مظلة الأمم المتحدة
لقد ساعد التطور الهائل الذي شهدته قطاعات النقل والاتصالات والحاسبات والإعلام على تيسير وتكثيف التواصل والتفاعل بين كل أبناء هذه المعمورة بمختلف أديانهم ومعتقداتهم وثقافاتهم ولغاتهم، فلم يعد هناك جزء من الأسرة البشرية بكل تنوعها الثري وتعددها الخصب يعيش بمعزل عن التأثر والتأثير بغيره.
رغم أن هذه التطورات حسنت عموما حياة الإنسان، إلا أن بعض الأقليات المتطرفة داخل كل جماعة دينية وثقافية تحاول استغلال هذا التطور التقني الهائل لبث أفكار الكراهية والإقصاء والعنصرية والبغضاء لذلك فنحن مطالبون بالتعاون الجاد تحت مظلة الأمم المتحدة في سبيل إيجاد مناخات صحية لنشر قيم الحوار والتسامح والاعتدال، وبناء علاقات تعاون وسلام بين الثقافات والشعوب والدول.
وقد انعقد بين 16 و18 من يوليو العام الماضي المؤتمر العالمي للحوار في مدريد، وقد تضمنت كلمة خادم الحرمين الشريفين في افتتاح هذا المؤتمر قوله: "جئتكم من مهوى قلوب المسلمين، من بلاد الحرمين الشريفين، حاملا معي رسالة من الأمة الإسلامية، ممثلة في علمائها ومفكريها الذين اجتمعوا مؤخرا في رحاب بيت الله الحرام، رسالة تعلن أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح، رسالة تدعو إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان". وأوضح خادم الحرمين الشريفين أن المؤتمر ينعقد لأن البشرية "تمر بفترة حرجة تشهد بالرغم من كل التقدم العلمي تفشي الجرائم، وتنامي الإرهاب، وتفكك الأسرة، وانتهاك المخدرات لعقول الشباب، واستغلال الأقوياء للفقراء، والنزعات العنصرية البغيضة.. لذلك علينا أن نعلن للعالم أن الاختلاف لا ينبغي أن يؤدي إلى النزاع والصراع، ونقول إن المآسي التي مرت في تاريخ البشر لم تكن بسبب الأديان، ولكن بسبب التطرف الذي ابتلي به بعض أتباع كل دين سماوي، وكل عقيدة سياسية.. وإذا كنا نريد لهذا اللقاء التاريخي أن ينجح فلا بد أن نتوجه إلى القواسم المشتركة التي تجمع بيننا".
وقد جاء إعلان مدريد متطابقا مع هذه المضامين الخيرة، حيث أكد على "وحدة البشرية، وأن أصلها واحد، والمساواة بين الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وثقافاتهم"، وشدد إعلان مدريد على "احترام كرامة البشر والاهتمام بحقوق الإنسان وحفظ السلام والوفاء بالعهود وحق الشعوب في الأمن والحرية وتقرير المصير". ودعا إعلان مدريد إلى "رفض نظريات حتمية الصراع بين الحضارات والثقافات والتحذير من خطورة الحملات التي تسعى إلى تعميق الخلاف وتقويض السلم والتعايش"، وأبرز الإعلان أهمية "نشر ثقافة التسامح والتفاهم عبر الحوار لتكون إطارا للعلاقات الدولية".
إننا نشعر ببالغ القلق من تنامي المؤشرات على إمكانية العودة لمرحلة الحرب الباردة أو السلام الساخن بين الأقطاب الدوليين. ونؤكد في هذا الصدد أن مشكلاتنا الكونية لا يمكن إيجاد حلول ناجحة لها إلا في إطار تعاون متعدد الأطراف تحت مظلة الأمم المتحدة ووفقا لمبادئ الشرعية الدولية ومقاصد الميثاق.
* كلمة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية المنشورة في العدد 44 من مجلة "الدبلوماسي".