم يكفل لهم حياة كريمة؛ إذا عرفنا أن مخصصات الضمان الاجتماعي تبلغ قرابة 20 ملياراً ما بين مخصصات أصلية وأخرى تدعيمية وطارئة.

ووفقا لوزارة الشؤون الاجتماعية، فإن مخصصات الضمان تبدأ بمبلغ 861 ريالاً شهرياً للشخص الواحد، و1145 للاثنين، و1400 لعائلة من ثلاثة أشخاص.. ولا أدري كيف يمكن لهؤلاء أن يعيشوا بمبلغ 50 ريالاً في اليوم؟ ما رأيكم لو أنه بالإمكان دعم هؤلاء بأضعاف مضاعفة عبر فقط توجيه إعانة الطاقة لهم بدلا من تهريبها وإساءة استخدامها إلى الأبد؟ أسألكم بالله كيف يطيب لنا تقديم إعانات الطاقة ولدينا وفق آخر الإحصائيات أكثر من 600 ألف عائلة محتاجة - أي أن العدد الإجمالي يبلغ أضعافا مضاعفة؟ أيعقل ويقبل أن نعيش وفي أوساطنا من يعيش فقط على مصدر دخل هذا قدره كله، ويوجد من يعترض على وقف هذا الهدر المالي وتوجيهه التوجيه الأمثل والأصلح، وتصاغ العرائض لتبقى الأسعار منخفضة لتتعاظم مكتسبات المهربين والمسرفين وأصحاب الليموزينات وغيرهم؟

3- زيادة الرواتب لكل الموظفين في المراتب الدنيا ممن لا توجد لديهم دخول أخرى، ليكون كل موظف راتبه خمسة آلاف ريال بحد أدنى، فرواتب الموظفين من المراتب الدنيا لا تسمن ولا تغني من جوع، و بالإمكان معالجة الكثير من قصورها، وهذا يتم عبر تخصيص جزء من الدعم الحكومي لأسعار الطاقة - أو أي إعانة غير مبررة - لمصلحة هذه الشريحة، ونبدأ بتعديل المراتب الأدنى فالأدنى، تصاعدا حتى يكون الحد الأدنى لكل الوظائف الحكومية خمسة آلاف ريال على مرحلة عشر سنوات، بدلا من استمرار التأفف والتضجر، والتصفيق للإعانات المقدمة لتجار الديزل المهرب والغاز شبه المجاني والأسفلت النادر (اليوم لا يمكنك إيصال الكهرباء لمنزلك بسهولة حتى يتم التأكد من أن لدى المقاول كمية أسفلت كافية).

4- تخصيص المزيد من الأموال لإقراض المشاريع الصغيرة، بدلا من استمرار استئثار الشركات الضخمة بقروض الدولة، ليكون مبلغ كل قرض خمسة ملايين ريال، وتعطي إمكانية استقدام مساوية - إن لم تكن أكبر من تلك الممنوحة للمقاولين والصناعيين الكبار، وتخيلوا لو صرفنا فقط المبلغ الموفر من تسعيرة الوقود الذي يبلغ مليارات سنويا لهذه الشريحة، كم هي المشاريع التي سنتمكن من إقراضها وربما يكون من بينها "مايكروسوفت" جديد لا نعرفه لأنه صغير جدا اليوم بصوت لا يكاد يسمع.

5- دعم المناطق الأقل تنمية عبر توجيه منح القروض الصناعية والتجارية والسكنية والتنموية لها فهي مناطق نعترف جميعا أنها أهملت، ويجب أن يتم الالتفات إليها ولا يمكن فعل ذلك دون زرع الحوافز التي منها القروض والمنح المالية التي من الممكن أن تنعش تلك الاقتصادات وتعيد تأهيلها.

6- توفير المستشفيات في كل أركان المملكة بدلا من هذه الاختناقات المزرية التي تعصف بقطاعنا الصحي.

7- دعم الجمعيات الخيرية.

8- منح المجالس البلدية مبالغ مالية ليكون لكل مجلس الحرية والمرونة في صرفها فيما يخدم احتياجات منطقته.

والقائمة تطول وبالإمكان الاسترسال في سرد الكثير، ولكن المهم في كل هذه المعادلة، أن كل هذا من الممكن أن يتم دون أن تتحمل الدولة تكلفة إضافية ودون أن يدخل خزنتها ريال إضافي، بل عبر فقط تغيير المعادلة، فبدلا أن تصب النسبة الكبرى فوارق الأسعار في الطاقة في جيوب الأثرياء والمتخلفين، يتم تحويل وجهتها إلى جيوب الشريحة المتوسطة والمحدودة.

حصر الإعانات بشكل إجمالي

ختاما، لابد من حصر الإعانات بشكل إجمالي في البلد والإجابة على سؤال من الوزن الثقيل جدا في تحديد بوصلة الاتجاه المستقبلية: هل فعلا أن الإعانات-بكل أشكالها - تحقق الغاية المنشودة من إقرارها؟ هل يتم تحقيق الأهداف التنموية التي من أجلها تم رسم تلك الإعانات؟ هل تصل إلى الشرائح المستهدفة؟ أعتقد – شخصيا - أننا بحاجة إلى مراجعة فاحصة لكل الإعانات، وأن يتم التأكد من أن الإعانة موجهة لتتواءم مع ما نتطلع إليه جميعا من رفع مستوى المعيشة للمواطنين وإيجاد فرص وظيفية وتعليمية وتوفير خدمات صحية واجتماعية متميزة وتحسين فرص الحصول على مسكن لائق، وتمويل الصغار، وضمان عدم استنزاف ثرواتنا الحالية لنبقي شيئا ذا قيمة للأجيال اللاحقة.

أما الاستمرار في تقديم الإعانات بشكل غير منهجي فهو هدر لا مبرر له لثروات البلد.

يا سادة، كيف يمكن تبرير تقديم قرض مجاني قدره 150 مليون ريال لشركة أوروبية زراعية أرباحها تعانق المليار يورو، أو تقديم إعانة لأثرى أثرياء المجتمع وبمئات الملايين لإقامة مشاريع تتخم البلد بمزيد من الاختناقات البيئية، أو الاستمرار في تقديم إعانة لمصانع ضخمة أنشأت منذ عشرات السنين، بينما لدينا احتياجات صارخة تنموية واجتماعية متعطشة لمثل هذه المبالغ؟ أتفهم رعاية بعض الصناعات الوليدة لفترة من الزمن، بعد اختيارها بدقة، كصناعة الكهرباء والمياه مثلا، والمنشآت الصغيرة فترة من الزمن لا تتجاوز خمس إلى سبع سنوات، حتى يشتد عضدها، ويمكن لها التحرك بمعزل عن عكاز الحكومة، فالإعانة يجب أن تكون وقتية لا أبدية سرمدية تبقى ما بقي الكون! ما أعجز عن استيعابه هو كيف يمكن الاستمرار في ضخ هذا الكم الهائل من الإعانات - الطاقة وغيرها - دون مراجعة ومحاسبة دقيقة لحجم إسهامها في خدمة التنمية الاجتماعية.

ولا ألوم التعاطف البدهي مع من يؤيد بقاء الإعانات خاصة أنها تضرب على وتيرة اشتراكية تدعي – خطأً - دعم الفقراء والمساكين، لأن فكرة رفع الإعانة، بدهيا تتناقض مع فكرة دعم المحتاجين، ولكنها نظرة سرابية تتلاشى عند التعمق في سبر أغوار المعادلة.

أخلص من كل هذا إلى القول إن الترشيد سياسة سيستفيد منها الشريحة الأكثر احتياجا في المجتمع لأنها هي الشريحة التي لأجلها وضعت الإعانات، ولأجلها يجب توجيه الإعانات، بالطبع إذا ما أحسنا استغلال الوفرة المالية في برامج تنموية تؤدي إلى تحقيق فرص التنمية المستدامة للمجتمع اليوم ولأجيالنا اللاحقة مستقبلا؛ على المدى البعيد، حتى لو تضررت ماليا من رفع هذه الإعانة، أجزم أن مصلحة أطفالي وأحفادي ستتحقق من توسيع شريحة الطبقة المتوسطة لأن العيش بين شريحة غالبها يسكن في بيت يملكه وفي عمل شريف وفي بيئة صحية يضمن استمتاعا أكبر لذوي الدخول الجيدة بخيرات المولى، عز وجل، إنها سياسة رشيدة وليست "مغامرة" سياسية غير محسوبة، بل محسوبة بدقة، لتنعكس على مزيد من الرخاء الاجتماعي الأكثر توازنا وانسجاما، أما ترك الأمر على عواهنه فهو المغامرة التي ثبت فشلها في توجيه قطار التنمية وقطار العدالة الاجتماعية التوجيه الأمثل، الأكثر كفاءة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي