Author

زلزال العيص ليس الأول ولن يكون الأخير

|
"كان ابتداء الزلزلة بالمدينة الشريفة مستهل جمادى الآخرة أو آخر جمادى الأولى من سنة أربعة وخمسين وستمائة، وابتدأ بزلزلة خفيفة أحس بها سكان المدينة المنورة ثم اشتدت ليلة الأربعاء، ثالث الشهر أو رابعه، ففي الثلث الأخير من الليل حدثت زلزلة عظيمة أشفق الناس منها، وأزعجت القلوب لهيبتها، واستمرت حتى يوم الجمعة، ولها دوي أعظم من الرعد، فتموج الأرض وتتحرك الجدارات حتى وقع في يوم واحد، دون ليله، ثماني عشرة حركة، وبات الناس في الحرم الشريف يتضرعون ويبكون، وأحاطوا بالحجرة الشريفة كاشفين رؤوسهم مقرين ومبتهلين مستجيرين بنبيهم عليه الصلاة والسلام... وظهرت نار عظيمة في الحرة القريبة من قريظة نبصرها من دورنا داخل المدينة كأنها عندنا وهي نار عظيم إشعالها، وقد سالت أودية منها بالنار..." هذا ليس من أخبار صحف اليوم ولكنه ما ورد في كتاب أبو الحسن السمهودي (804-991هـ) الموسوم "وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ" وغيره من كتب التراث التي عكف عليها الدكتور عبد الله يوسف الغنيم (وزير التربية والتعليم الأسبق في الكويت) ليخرج لنا بكتاب مفيد يجمع أخبار الزلازل في المنطقة العربية أسماه "سجل الزلازل العربي". فلم يكن الزلزال الذي حدث في العيص بمنطقة المدينة المنورة هو الأول، وربما لن يكون الأخير، وذلك بناء على الخصائص الجيولوجية للمنطقة وموقعها بالنسبة لانكسار البحر الأحمر. لن أتحدث عن هذا الزلزال الأخير، فقد تحدث عنه المتخصصون كثيراً في وسائل الإعلام المختلفة، ولكني أرغب في إشراك القارئ الكريم فيما قرأته في الكتاب القيم المذكور أعلاه عما ورد في كتب التراث العربي عن الزلازل في المدينة المنورة. لقد زلزلت المدينة المنورة عام 5 هجرية في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم زلزلت مرة أخرى عام 20 هجرية، أي في عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ. وتُشير المصادر التاريخية إلى أنه في عام 259 هجرية "نال أهل البادية زلازل ورياح وظلمة (وخاف الناس) ممن كان حول المدينة... فهربوا إلى المدينة وإلى مكة المكرمة يستجيرون بقبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبالكعبة... وهلك خلق عظيم في البادية". كما تذكر المصادر أن الزلزلة التي حدثت في عام 460 هجرية رمت شرّافتين من مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وانشقت الأرض في تيماء. وفي عام 515هـ زلزلت مكة والمدينة زلزلة عظيمة، وتضعضع الركن اليماني من البيت الحرام وانهدم بعضه. وفي عام 592هـ هبت ريح سوداء عمت الدنيا وذلك بعد خروج الناس من مكة، ووقع على الناس رمل أحمر، ووقع من الركن اليماني قطعة، وتحرك البيت الحرام. لا يتسع المجال لذكر المزيد، ولكن حدثت زلازل أخرى في المدينة المنورة في الأعوام 668هـ و811هـ وكذلك في عام 996هـ. ختاماً على الرغم من أن الزلازل والبراكين آيات كونية لا يستطيع الإنسان دفعها، إلا أنه لا بد من إجراء المزيد من الدراسات لأخذ الحيطة، سواء من حيث تحديد مواقع المباني والمنشآت التنموية أو خصائص إنشائها، أو من حيث الإعداد للتعامل مع الأزمات والكوارث الطبيعية. وللحقيقة، فقد أبلت الجهات المسؤولة بلاء حسناً خلال هذه الأزمة، تُشكر عليه.
إنشرها